مناورات بين الرباط وواشنطن تقلق مدريد

الرباط - لم تخف أوساط سياسية إسبانية قلقها وامتعاضها أعقاب إجراء المغرب والولايات المتحدة، مناورات عسكرية مشتركة “مصافحة البرق” في المحيط الأطلسي بالمنطقة الواقعة بين أغادير (وسط) وطانطان (جنوب) بالمغرب.
وانتقد مستشار حزب بوديموس دافيد كربايو التدريبات العسكرية البحرية والجوية، التي نفذتها القوات المغربية والأميركية بالقرب من جزر الكناري، دون أن يكون لإسبانيا علم بذلك، في خطوة تكشف زيادة عداء الحزب المحسوب على اليسار المتشدد للرباط، خاصة بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على صحرائه.
وبرر كربايو رفضه لتلك التدريبات، بأنها تأتي في وقت تعرف فيه العلاقات المغربية والإسبانية توترا بسبب عدد من القضايا، على غرار الهجرة والصراع مع جبهة البوليساريو الانفصالية، ورغبة المغرب “في ضم مياه جزر الكناري”.
وذهب المحلل السياسي هشام معتضد إلى أن الانتقادات الإسبانية للتدريبات المشتركة بين الطرفين، تعكس مدى عزم مدريد على ممارسة الضغط الدبلوماسي والتكتيك السياسي، من أجل التأثير سلبا على الاتفاقيات الثنائية ذات الوزن الاستراتيجي الكبير للأجهزة العسكرية المغربية مع القوى الدولية.
وقال معتضد في تصريح لـ”العرب” إن “التخوف الإسباني من المناورات البحرية بين المغرب وواشنطن، يندرج في إطار حرص الجارة الشمالية للمغرب على ضبط توازنات القوى العسكرية على المستوى الإقليمي، وانزعاجها من التطورات الحساسة لمختلف الأجهزة العسكرية المغربية والتي أربكت الحسابات العسكرية لمدريد”.
وأوضح أن “هذا التوجه الإسباني تمليه الظرفية الإقليمية الراهنة والتحولات التي تشهدها المنطقة، خاصة تلك المتعلقة بالتوازنات الأمنية الجديدة على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا”.
وشهدت الأيام الأخيرة إجراء مجموعة من المناورات (مصافحة البرق) في المحيط الأطلسي بالمنطقة الواقعة بين أكادير وطانطان، والتي تضم “مصافحة الأطلس 1-21” الذي شاركت فيه الفرقاطة “علال بن عبدالله”، السفينة من نوع “سيغما” التابعة للبحرية الملكية، والمدمرة “أس.أس بورتير” للبحرية الأميركية، بالإضافة إلى تمرين “مصافحة الأطلس 2-21” الذي جمع الفرقاطة “محمد السادس” متعددة المهام للبحرية الملكية والمدمرة “أس.أس بورتير” من جانب القوات البحرية الأميركية.
وتأتي هذه المناورات في إطار اتفاق بين واشنطن والرباط في مجال التعاون الدفاعي الذي وقع مؤخرا بالرباط، الممتد من سنة 2020 إلى 2030. وهو ما شكل امتعاضا داخل الأوساط السياسية والعسكرية الإسبانية.
ولفت معتضد إلى “أن العديد من التقارير العسكرية تشيد بالتطورات المهمة التي شهدتها القوات المغربية، والمكانة الإستراتيجية الهامة التي تكتسيها على المستوى الإقليمي، خاصة وأنها حققت تقدما كبيرا على مستوى مؤشر التنافسية الأمنية والعسكرية”.
وكنوع من التعبير المبطن على توجهات المؤسسات الرسمية الإسبانية، شكك كربايو في نوايا هذه المناورات العسكرية التي نفذتها القوات المغربية والأميركية بسفن بحرية ومقاتلات جوية، مؤكدا “بأن المغرب يُحاول الضغط على إسبانيا من أجل تحقيق المكاسب التي يرغب فيها”.
وزعم كاربايو بأن المغرب يستعرض قوته على إسبانيا من أجل تحقيق مكاسب جيوسياسية، مطالبا بإعادة النظر في الكثير من علاقات التعاون التي تجمع بين البلدين.
وفسر معتضد هذا السلوك من حزب بوديموس، بأن “الشراكة المغربية الأميركية، والتي تزعج حكام إسبانيا سياسيا وأمنيا، خاصة وأنها تسعى إلى تعزيز الحضور المغربي في المنطقة، تدفع بالإدارة الإسبانية إلى استعمال كل الوسائل المتاحة لديها من أجل التضييق على مشروع هذا التعاون المغربي الأميركي متعدد الأبعاد، ولو على حساب التاريخ والذاكرة المشتركة بين البلدين”.
ويشكل موقع الرباط رقما مهما في الإستراتيجية الأميركية، كونه حليفا موثوقا وأحد أقوى شركاء واشنطن في جهود مكافحة الإرهاب.
وأكدت سفارة الولايات المتحدة بالرباط، أن “المغرب شريك حاسم للولايات المتحدة في مجموعة من القضايا الأمنية”، مضيفة أن “المناورات ترفع من قدرة القوات البحرية الأميركية والمغربية للعمل معا، من أجل مواجهة التحديات الأمنية وزيادة الاستقرار بالمنطقة”.
وزادت تصريحات المسؤولين الأميركيين من قلق المؤسسات الإسبانية الرسمية ومراكز التفكير المحلية.
واستنتج معتضد بأن “مساعي إسبانيا إلى تقزيم النفوذ المغربي إقليميا على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، يبقي ضعيفا”.
وختم بالقول “إسبانيا ما زالت تُعِدّ حساباتها الجيوسياسية والإستراتيجية بِناء على تصور تقليدي متجاوز لدور وحضور الرباط”. وفي اعتقاده “تجد مدريد صعوبة في تقبل الأوضاع والتطورات الجديدة في المنطقة”.