"مليار ريال" يفرض حضوره خليجيا رغم الانتقادات

أعمال درامية سعودية عديدة ظهرت خلال الآونة الأخيرة وحقّقت انتشارا ملحوظا، كما أثارت الجدل والنقاش أيضا. غير أن السمة الأبرز بين هذه الأعمال تظل لصالح الكوميديا، فأغلب الأعمال المُنتجة خلال العامين الماضيين مثلا تُراوح بين الكوميديا الصريحة وما يطلق عليه باللايف كوميدي أو الكوميديا الخفيفة.
شهد الموسم الرمضاني المنقضي عرض أكثر من عمل سعودي يندرج تحت مسمى اللايف كوميدي، كان من بينها مسلسل “مليار ريال” الذي بدا من أكثر الأعمال الكوميدية إثارة للجدل هذا العام.
و”مليار ريال” الذي عُرض على شاشة “أس.بي.سي” السعودية من إخراج اللبناني أسد فولادكار وكتب له السيناريو محمد الكندري، وهو كاتب سيناريو كويتي له العديد من الأعمال الناجحة.
وارتبطت أعمال أسد فولادكار منذ ظهوره بأعمال السيت كوم، بل يمكن أن نقول إنه أحد روادها في الوطن العربي، وهو صاحب المسلسل المصري الناجح “راجل وست ستات” بأجزائه العشرة.
ومسلسل “مليار ريال” ليس أول الأعمال التي يتصدّى لها فولادكار خليجيا، إذ سبق وأن قدّم في عام 2016 مسلسل “مستر كاش” مع نجم الكوميديا السعودي عبدالله السدحان، وقبله مسلسل “منا وفينا” والذي ضم مجموعة متميزة من نجوم الكوميديا في السعودية والخليج العربي، فهو ليس وجها جديدا على ساحة الدراما السعودية، غير أن مشاركته هذه المرة صاحبها العديد من الأخذ والرد، فالمسلسل الذي رافقته دعاية كبيرة قبل عرضه وقُدّم كأحد أفضل الإنتاجات السعودية هذا العام جاءت أحداثه مُخيّبة لآمال البعض.
وشارك في المسلسل مجموعة متنوعة من الفنانين والفنانات من السعودية والخليج العربي، بينهم محمد العيسى وهيا الشعيبي وخالد فراج وعبدالمجيد الرهيدي ونرمين محسن وعبدالمحسن الشمري وميلا الزهراني ولمار سلطان. وقدّم العمل خلطة كوميدية مرحة كعادة الأعمال التي يقدّمها فولادكار، لكنها هذه المرة بعيدة عن أجواء السيت كوم.
وتنطلق فكرة “مليار ريال” من حلم الثراء وامتلاك الثروة الذي يراود معظم الناس. والفكرة على هذا النحو تبدو مُكرّرة، فهي إحدى الأفكار الكوميدية الكلاسيكية المثيرة، غير أنها تحتمل المزيد من المُعالجات المختلفة بلا شك.
عائلة مفككة تنزل عليها ثروة مشتركة، فهل ستجمعها لاستثمارها بالشكل الجيد أم ستفاقم خلافاتها وأحقادها
ويدور المسلسل حول عائلة أبومليار التي تهبط عليها ثروة غير متوقعة. فهم أبناء عمومة بينهم خلافات عائلية عديدة، إلى أن تهبط عليهم فجأة ثروة مشتركة، فهل سيتناسون خلافاتهم من أجل استثمار هذه الثروة التي نزلت عليهم من السماء، أم ستُفاقم الثروة هذه الخلافات والأحقاد؟ تبدأ أحداث المسلسل بظهور رجل يدعى أبوعلي (عبدالله المزيني)، يخبر أبوعلي رجل الأعمال سعيد أن لديه وشقيقه ثروة من العقارات والأراضي تركها لهم والدهم أبومليار ولا يعلمون عنها شيئا، وينبغي عليهم التجمّع لتوزيع الإرث. كما يُخبر أبوعلي سالم وإخوته من أحفاد أبومليار بالأمر نفسه.
ويبدأ سالم وإخوته الأربعة في التفكير بالمشروعات التي يتمنون إقامتها بعد توزيع الميراث، ولكن تقف مشاركة عمهم سعيد كعقبة في طريقهم. تتحرّك أطماع العم للاستيلاء على تلك الثروة، والحيلولة دون تسلم أبناء أخيه نصيبهم، ويسعى لتحقيق ذلك بكافة السبل.
يحاول سعيد، مثلا، أن يستميل أبوعلي إلى جانبه حتى يأخذ الميراث كله لنفسه، وحين يرفض الرجل يلجأ إلى المزيد من الحيل. وهكذا تسير الأحداث بين شد وجذب وصراع خفي ومؤامرات لا تخلو بالطبع من الطرافة.
جانب كبير من الأحداث اعتمدت على وقائع مُتخيلة في رؤوس أصحابها، فعائلة سالم التي تتكوّن من أربعة إخوة يسيل لعابهم تجاه الثروة التي هبطت عليهم، وينغمسون في أحلامهم ومشاريعهم الوهمية، كما تتفجّر أطماع المحيطين بهم للاستفادة أيضا من تلك الثروة.
كان واضحا أن مخرج العمل قد أتاح للمشاركين في المسلسل مساحة لا بأس بها من الارتجال، وهو ليس بجديد في أعمال أسد فولادكار، كما أنه أمر شبه مُتعارف عليه في مثل هذه الأعمال ذات الطبيعة الكوميدية، إذ تُترك عادة مساحة للممثل كي يضيف خلالها ما قد يتطلبه الموقف، من جُمل أو ردود أفعال غير متوقعة.
وقد يمثل هذا الارتجال في الكثير من الأحيان إضافة للعمل ولا ينتقص منه، لكنه يأتي مقيدا أيضا بحدود السيناريو، غير أن الارتجال هنا لم يعجب البعض على ما يبدو.
فالفنان السعودي فهد الحيان، مثلا، كان من أشد المهاجمين للمسلسل إلى حد وصفه بالعمل الفاشل، منتقدً حالة الارتجال التي خيّمت على معظم الحوارات فيه.
ووجّه الحيان انتقاده بشكل خاص إلى الفنانة هيا الشعيبي، غير أن اللافت هنا أن الفنان فهد الحيان نفسه اتّهم هو أيضا من قبل بالارتجال الزائد في أعماله، ومن بينها مسلسه الأخير “منا وفينا” الذي عرض في العام الماضي مع المخرج نفسه. الفنانة هيا الشعيبي حظيت بالنصيب الأوفر من الانتقادات التي وجهت للعمل، ليس بسبب ارتجالها فقط، ولكن هذه المرة بسبب تقليدها للفنانة الراحلة رباب، وهي مُطربة سعودية من أصول عراقية وهو أمر رأى فيه البعض تجاوزا غير مقبول.
ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، إذ كانت مُفاجئة للجميع أن يأتي الهجوم على المسلسل من داخل فريق العمل نفسه، حين أعلنت الفنانة لمار سلطان عن تبرئها من العمل في مقطع فيديو بثته الفنانة على صفحتها الشخصية على إنستغرام اعتذرت فيه لجمهورها عن مشاركتها في العمل، وهي مشاركة وصفتها سلطان بأنها كانت خطأ كبيرا أوقعها فيه البعض. لكنها لم تُقدّم تبريرات كافية لهذا الهجوم عدا أنها لم تتسلم مُستحقاتها كاملة نظير العمل فيه، فهل كان هذا هو سبب هجومها على المسلسل؟
ورغم كل هذه الانتقادات التي وُجّهت للعمل، إلاّ أنه مثّل مساحة لا بأس بها من الكوميديا الخفيفة والخالية من الشعارات الأخلاقية المُباشرة التي تعوّدنا عليها في الأعمال الخليجية.
صحيح أن السرد الدرامي يفتقد إلى التماسك أحيانا، غير أن الارتجال لم يكن فجا إلى هذا الحد، خاصة في ما يتعلّق بالفنانة هيا الشعيبي، وهي فنانة تمتلك بالفعل طاقة كوميدية لافتة.
ويُحسب للمسلسل أيضا أنه أتاح مساحة للمواهب الكوميدية السعودية الجديدة، كالفنان السعودي عبدالمجيد الرهيدي، الذي أثبت حضوره خلال السنوات القليلة الماضية كأحد المواهب الكوميدية الواعدة في الدراما الخليجية.