"ملحمة المنسيين" رحلة رهيبة بين الصحراء والبحر للوصول إلى جنة مزيفة

الرواية تنقل رحلة المهاجرين وتصف تفاصيلها بلغة شعرية وغنائية وتسرد الوقائع بأسلوب الواقعية السحرية.
السبت 2021/10/09
رحلة على أمل ضئيل (لوحة للفنان معتوق بوراوي)

داكار – تتناول رواية “ملحمة المنسيين” لمؤلفها السنغالي المولود في موريتانيا خليل ديالو مغامرات المهاجرين السريين الأفارقة إلى أوروبا وما يواجهونه من موت جماعي وضياع بين أمواج البحر المتلاطمة حيث لا قريب ولا صديق.

ويُسَطّرُ الكاتب قصته المأساوية من خلال عدد من الساعين للهجرة من دول أفريقيا الغربية وصولا إلى بوابات أوروبا.

وكان هذا الكتاب قد نال الجائزة الأدبية “أحمد بابا” الممنوحة لمؤلف أفريقي في ختام مهرجان الموسم الأدبي الذي يُنَظّمُ كل سنة في العاصمة المالية باماكو.

رغم أن الرواية تقدم للقارئ صورة لا مجاملة فيها عن واقع أفريقيا اليوم، إلا أنها تمثل أيضا رسالة أمل مُشَجّعَة للطامحين إلى الهجرة إلى "الفردوس الأوروبي"
رغم أن الرواية تقدم للقارئ صورة لا مجاملة فيها عن واقع أفريقيا اليوم، إلا أنها تمثل أيضا رسالة أمل مُشَجّعَة للطامحين إلى الهجرة إلى "الفردوس الأوروبي"

ويروي ديالو ملحمة عنيفة ساحة قتالها الفضاءُ البحري الواقع بين شواطئ أفريقيا الغربية والبحر المتوسط.

كيف يلتقي سمبوياني وصديق طفولته إيدي، وكلاهما من قرية صغيرة في غرب أفريقيا، كاتب مشهور وشاب يتيم، يجدان نفسيهما بلا هوية على طرق الهجرة التي يحفرها أمل ضعيف في الوصول وتملأها مخاطر فقدان الحياة والغرق والتلاشي.

على مدار رحلة رهيبة من التشوق والخوف والترقب والأمل المتذبذب رحلة بمشاعر مكثفة بين الساحل الغربي لأفريقيا والبحر المتوسط​​، يروي لنا ديالو قصة سمبوين ورفاقه الذين يعانون من سوء الحظ، ويأخذنا على متن الزورق المسافر خلسة في عمق البحر إلى وجهة قد لا يصل إليها.

يصف الكاتب بدقة متناهية تدفق هؤلاء الآلاف من المهاجرين المستعدين لعبور الصحراء والبحر على أمل مستقبل أفضل. ويبين أنهم لن يدخروا شيئا في سبيل الوصول إلى الضفة الاخرى، على الرغم من خيبة الأمل والمعاناة والمخاطر والموت المحدق بهم في كل لحظة فيما يقتادهم تجار البشر الجدد عبر بحار لا مأمن فيها، بينما لا يزال من الممكن الحلم واتخاذ قرار والنضال من أجل حقهم في الكرامة وحياة أفضل.

تنقل الرواية الرحلة المثيرة بشكل مشوق، تصف كل تفاصيلها بلغة شعرية وغنائية، وتسرد الوقائع بشيء من أسلوب الواقعية السحرية، لترسم صورة لا مجاملة فيها لأفريقيا اليوم إذ يمكن وسمها بأنها رواية المنفى والأمل.

ورغم أن “ملحمة المنسيين” تقدم للقارئ صورة لا مجاملة فيها عن واقع أفريقيا اليوم، إلا أنها تمثل أيضا رسالة أمل مُشَجّعَة للطامحين إلى الهجرة إلى “الفردوس الأوروبي”.

ومن المعروف أن أعدادا كبيرة من مواطني دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء يموتون سنويا على طريق الهجرة السرية إلى أوروبا، خاصة على المسار المتوجه إلى جزر الخالدات في إسبانيا.

ولا يمكن أبدا أن يؤرخ لظاهرة الهجرة ومآسيها المؤلمة بمعزل عن السياق التاريخي المؤلم جدا. فهي ظاهرة تاريخية ثقيلة ومعقدة ومأساوية وأنها لا تفهم موضوعيا إلا في السياق الكولونيالي، وفي سياق استغلال الرأسمالية الأوروبية/ الغربية للأيدي العاملة الرثة التي لا حقوق لها في المتروبول أسوة بالإنسان الأبيض الأوروبي/ الغربي إلا في حالات استثنائية نادرة شاذة تستفيد منها أقلية مجهرية لا يقاس عليها أبدا.

ونضيف إلى ذلك أسبابا مناخية وسياسية عديدة ساهمت في تفقير الدول الأفريقية الغارقة في الحروب والنزاعات على السلطة ما خلق ظاهرة الهجرات السرية التي ينتهي أغلبها بالمهاجرين غارقين في بحار مجهولة، ويخلف مآسي إنسانية موجعة، يكتفي الجميع بمشاهدتها بحرقة أو محاولة معالجتها بالقوة.

مغامرات المهاجرين السريين وما يواجهونه بين أمواج البحر المتلاطمة
مغامرات المهاجرين السريين وما يواجهونه بين أمواج البحر المتلاطمة

وينتبه الكاتب ديالو إلى تفاصيل أعمق من تلك المأساوية في قضية الهجرة، فيبحث عن أسبابها من خلال كشف أعماق شخصياته في رحلتهم، وهم المتنوعون والمختلفون في مستواهم الثقافي وحكاياتهم، لكن ما يجمعهم هو فقدان الأمل في أوطانهم والبحث عن فرص حياة أخرى.

ويسرد خفايا رحلات لا نهاية لها، بعضها على رمال الصحراء وبعضها الآخر بين أمواج البحر، يكابد خلالها بشر مسحوقون مصائر مجهولة، من ينجو منهم لن يجد الجنة في انتظاره في الضفة الأخرى بل مسار معاناة آخر جديدا، إما يعيده من حيث جاء أو يستغله بأسوأ الطرق تجار البشر، أو يتوه منه ذاته ويجد نفسه مفرغا من هويته ومعناه.

تسلط “ملحمة المنسيين” بجرأة الضوء على هويات المهاجرين وأحلامهم وهواجسهم وآمالهم، لكنها لا تغفل نقدهم، كما لا تغفل بسط الحقيقة كما هي، وتعرية مسألة حقوق الإنسان التي ترفعها دول أوروبية شعارات فضفاضة أحيانا، فيما تبرز أيضا قضية الهوية والاغتراب.

وتعتبر قضايا الهجرة من أهم ما يطرح ويتداول اليوم ويستحق كتابات أدبية أكثر لرسم ملامح هذه القضية التي ستتفاقم يوما بعد آخر، وتجنب المغالطات بشأنها والمتاجرات السياسية والاقتصادية بالمهاجرين.

ويذكر أن “ملحمة المنسيين” هي الرواية الثانية لخليل ديالو بعد إصداره الأول “على حافة الموت” (2018) الذي تأهل إلى القائمة النهائية لجائزة البرتغال للكتاب الأفريقي والقائمة النهائية لـ”جائزة أحمدوك وروما”.

13