ملف الحريات ومواصلة الإصلاحات أبرز تحديات ولاية السيسي الثانية

السيسي أمام معضلة اتخاذ قرارات صعبة وامتصاص غضب الشارع من سياساته السابقة دون تفعيل خطاب الخوف من الإرهاب.
الأحد 2018/06/03
السياسة القديمة مرفوضة

القاهرة - أدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، السبت، اليمين الدستورية أمام البرلمان رئيسا للبلاد لفترة رئاسية ثانية محفوفة بالتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية. ورجّحت مصادر سياسية إجراء تعديل على الحكومة الحالية بالإضافة إلى تغيير كلي لمحافظي الأقاليم.

وأمام السيسي تحديات كبيرة، البعض منها يرتبط بتحسين الأوضاع العامة لأكثر من 100 مليون مواطن بعد أربع سنوات ارتكن فيها إلى اتخاذ العديد من القرارات الصعبة والاستثنائية لتحقيق هدف أساسي دشن بموجبه نظام حكمه خلال ولايته الأولى وهو “مكافحة الإرهاب وتثبيت أركان الدولة”.

وتعد مكافحة الإرهاب العنوان العريض الذي بمقتضاه جرى التوسع في الإجراءات الأمنية لمواجهة المتطرفين، وتم تضييق الخناق على الحريات العامة وتقويض تحركات المجتمع المدني الذي تداخلت أدواره التنموية مع السياسية. كما اتخذ النظام جملة من القرارات الاقتصادية أهمها تحرير سعر الصرف واتباع سياسة تقشفية رسمها صندوق النقد الدولي.

ويرى السيسي أنه “استطاع أن يعبر مرحلة عصيبة وأن البلاد تنطلق نحو مستقبل أكثر ثباتا واستقرارا وعزما على تحقيق الحسم في معركة بناء الوطن”، لافتا في كلمة أمام البرلمان عقب أداء اليمين إلى أن بناء الإنسان المصري على رأس أولويات الدولة خلال المرحلة المقبلة.

وأشار إلى أن ملفات التعليم والصحة والثقافة في مقدمة اهتماماته من خلال إطلاق حزمة من المشروعات والبرامج الكبرى على المستوى القومي، واستنادا على نظم شاملة وعلمية لتطوير منظومتي التعليم والصحة لما يمثلانه من أهمية بالغة في بقاء المجتمع المصري قويا ومتماسكا.

ويقول مراقبون إن السيسي وضع نفسه في موقف حرج بعدما أكد أنه نجح في تقليص الإرهاب وتحسين الحالة الأمنية للبلاد، لأنه كان يبرر اتخاذ الحكومة لقرارات صعبة على مستوى الحريات والمستوى الاقتصادي بداعي مكافحة الإرهاب وتثبيت أركان الدولة.

الاستمرار في تلك السياسية قد يكون مقدمة لفقدان الرئيس السيسي المزيد من شعبيته لدى من كانوا يرونه مخلّصا من الفوضى الأمنية التي عاشتها البلاد منذ مطلع 2011

وتبدو فكرة “بناء الإنسان المصري” التي ركز عليها غير ناضجة في ظل تراجع مساحة الحرية الحقيقية للمشاركة في اتخاذ القرار، الأمر الذي سيكون بحاجة إلى إعادة صياغة الرؤية السياسية كي تتماشى مع التطورات ولا تكون امتدادا للفترة السابقة.

ويعد الاستمرار في هذه السياسية كذريعة لمواجهة الإرهاب غير مقبول في الفترة الثانية، بعد أن تراجع الإرهاب بشكل ملحوظ وأصبح الرئيس أمام معضلة اتخاذ قرارات صعبة وامتصاص غضب الشارع منها دون تفعيل خطاب الخوف من الإرهاب.

وأكد جمال أسعد البرلماني السابق لـ”العرب”، أن الإرهاب كان دافعا لتقبل حالة التضييق وانعكس ذلك على الهدوء الذي شهده الشارع المصري. لكن الاستمرار في السير على نفس النهج، بحسب أسعد، “لن تكون نتائجه مضمونة خلال الفترة المقبلة، لأن زيادة الضغط قد تولد الانفجار”.

ولا يشير الواقع الحالي إلى وجود تغيير في سياسية تعامل الحكومة مع المعارضين، في ظل تزايد حدة الانتقادات الدولية المنددة بالقبض على النشطاء السياسيين الشهر الماضي، بعد أن قامت أجهزة الأمن بتوقيف شمل مدونين وناشطين.

وهاجمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوقية الحكومة المصرية، حيث وصفت الاعتقالات بأنها “انتهاك لحقوق الإنسان وقمع للحريات”.

وقال عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن المشكلة الأكبر التي تواجه السيسي خلال فترة رئاسته الثانية تتمثل في عدم قدرته على جذب استثمارات أجنبية وسط غلق المناخ السياسي الداخلي واستمرار الانتقادات المنددة بالانتهاكات الحقوقية. ويرى ربيع أن هذا الأمر هو ما يفقد القاهرة فرصة الحصول على عائدات الإصلاحات التي أجراها السيسي في البنية التحتية الاقتصادية.

وأضاف ربيع لـ”العرب”، أن غلق مجالات التحرك أمام الأحزاب السياسية والتضييق على المجتمع المدني وعلى وسائل الإعلام وغياب حرية الرأي وشيوع صورة سلبية عن القضاء كلها عوامل سوف تكون لها تأثيرات سلبية على تدفق الاستثمارات الأجنبية.

وأشار إلى أن العقلية العسكرية التي تحكم الدولة قد تتمادى في خطواتها لإحكام السيطرة على الأوضاع، وهو الأمر ذاته الذي ينعكس على القرارات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة بالرغم من الرفض الشعبي الذي ستواجهه.

وذهب مراقبون للتأكيد على أن الاستمرار في تلك السياسية قد يكون مقدمة لفقدان الرئيس السيسي المزيد من شعبيته لدى من كانوا يرونه مخلّصا من الفوضى الأمنية التي عاشتها البلاد منذ مطلع 2011، وهو أمر قد تكون نتيجته المباشرة تعرض البلاد لموجة احتجاجات بالتزامن مع قرارات حكومية مرتقبة لخفض دعم الوقود والمياه والكهرباء.

وينتظر المصريون بين لحظة وأخرى إعلان الحكومة زيادة جديدة لأسعار المحروقات مع قرب بدء العمل بموازنة السنة المالية الجديدة مطلع يوليو المقبل، التي يترتب عنها خفض الدعم الحكومي للسلع، وهو ما أعلن عنه مسؤولون خلال الأيام الماضية. وتعد القرارات الاقتصادية من أصعب التحديات التي تواجه السيسي خلال ولايته الثانية التي وعد فيها بأن تكون البلاد أمام مرحلة “جني الثمار”، فيما يشي الوضع الحالي بأن مصر أمام المزيد من الأزمات.

3