منافسة ساخنة في النقابات تعوّض البرود السياسي في مصر

تبدو انتخابات النقابات المهنية فرصة لتحقيق أهداف سياسية وخدمية، حيث تنتج الكوادر للعمل العام، مع ضيق مسارات التصعيد السياسي التقليدية.
الاثنين 2024/03/25
منافسة قوية

القاهرة– تسيطر أجواء ساخنة على انتخابات النقابات المهنية في مصر، وهو ما عكسته انتخابات نقابة المحامين السبت التي خيمت عليها المشاحنات بعد انتهائها لصالح المرشح المحسوب على تيار الإصلاح المستقل عبدالحليم علام.

وغابت هذه الأجواء عن مصر مؤخرا، وبدا العزوف عن المشاركة السياسية لافتا، حيث سيطر اقتناع عام بأن الانكفاء على المشكلات المعيشية أولى من الاهتمام بالتطورات السياسية.

وشهدت انتخابات نقابة المحامين منافسة قوية ترتب عليها إرجاء الاقتراع الذي كان مقررا له أن يُجرى في التاسع من مارس الجاري بسبب استبعاد عدد من المرشحين المدونين في الكشوف الانتخابية، وبلغ عدد الطعون حوالي 100 طعنا.

ورغم تراجع نسب المشاركة لم يحل ذلك دون وقوع مناوشات بين مندوبي المرشحين داخل اللجان الانتخابية، وسط توقعات باستمرار عملية الطعون في نتيجة الانتخابات عقب إعلانها رسميّا.

حماد عبدالله: تراجع الاهتمام بالسياسة انعكس على انتخابات النقابات المهنية
حماد عبدالله: تراجع الاهتمام بالسياسة انعكس على انتخابات النقابات المهنية

وتنافس في انتخابات نقابة المحامين 15 مرشحًا على مقعد النقيب. أبرزهم علام الذي كان حسم الانتخابات التكميلية، التي أجريت قبل عامين بعد وفاة النقيب السابق رجائي عطية، لصالحه، إلى جانب النقيب السابق سامح عاشور الذي ظل نقيبًا للمحامين لما يقرب من 20 عاماً، وتنازل عن عضويته في مجلس الشيوخ لخوض الانتخابات.

وعبرت اختيارات المحامين عن رغبة في أن يكون العمل الخدمي هو السائد في نقابتهم، إذ استطاع علام أن يعيد ترتيب صفوف النقابة واستكمل ما بدأه سابقه رجائي عطية وتحرك للدفاع عن مصالح الأعضاء دون حسابات سياسية، وهو ما حدث حينما خرج المحامون في أول تظاهرة انطلقت من وسط القاهرة بعد غياب سنوات، معترضين على منظومة الفاتورة الإلكترونية التي أقرتها الحكومة.

وشهدت الانتخابات كثافة في أعداد المرشحين على كافة المقاعد، وتنافس 253 مرشحًا على مقاعد العضوية في النقابات الفرعية بالمحافظات التي تشهد نشاطاً مع كثافة أعداد المحامين، ويصل عدد من يحق لهم التصويت في الانتخابات إلى ما يقرب من 300 ألف محام.

وقال المحامي وعضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي إن “سخونة المنافسة بين عاشور وعلام تأثرت بإجراء الانتخابات أثناء الصيام وسط تقديرات سجلت حضورا بلغ 40 ألف ناخب، بينما كان من المتوقع مشاركة ضعفهم على الأقل، وعلى المحامين الفترة المقبلة تجاوز خلافاتهم السياسية والعمل على الارتقاء بمستوى المهنة”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “انتخابات النقابات المهنية تشهد منافسات قوية، خاصة من قبَل المحامين، باعتبارهم أكثر قدرة على الدفاع عن الحريات العامة وإجادة توظيف الكلمات، وهو ما انعكس على الخطاب الانتخابي والانتقادات المتبادلة بين المرشحين، ما خلق منافسة صحية يحتاج إليها المجتمع، شريطة أن تبقى في إطار القوانين المنظمة للعملية الانتخابية”.

وحدثت أكثر من واقعة اعتداء بين مندوبي المرشحين، وهي ممارسات تظهر في اقتراعات النقابات، وكان أبرزها ما شهدته إجراءات تجديد الثقة في نقيب المهندسين الحالي طارق النبراوي في مايو الماضي؛ إذ شهدت أحداث عنف قادت إلى عدم إعلان نتيجة التصويت، وتدخلت جهات حكومية عديدة لتهدئة الأوضاع داخل النقابة.

pp

ولفت العوضي في حديثه لـ”العرب” إلى أن “استخدام الحق القانوني لدى المحامين للطعن في نتائج الانتخابات أمر مهم ويكفله القانون، لكن الأزمة تكمن في إساءة استغلال القانون وإدخال النقابة في نفق مظلم من الأزمات في وقت يحتاج فيه المحامون إلى تحسين أوضاعهم، وسط تعالي الأصوات المنادية بالتدخل العاجل لإنقاذ المحامين، وضرورة إقرار قانون جديد يواكب التطورات الراهنة”.

وتبدو انتخابات النقابات المهنية فرصة لتحقيق أهداف سياسية وخدمية، حيث تنتج الكوادر للعمل العام، مع ضيق مسارات التصعيد السياسي التقليدية، في ظل تجميد انتخابات المحليات وخفوت دور الأحزاب وصعوبة المنافسة في الانتخابات البرلمانية التي تعتمد على رأس المال كقوة رئيسية تدفع إلى الحصول على مقعد نيابي.

كما أن تحسين أوضاع أعضاء نقابة مثل المحامين يوفر كوادر سياسية ويمنحها قدرة على تسويق نفسها خارج منظومتها التي تميل حاليا إلى دعم خدمات الأعضاء أولا.

15

مرشحًا على مقعد النقيب أبرزهم علام الذي كان حسم الانتخابات التكميلية، التي أجريت قبل عامين

ويشكو العديد من أعضاء الجمعيات العمومية للنقابات تراجع الاهتمام بتطوير المهنة على حساب العمل الخدمي الذي يحتاجونه، ما يترك انطباعًا بأن السياسة حاضرة في العمل النقابي وإن خفت صوتها بشكل كبير بعد اختفاء جماعة الإخوان من المشهد السياسي، والتي وضعت انتخابات النقابات هدفا لتسللها إلى نسيج المجتمع، وتضييق الخناق على محاولة بعض الأحزاب القيام بدور سياسي يرفضه أعضاء الجمعيات العمومية ممن لديهم رؤى ترفض تسييس حواضنهم المهنية.

وأكد عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين حماد عبدالله أن تراجع الاهتمام بالسياسة انعكس على انتخابات النقابات المهنية، وبدا التفاعل مع الاقتراعات قليلا للغاية، ففي نقابة المهندسين هناك 20 ألفا من أعضاء الجمعية العمومية لديهم رغبة في المشاركة من بين ما يقرب من مليون عضو، والأمر يرتبط بتحرك الناخبين في أوقات الأزمات، وطالما أن الأوضاع تسير بلا مشكلات تصبح القدرة على الحشد ضعيفة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “المعنيين بالعمل النقابي في مصر ينتابهم شعور بعدم تدخل السياسة في قضايا النقابات المهنية، ما انعكس على المواجهة القوية لمحاولة بعض الأحزاب الهيمنة على النقابات، وهو ما يخلق أجواء تدعم المنافسة في ظل التوجه نحو التصويت للمرشحين المستقلين الذين لديهم برامج لتطوير المهنة”.

وشدد حماد على أن الإقبال المكثف الذي يظهر في بعض اقتراعات النقابات يرجع إلى أن الكيانات المهنية أكثر ارتباطًا بأصحابها، وفي أوقات المشكلات الاقتصادية تتزايد الرغبة في تحسين جودة الأداء النقابي، ما يحمل أثرا إيجابيا للأعضاء.

وشغلت الخدمات الاجتماعية الجزء الأكبر من برامج انتخابات نقابة المحامين، وتضمنت زيادة المعاشات سنويّا، وتفعيل نصوص قانون المحاماة وتعديلاته بشأن إنشاء أكاديمية للمحاماة، وركز مرشحون على تطوير وتحسين الأداء الخدمي والنقابي.

 

اقرأ أيضا:

       • الحكومة المصرية تشرك الرأي العام في توصيات الحوار الوطني

1