مليك ربراب شاب جزائري على رأس أكبر إمبراطورية اقتصادية خاصة في البلاد

يراهن عليه مجمع "سيفيتال" لعزل المال عن السياسة.
الأحد 2022/08/21
شاب طموح يخرج من العتمة إلى النور لقيادة أكبر مجمع اقتصادي

اختار مالك أكبر إمبراطورية مالية في الجزائر التقاعد الطوعي عن عمر 78 عاما، وسلم المشعل لابنه الشاب الذي تدرج داخل المجمع الصناعي العائلي وخبر أسرار عالم المال والأعمال، ليفتح بذلك آفاقا جديدة أمام المجمع، خاصة في ما يتعلق بالعلاقة المتذبذبة التي جمعته بالسلطة منذ سنوات، حيث وصلت في بعض منعطفاتها إلى سجن الرجل بدعوى التزوير والتلاعب بأوراق الجمارك والضرائب.

أعلن يسعد ربراب، أكبر رجال الأعمال في الجزائر والمنطقة، الذهاب إلى التقاعد، بعد مسيرة شاقة كللت بالنجاح وبتشييد أكبر مجمع اقتصادي خاص في البلاد، يعتبر هو الدافع الثاني للضريبة إلى خزينة الدولة بعد شركة سوناطراك النفطية الحكومية، وسلم المأمورية إلى ابنه مليك صاحب الخمسين عاما، في خطوة تجسد الانتقال الهادئ للثروة، ويأمل منها ضخ دم جديد في المجمع.

وتولى مليك ربراب القيادة بمباركة من والده نهاية شهر يونيو الماضي، ليكون بذلك الرجل الأول في المجمع وفي الجزائر الذي يتحكم في قطاع عريض من السوق المحلية على غرار الزيت والسكر والحديد وبعض الصناعات الغذائية والتحويلية والمتاجر، وهي المواد التي كانت محل جدل متجدد كثيرا ما ارتبط بالتجاذبات والنفوذ السياسي.

خصومات دائمة مع السلطة

ربراب يتولى القيادة بمباركة من والده ليكون بذلك الرجل الأول في المجمع وفي الجزائر
ربراب يتولى القيادة بمباركة من والده ليكون بذلك الرجل الأول في المجمع وفي الجزائر

وفي 2011 حين انتفض الشارع الجزائري ضد موجة الغلاء، وسميت حينها بـ"ثورة الزيت والسكر"، توجهت الأنظار كلها إلى ربراب وإلى مجمع "سيفيتال" الذي يملكه، وتعالت الأصوات داخل البلاد ضد ما أسمته بـ"الاحتكار المنظم"، لكن الخزائن التي كانت مملوءة آنذاك أنقذت السلطة حينها، ولأنها كانت تخشى أن ترتدي ثورة الزيت والسكر ثوب الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة، سارعت لإعفاء المجمع من عدة رسوم وضرائب من أجل الحفاظ على الأسعار والوفرة، على أن تتحملها الخزينة العمومية، وهو ما اعتبر "صبا للماء في البحر" على حد تعبير المأثور الجزائري.

ومنذ ظهور مجمع "سيفيتال" ظلت علاقته بالسلطة تتراوح بين التناغم والتنافر، وكثيرا ما دخلت التجاذبات السياسية على الخط خاصة خلال السنوات الأخيرة، فانحدار المالك والمؤسس من منطقة القبائل كثيرا ما كان غطاء لبعض التوترات بين الدوائر النافذة في المشهدين الاقتصادي والسياسي في الجزائر، ولعل أبرزها تعرض الرجل إلى السجن في العام 2019.

◙ ربراب الأب يريد التخلص من إرث المرحلة السابقة، فمنذ أشهر قليلة تخلى عن أعرق صحيفة فرانكفونية، وهو ما اعتبرته أطراف سياسية "قربان التطبيع مع السلطة"

وبالموازاة مع حملة الحرب على الفساد التي فتحها قائد الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، واندلاع احتجاجات الحراك الشعبي، وبروز حملة إلكترونية تتحرش بالمنطقة ورموزها، كان يسعد ربراب من بين الشخصيات التي سجنت لمدة ثمانية أشهر بدعوى التزوير والتلاعب في أوراق الجمارك والضرائب، قبل أن يبرّأ ويتم الإفراج عنه، وفي تلك الفترة أدار ابنه والرئيس المدير العام الحالي مليك ربراب، شؤون المجمع بالنيابة عن والده.

العائلة الثرية تتكون من الوالدين وخمسة أبناء منهم الذكور والإناث، وبغض النظر عن المعايير والشروط التي توفرت في مليك وافتقد إليها إخوته، فإن تدرجه وقربه من الرجل الأول واحتكاكه المستمر به أهّله لأن يكون محل ثقة المؤسس من أجل ضخ دم جديد أو إعطائه بعدا أكثر براغماتية.

يبدو أن الأب الذي بلغ من العمر عتيا يريد فتح آفاق جديدة للمجمع عبر سياسة جديدة تجسدها نخبة إدارية جديدة، والتخلص من إرث المرحلة السابقة، فمنذ أشهر قليلة تخلى عن أعرق صحيفة فرانكفونية، كانت تعبّر عن صوته ومواقفه السياسية المعارضة، وهو ما اعتبرته أطراف سياسية "قربان التطبيع مع السلطة".

وظلت صحيفة "ليبرتي" منذ تأسيسها في مطلع تسعينات القرن الماضي مصدر صداع للسلطة خاصة بتركيزها على النضالات الأمازيغية، الأمر الذي اعتبر لسان حال الرجل، ولذلك اعترضت مشاريعه واستثماراته العديد من العراقيل المفتعلة، مما اضطره إلى نقلها الى الخارج، لتنضاف بذلك إلى استثمارات أخرى في البرازيل والسودان وفرنسا.

التأسيس لمرحلة جديدة

علاقة مجمع "سيفيتال" بالسلطة، ومنذ ظهوره إلى الوجود، ظلت تتراوح بين التناغم والتنافر
علاقة مجمع "سيفيتال" بالسلطة، ومنذ ظهوره إلى الوجود، ظلت تتراوح بين التناغم والتنافر

ولعل فترة السجن التي تعرض لها كانت بمثابة الجولة الأخيرة من صراع طويل بينه وبين السلطة، ولذلك يكون قد رجّح كفة براغماتية رجال المال والأعمال على حساب المواقف السياسية، فأعلن عن حل الصحيفة، وعن تقاعده الطوعي، وتسمية ابنه مليك على رأس مجمع "سيفيتال" الاقتصادي.

وحين سئل ربراب عن أسباب غلق الصحيفة رغم ما كانت تمثله من ثقل داخل المشهد الإعلامي الجزائري رد بالقول "القرار عائلي"، وهو ما يعطي الانطباع بأن صناع القرار في المجمع يريدون دخول مرحلة جديدة بعيدا عن التجاذبات السابقة، خاصة وأن له تجربة مماثلة في هذا المجال، عندما قام العام 2018 بشراء مجمع الخبر الإعلامي وهو قناة تلفزيونية وصحيفة ورقية، وموقع إلكتروني ومطبعة ومبنى فخم في ضاحية حيدرة الراقية بأعالي العاصمة، لكن السلطة أبطلت العملية بواسطة القضاء حينها.

ربراب يدير أكبر مجمع اقتصادي خاص في البلاد، ويعتبر الدافع الثاني للضريبة إلى خزينة الدولة بعد سوناطراك النفطية الحكومية

ربراب الذي بدأ مشواره المهني كمحاسب في مؤسسة حكومية، انتهى به المطاف إلى مالك أكبر إمبراطورية اقتصادية في الجزائر والمنطقة، لكن على مدار ثلاثة عقود تدحرجت مسيرته بين الأعلى والأسفل، فكما بدأ مسيرة رجال الأعمال بقرض بنكي وبدعم من نافذين في جهاز الاستخبارات السابق، صادفته العديد من المطبات والعراقيل.

وقد قال عنه رئيس الحكومة السابق بلعيد عبدالسلام إنه “كان يحوز على أولوية وأفضلية تتعدى حتى سلطات رئيس الحكومة، ولما حاولت التدخل في إحدى المرات لمنع تحويله لمبلغ مالي من العملة الصعبة لأن الخزينة كانت تئن تحت أزمة خانقة في التسعينات، وصلتني شتى أنواع الضغوطات والتهديدات من طرف ضباط كبار في المؤسسة العسكرية”.

لكن ذلك النفوذ عرف تراجعا كبيرا بقدوم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة إلى السلطة في 1999، خاصة مع ظهور تكتل قويّ من رجال مال وأعمال يدعم السلطة، وازدادت العلاقة سوءا لما رفض تحويل جمعية مهنية إلى ذراع سياسية تؤيد رئيس الدولة، مما أدى إلى افتعال عدة عراقيل أمام مشاريع واستثمارات كان بصدد تنفيذها كمصنع طحن البذور الزيتية وميناء بومرداس.

صاحب ثاني أكبر ثروة في الشرق الأوسط، حسب تصنيف "فوربس" لسنة 2022، بثروة تقدر بخمسة مليارات دولار، يتجه بواسطة الهيكلة الجديدة للمجمع إلى دخول مرحلة جديدة على ما يبدو، خاصة بعدما استقرت ثقته في ابنه مليك خريج الجامعة الفرنسية في المال والأعمال.

ربراب الابن وحسب المصادر يحوز على 12.5 في المئة من رأسمال مجمع "سيفيتال" الذي يضم 26 فرعا، موزعة بين صناعة زيوت المائدة والسكر والعصائر والعجائن، والنقل والمساحات التجارية وصناعة الأجهزة الإلكترونية المنزلية، والزجاج والألمنيوم، بأكثر من 13 ألف عامل.

وتلقى جل تعليمه مثل إخوته في فرنسا، حتى التخرج من معهد "جامعة لندن" فرع "باريس" بتخصص المالية والإدارة، وبعد تخرجه عمل في شركة "أغزيروكس" في المغرب، ثم عُيّن مسؤولا تجاريا في مكتب "لويس آند أم" في فرنسا، قبل أن يدخل المجمع المملوك لوالده العام 1999 كمدير عام مساعد مكلف بمراقبة الأنشطة التجارية إلى غاية 2004، حيث عين مديراً عاماً مساعدا مكلفا بالإنتاج.

القطيعة بين المال والسياسة

يسعد ربراب تربطه علاقات جيدة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
 ربراب الأب تربطه علاقات جيدة مع ماكرون الذي قد يتدخل لصالح "سيفيتال" من أجل توريد منتوجاته

بعد أن قرر المالك المؤسس ترقية ابنه لمنصب مدير عام لمجمع "سيفيتال" نظير النجاح الذي سجله المجمع في الأسواق الجزائرية باستحواذه على 90 في المئة من سوق السكر و70 في المائة من سوق زيوت المائدة، بالإضافة إلى اقتحام المجمع مجال بيع السيارات بعدما أصبح الممثل الحصري لعلامة "هيونداي" الكورية الجنوبية إلى غاية العام 2017.

وذكرت عدة تقارير استنادا إلى مصادر عائلية أن أمام الرئيس المدير العام الجديد لمجمع "سيفيتال" مهمتان رئيسيتان تتمثلان في هيكلة جديدة للمجمع وردم الهوة بين العائلة الثرية وبين دوائر السلطة، لأن التجاذبات والخصومات لم تنته بسقوط منظومة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وأن مصادر التوتر لا زالت قائمة مع الدوائر الحالية، خاصة مع استمرار تعطيل العديد من المشاريع والاستثمارات.

◙ تدرج مليك وقربه من الرجل الأول في المجمّع واحتكاكه المستمر به، عوامل أهّلته لأن يكون محل ثقة المؤسس من أجل ضخ دم جديد أو إعطائه بعدا أكثر براغماتية

وجاء قرار منع الحكومة لتصدير المواد المدعمة كالزيت والسكر والعجائن مطلع السنة الحالية رسالة اقتصادية وسياسية واضحة للمجمع الذي يحتكر بضائع استهلاكية أساسية، وهو ما أكده الرئيس عبدالمجيد تبون في أحد تصريحاته بالقول "من أراد التصدير لا يستفيد من الدعم الذي ترصده الخزينة العمومية لاستيراد المواد الخام، وعليه باستيراد مواده بأمواله وهو حر في ذلك".

لكن أسابيع بعد ذلك لوحظت الزيوت الغذائية التي ينتجها المجمع في أسواق فرنسية، وهو ما طرح فرضية تدخل إدارة الإليزيه لصالح مجمع "سيفيتال" من أجل توريد منتوجاته، خاصة وأن الرجل تربطه علاقات جيدة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غير أن مصادر أخرى أشارت إلى أن مليك ربراب هو الذي توسط بين والده وبين الحكومة لإضفاء نوع من المرونة على القرار.

ويذكر مقربون من العائلة بأنه على عكس رجال المال والأعمال الآخرين الذين يعيشون رفقة أسرهم حياة الترف والبذخ، فإن عائلة ربراب "تحسن كثيرا استعمال الآلة الحاسبة"، وفق تربية وقناعات الرجل الأول في المجمع، فكل الأبناء والمقربين بعيدون عن الأضواء والحياة العامة، ولم يسجل لهم حضورا في أيّ مشهد.

ومهما كانت خلفيات التغيير المسجل في هرم أكبر إمبراطورية اقتصادية في الجزائر، فإنها تبقى نموذجا ناجحا، عكس الطبقة الطفيلية التي أنشأها نظام بوتفليقة، من أجل تأسيس ذراع مالية موالية، بواسطة رجال مال وأعمال أغلبهم مفبرك، لكن حظوتهم لدى السلطة واستحواذهم على الريع والاستثمارات الحكومية، قبل أن تنقلب عليهم الأيام ويزج بأغلبهم في السجن بتهم الفساد، وتبقى مؤسساتهم عبئا على الحكومة.

انتقال سلس للقيادة في أكبر مجمع اقتصادي في الجزائر
انتقال سلس للقيادة في أكبر مجمع اقتصادي في الجزائر 

8