منتدى أصيلة يستكشف أسباب ظهور الإسلاموفوبيا في أوروبا

يعتبر منتدى مدينة أصيلة المغربي ملتقى ومنبرا ثقافيا مميزا، حيث تجتمع فيه نخب من أهل الفكر والفن والثقافة والسياسة في جو من الحوار الرصين لمعالجة قضايا فكرية وثقافية بارزة. وفي دورته لهذا العام ناقش المنتدى قضايا ثقافية راهنة وعميقة، ساعيا إلى تفكيكها بهدوء لفهمها بشكل أعمق ومجابهتها.
الثلاثاء 2017/07/25
لسنا جنبا إلى جنب

خلال الندوة الكبرى “المسلمون في الغرب” التي نظمها “منتدى أصيلة” في دورته التاسعة والثلاثين لهذا الصيف، ركز البعض من المشاركين في مداخلاتهم على ما أصبح يسمى بـ”الإسلاموفوبيا” التي أصيب بها مثقفون ومفكرون وفنانون غربيون لتكون ذريعة لتهجماتهم العنيفة والقاسية ضد الإسلام والمسلمين. بل إن البعض من هؤلاء مثل الروائي الفرنسي المعروف ميشال ويلبيك حذّر في روايته الأخيرة “استسلام”، وأيضا في كتبه السابقة من “غزو” إسلامي لأوروبا. وهذا “الغزو” سوف يضع بحسب رأيه، نهاية للحضارة الغربية.

تدفق إلى أوروبا

المفكر الفرنسي الآخر آلان فينكيلكراوت يحمل المسؤولين السياسيين من جميع الأطياف مسؤولية “غزو المسلمين لأوروبا” قائلا إنه كان من الضروري أن يفرضوا برامج في المدارس وفي الجامعات تحتم على المهاجرين التعرف على القيم الإنسانية التي تجعلهم قادرين على قبول فكرة الاندماج، والعيش مع الآخر واحترام ثقافته، وتقاليده، وديانته.

أما المهاجرون المسلمون، فيطالبهم باحترام قوانين الضيافة، وبمراعاة التقاليد العريقة في المجتمعات الأوروبية لتفادي الفوضى الراهنة. وعن موجات الهجرة التي تدفقت إلى أوروبا مؤخرا، قال آلان فينكيلكراوت “أمام هذا التدفق، نحن نشعر جميعا بالذهول. لكن للأسف الشديد، كلما سعينا إلى التفكير حول هذه الظاهرة، نصبح مدانين وملعونين”.

كان جل المثقفين والمفكرين الأوروبيين الكبار من أمثال سارتر ودو بوفوار وجينيه وفوكو وآخرين منشغلين بأوضاع المهاجرين

ويعتقد فينكيلكراوت أن كتّاب الافتتاحيات في الجرائد والمجلات المؤثرة في الرأي العام، نصبوا أنفسهم حراسا للضمير لينتقدوا بحدة ما يسمونه بـ”التراخي، والأنانية” في مجتمعات أوروبا، إلا أنّهم ليسوا على حق. وإذا ما حدث مثل هذا التدفق بحسب رأيه فلأن أوروبا “مضيافة وإنسانية”.

ولادة الإسلاموفوبيا

لكن كيف كان وضع المسلمين في الغرب قبل ظهور الإسلاموفوبيا؟ جوابا على هذا السؤال، تجدر بنا العودة إلى السبعينات من القرن الماضي. ففي تلك الفترة ظهرت العديد من الكتب المدافعة عن حقوق المهاجرين العرب، والمنددة بالعنصرية البيضاء. وكان جلّ المثقفين والمفكرين الأوروبيين الكبار من أمثال جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وجان جينيه، وميشال فوكو وآخرين منشغلين بأوضاع المهاجرين.

وفي أكثر من مناسبة ساروا في تظاهرات، وحضروا تجمعات كبيرة تدين المعاملات العنصرية التي تستهدف المهاجرين. ولم يتردد سارتر في الوقوف على برميل ليخطب في تجمع العمال أغلبهم من المغاربة. وقبل ذلك، كان قد قاد الحملة الإعلامية الكبيرة التي طالبت باستقلال الجزائر.

في نفس تلك الفترة، أصدر الكاتب المغربي الطاهر بن جلون كتابه “أقصى درجات الوحدة”. وقد كان هذا الكتاب ثمرة تحقيق قام به في أوساط المهاجرين المغاربة. وما نستنتجه من ذلك الكتاب هو أن أغلب العمال المهاجرين الذين التقى بهم بدوا منقطعين عن الحياة في فرنسا، وعن الثقافة الفرنسية، والأوروبية. وجميعهم يتكلمون لغة فرنسية بائسة وفقيرة في كلماتها وغامضة في معانيها.

وبحكم أوضاعهم المادية، كانوا يعيشون في “غيتوات”، وفيها لا يجدون المتعة إلاّ في لعب الورق، وشرب الشاي، وترديد الأغاني المشهورة في بلدانهم الأصلية التي اضطروا إلى مغادرتها من أجل الحصول على لقمة العيش.

أما ما يحدث في فرنسا، أو في غيرها من البلدان الأوروبية فلم يكونوا معنيين به. لذلك هم يندهشون حين يعلمون أن مثقفين ومفكرين مرموقين يهتمون بأوضاعهم، ويتعاطفون مع قضاياهم.

التحولات التي أنتجت الإسلاموفوبيا حدثت من دون أن تسعى الدول العربية إلى بعث مراكز ثقافية وفنية للتصدي لهذه الظاهرة

وحين يحضرون التجمعات والتظاهرات التي يخطب فيها هؤلاء، هم يعودون إلى “غيتواتهم” من دون أن يفهموا معانيها ومقاصدها. لكن ابتداء من ثمانينات القرن الماضي، وبسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية التي استفحلت، وباتت تهدد الاستقرار والأمن في بلدان كثيرة، ازداد تدفق المهاجرين العرب والمسلمين على أوروبا ارتفاعا وحدة.

وفي ظرف سنوات قليلة، أصبحت العواصم والمدن الكبيرة مثل باريس وروما ولندن وستوكهولم وأمستردام وفرانكفورت ومدريد تعج بأعداد هائلة من المهاجرين. وفي العواصم والمدن المذكورة، ظهرت أحياء خاصة بالمهاجرين وحدهم. واحتراما لهم، سمحت الحكومات الأوروبية لهؤلاء ببناء مساجد سرعان ما احتلها المتطرفون لنشر أفكارهم الأصولية المحرضة على التكفير والجهاد والعنف.

وتحت تأثيرهم، بدأ أبناء الجيل الثالث والرابع من المهاجرين الذين يتمتعون بالجنسية في البلدان التي يقيمون فيها، ينجذبون إلى أفكارهم وفتاواهم. وكثيرون منهم انساقوا إلى التطرف ليلتحقوا بمنظمات تمارس القتل والإرهاب باسم الإسلام مثلما هو حال “القاعدة”، و”داعش”.

تحولات كبرى

مع حلول الألفية الجديدة، تحول الحجاب والبرقع إلى قضية تشغل الحكومات ووسائل الإعلام الأوروبية. وقد ازداد المهاجرون العرب والمسلمون انفصالا عن واقع البلدان الأوروبية التي يقيمون ويعملون فيها بسبب كثرة القنوات التلفزيونية التي غالبا ما يهيمن عليها أصوليون متطرفون، وفيها تكثر الحصص الدينية التي تتحدث عن”فوائد الحجاب”، وعن “عذاب القبر”، وعن “شرور” الحضارة الغربية و”مساوئها”.

وقد ازدادت الأوضاع سوءا وتعفنا بعد أن استفحلت العمليات الإرهابية التي ذهب ضحيتها العشرات من المدنيين الأبرياء. وكانت كل هذه التحولات تحدث من دون أن تسعى الدول العربية إلى بعث مراكز ثقافية وفنية تعمل من خلال برامج وأنشطة وندوات على التصدي لمثل هذه النزعات الخطيرة لا على البلدان الأوروبية فقط، بل على العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم.

وقد وجدت التيارات العنصرية واليمينية المتطرفة في هذه التحولات تربة ثرية لشيطنة الإسلام والمسلمين، وتحميلهم مسؤولية تدهور أوروبا حضاريا وثقافيا. كما تقلص عدد المثقفين والمفكرين الذين كانوا يظهرون تعاطفا حتى لو كان محدودا ومحتشما تجاه المهاجرين العرب والمسلمين. وبتأثير من كل هذه العوامل، ظهرت الإسلاموفوبيا لتصبح ظاهرة حاضرة في الخطاب السياسي والاجتماعي والثقافي في كل البلدان الأوروبية.

15