ملهاتنا ومأساة دوتشيف

من الطبيعي أن تتحوّل لعبة كرة القدم الأكثر شعبية في العالم إلى ساحة لصراع الثقافات، فهي الأكثر ارتباطا ليس فقط بالمتابعين، بل أيضا بالتكنولوجيا وأحدث أجيالها وسلالاتها.
ولعلّ صراع الثقافات الذي يدور الآن، حول عادات الشعوب ومحرّماتها وحساسايتها، جزء من الحوار الإنساني العريض الذي يتخذ أشكالا لا نهائية تولد وتموت كل يوم دون أن تعطي ثمارا تنفع الناس.
ولأن فحوى الروح الرياضية استنادها إلى “المجانية” بالمعني العلمي للكلمة، أي أن الفوز أو الخسارة في أي لعبة لا يفسد للودّ قضية كما يقال، فإن ذلك الصراع الثقافي تحوّل هو أيضا إلى مباراة تحمل نفس تلك السمات.
التطوّر الذي يرافق هذه اللعبة، أسرع من أن يتم إدراكه بأدوات بسيطة، وإلصاق قضايا جوهرية به، يجعل من تلك القضايا أخفّ وطأة مما هي عليه في الواقع.
في نصف الأرض الشمالي تدور مباراة بالحديد والنار حول الغاز والأرض والسيادة والأمن القومي، وفي نصفها الجنوبي يلعب المتبارون أنفسهم اللعبة ذاتها من أجل الحق في الانتهاك، متجاهلين أزمة الطاقة والشتاء القادم والسوق وأوبك+ وكل تلك الأمور التي تشغل بال من تركوهم خلفهم في الشمال وسرعان ما سيعودون إليهم ليجدوا أكداس الفواتير.
وإذا بالصورة تظهر على أنها لقطة في مونديال، يدور كل أربع سنين، ينفرط ثم يعود وينتظم من جديد. وأن قصة وضع كلمة العالم الإسبانية “مونديال” في كأس صغيرة “كوبا” ليس سوى استمرارا للعبة تبادل الثقافات.
ونحمد الله على أننا لم ننخرط طويلاً في هذه اللعبة، وإلا لكان نصيبنا الآن كنصيب مانويل نوير أو ليو ميسي. هذا إن لم يضعونا ككومبارسات كرة القدم الذين لا يذكرهم أحد، فمن منكم يعرف على سبيل المثل، اسم حكم تماس واحد حول العالم؟
لا تغضب عزيزي القارئ، أنا أعرف شخصا وحيدا من حكام التماس، لكن الرجل المسكين عاش ملاحقا باللعنات. إنه البلغاري بوغدان دوتشيف الذي كان مساعدا للحكم التونسي علي بن ناصر في مباراة الأرجنتين وإنجلترا في الدور ربع النهائي لكأس العالم 1986.
هذا الحكم بقي يردّد حتى آخر لحظة من حياته، ويقسم الأيمان، أنه لم يَرَ “يد الله” التي تحدّث عنها مارادونا بعد تسجيله هدفه الشهير في مرمى الحارس الإنجليزي بيتر شيلتون. وكان دوتشيف حينها يقف قبالة مارادونا على الخط، وهو الذي أشار لبن ناصر بصحة الهدف.
دوتشيف الذي ظل يرفض لقاء مارادونا، قال قبل موته في العام 2017 “لقد تسبب مارادونا في إزعاجي طوال حياتي، وعرّضني للاتهامات، وأنا لم أكن مذنبا”.