ملف الإيطالي ريجيني يعود بصبغة قانونية لا تخلو من السياسة

البعض من الحقوقيين في مصر يتوقعون أن يكون التصعيد الحالي في القضية ناتجا عن ضغوط شعبية تمارسها منظمات المجتمع المدني.
الثلاثاء 2023/02/21
ضغوط منظمات حقوقية تعيد قضية ريجيني إلى الواجهة

القاهرة - عاد ملف طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر على جثمانه قبل سبع سنوات في القاهرة، إلى الواجهة من جديد مع إدخال تعديلات على القانون الإيطالي تسمح بإبلاغ المقيمين في الخارج بالاتهامات الموجهة إليهم، ما يفتح الباب أمام دخول الملف نفقا قد تصل تأثيراته إلى العلاقات السياسية.

وعقدت المحكمة الإيطالية المسؤولة عن النظر في القضية قبل أيام جلسة قررت فيها استدعاء كل من رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني، ووزير الخارجية أنطونيو تاياني، كشاهدين، بعد لقاءات عقدت مع مسؤولين مصريين مؤخرا، وقررت المحكمة تأجيل القضية إلى جلسة الثالث من أبريل المقبل.

وجاءت اللقاءات بعد مرحلة من الهدوء في العلاقات بين البلدين، واختارت الحكومة الإيطالية التي تم تشكيلها في أكتوبر الماضي تبني سياسة تقوم على فتح قنوات تعاون واتصال مباشرة مع القاهرة وممارسة المزيد من الضغوط لتحريك الملف، ومحاولة تغيير الموقف من القضية بعد إغلاقها قانونيا في مصر.

وأمر قاض إيطالي في مايو 2021 بمثول أربعة ضباط مصريين للمحاكمة بسبب الاشتباه في دورهم في اختفاء ريجيني وقتله، قبل أن تعلق المحاكمة الغيابية لأجل غير مسمى، لأن المدعين لم يتمكنوا من إثبات أنهم أبلغوا المتهمين بالإجراءات القضائية ضدهم، قبل إجراء تعديلات على القانون الجنائي في ديسمبر الماضي تسمح بإعادة المحاكمة.

رخا أحمد حسن: أستبعد أن تكون للقضية انعكاسات على العلاقات الثنائية
رخا أحمد حسن: أستبعد أن تكون للقضية انعكاسات على العلاقات الثنائية

وأخذت التصورات الإيطالية بشأن قضية الباحث ريجيني تتصاعد مع تشكيل حكومة يمينية، وتنبت موقفًا لا يضع جميع الضغوط في سلة واحدة، وتطرقت إلى محاكمة باتريك زكي (المصري الأصل) طالب الدراسات العليا في جامعة بولونيا الإيطالية الذي حبس نحو 22 شهرا ثم أفرج عنه، ما يشكل أداة ضغط جديدة على الحكومة المصرية.

وأعرب وزير الخارجية الإيطالي، عقب زيارته إلى القاهرة الشهر الماضي، عن أمله في أن يلغي القضاء المصري الإجراءات التقييدية بحق زكي (حصل على الجنسية الإيطالية) حتى يتمكن من العودة إلى بولونيا لمواصلة دراسته مع استمرار محاكمته على ذمة القضية المتهم فيها بنشر أخبار كاذبة تكدر الأمن والسلم الاجتماعي، والحضّ على الاحتجاج واستخدام حساب على شبكة الإنترنت للإخلال بالنظام العام.

وصاحب هذا التصعيدَ تصعيدٌ مماثل على مستوى المنظمات الحقوقية التي استغلت إعادة انعقاد الجلسات، وأصدرت بياناً جماعيًا شاركت فيه 15 منظمة إيطالية ومصرية، دعت الحكومة الإيطالية إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً بشأن مقتل ريجيني، وتعليق جميع برامج التعاون الشرطية التي تستفيد منها قوات الأمن والشرطة المصرية.

ويتوقع البعض من الحقوقيين في مصر أن يكون التصعيد الحالي في القضية ناتجا عن ضغوط شعبية تمارسها منظمات المجتمع المدني، وأن الحكومة الجديدة تخشى من أن تقبع تحت المساءلة إذا لم تتحرك بالشكل المطلوب، ما يجعل هناك ضغوطا مستمرة تهدد استقرار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وتتمسك القاهرة بموقفها الخاص بعدم توفر الأدلة الخاصة بالجناة، كما أن خضوعها للضغوط له انعكاسات سلبية على صورتها في الداخل والخارج ولن توافق على مطالب تسليم من يراهم القضاء الإيطالي تورطوا في قتل ريجيني حال تم إصدار حكم قضائي نهائي، وفي تلك الحالة ستكون العلاقات رهن مواقف قوى داخلية إيطالية قد تذهب إلى توقف الكلام عن الحادثة أو الاستمرار في الضغط على المسؤولين.

نجاد البرعي: الضغوط الإيطالية لن تؤثر على مجريات سير القضية
نجاد البرعي: الضغوط الإيطالية لن تؤثر على مجريات سير القضية

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن لـ”العرب” إن “قضية ريجيني أسيرة تنازع القوانين بين البلدين، وإذا كانت القاهرة أغلقت القضية فروما لديها إصرار على الوصول إلى المتهمين”.

ويشير الاهتمام بالقضية كل هذه السنوات إلى أن ريجيني لم يكن شخصًا عاديًا وأنه جاء في مهمة محددة تخدم أجندة جهات إيطالية بعينها، وقتل في السنوات الماضية خمسة مصريين في إيطاليا دون أن تصل قضاياهم إلى هذا الضغط السياسي والحقوقي.

واستبعد رخا في تصريح لـ”العرب” أن تكون للقضية انعكاسات على العلاقات بين الطرفين، وكلاهما يسعى إلى أن يكون هناك مساران منفصلان للعلاقات، أحدهما يتعلق بملف ريجيني والآخر يرتبط بالعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، وأن المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الإيطالي تدفع إلى الحرص على عودة التوازن التجاري بين البلدين ليكون على رأس الاهتمامات، كما كان في السابق قبل الحادث.

ولفت إلى أن إثارة القضية خلال الزيارات الأخيرة للمسؤولين الإيطاليين ترجع إلى ضغوط يمارسها البرلمان وبعض رجال الأعمال الذين يتبنون القضية ويحركونها من حين إلى آخر، وباتت القاهرة مطالبة بتقديم رد أكثر إقناعاً لروما بشأن عدم القدرة على  الوصول إلى الجناة، وهناك قناعة بأن جهاز الشرطة المصري من أقوى الأجهزة الأمنية وثمة دائرة محددة يسير فيها الأجانب يمكن من خلالها الوصول إليهم.

وتسعى دوائر إيطالية لتوظيف التصريحات التي خرجت على لسان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي قبل تعيينه سفيرا فوق العادة في روما، أكد خلالها أن الاجتماع بين وزير الخارجية الإيطالي والرئيس عبدالفتاح السيسي تطرق إلى قضية الطالب ريجيني والتعاون على الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة، ما دفع إلى استدعاء مسؤولين إيطاليين للمحكمة بناء على طلب قدمته أليساندرا باليريني، محامية والدي ريجيني.

وأوضح الحقوقي المصري نجاد البرعي أن قضية ريجيني أصبحت قضية إيطالية داخلية بعد إعلان النائب العام المصري عدم توافر أدلة كافية للاستدلال على الجناة، وأن موقف روما الحالي طبيعي في ظل استمرار التفاعلات الداخلية حول الحادث.

وأكد لـ”العرب” أن “ضغوط المنظمات الحقوقية الإيطالية لن تؤثر على مجريات سير القضية ولن تكون قادرة على التأثير على مجمل العلاقات الثنائية، وبعد مرور هذه السنوات كان يمكن أن تظهر الجهات الحقوقية الإيطالية مواقف أكثر قوة من تلك التي اتخذتها، لكن المسار الذي اتخذته القضية يشير إلى أنها لا تملك أدوات التأثير على روما”.

2