ملحق جريدة الكلاب المسائي

الخميس 2017/03/30

أدب السخرية العربي الحديث ضعيف في عمومه وتكاد السرديات العربية تخلو من هذا المصنّف النادر مع أن أرضيته القديمة شاخصة في التراث العربي على نحوٍ واسع، وتزخر كتب التراث بمؤلفات كثيرة وأسماء لامعة اتخذت من السخرية والفكاهة طريقها إلى العامّة كالخطيب البغدادي والأبشهي والثعالبي وابن الجوزي وأبي دلامة والجاحظ الساخر الفظيع حتى من نفسه.

والسخرية الأدبية تعبّر عن روح العصر الذي تنشأ فيه شعراً وسرداً ونكتةً ومقالةً وترسم صورةً مباشرة عن الحال الاجتماعية والسياسية السائدة، ولنا شواهد وأمثلة كثيرة عن الفكاهة السياسية الساخرة والاجتماعية الناقدة في التراث العربي جريئة وواصفة لكل حالة سياسية واجتماعية؛ لهذا نفرز مستويين من هذا النوع الأدبي هما أدب السخرية وأدب الضحك، فالأول نتاج بيئة سياسية واجتماعية مضطربة والثاني نتاج بيئة مختلفة ربما تسود فيها عوامل الاستقرار النسبي فيتوجه المؤلفون الضحّاكون إلى استعارات اجتماعية لرصد المفارقات الاجتماعية البارزة كما فعل الجاحظ في البخلاء.

لكننا نظن أنّ الأدب العربي الحديث بإجماله لم يوفق كثيراً في أن يولي هذا الصنف المنقرض أهميته سوى المقالة الساخرة التي تتبناها بعض الصحف لتكون مراصد سياسية هازئة، في حين ابتعد الشعر ومن ثم السرد عن مجابهة الواقع بالقصيدة الساخرة والقصة أو الرواية إلا ما ندر، ومثل هذه الندرة المفترضة تشي بأن هذا النوع لم تعد له أهمية تعبيرية في الحياة العربية الثقافية.

اضطررنا إلى هذه المقدمة وبين أيدينا عمل أدبي جديد لمؤلف عراقي اسمه “أسامة الناشئ” حمل عنواناً ظريفاً هو ( K9 ملحق جريدة الكلاب المسائي) لم يُخضعه المؤلف إلى تصنيف أدبي فتركه مفتوحاً كنص أدبي قريباً من قصة قصيرة استطالت بين يديه وأقل من رواية فهو لا يمتلك الكثير من مواصفات السرد الروائي، لكنه وقع بين هذا وذاك كنص له خصوصيته وطرافته وسخريته المفكّهة، مثلما له هدفه الذي جاء عن طريق السخرية المريرة وهو يقشّر الواقع السياسي والاجتماعي للعراق بعد 2003 عن طريق الكلاب المدربة التي حملها الأمريكان معهم إلى العراق كعناصر بوليسية فاعلة في تفتيش الناس في مرافق معينة من العاصمة بغداد.

الكتاب خرج عن التجنيس الأدبي المتعارف عليه بشكل أو بآخر وحينما لا يجد أي كتاب تصنيفه التقليدي يصبح مثيراً للقراءة لا سيما وأن الكاتب لم يضعه في خانة توصيفية محددة. فعبْر أكثر من 60 صفحة تتحدث الكلاب في أنسنة مقصودة لتكشف الواقع الاجتماعي المزري الذي تسبب الاحتلال الأميركي به وفي سخرية سوداء وكوميديا ضاحكة عبَرت حدودها القصوى إلى فكاهة التجريح الاجتماعي والسخرية منه، وهي تعيد زمناً كابوسياً ماضياً وتلصقه بزمن حاضر في موتيفات كلبية أراد بها الناشئ أن يسخر بجدية من الواقع في زمنيه القذرين حينما ترك الكلاب تتكلم بحرية مطلقة. فأراد أن يبني كوميديا سردية مُرّة مقترباً من تفكيك واقع سياسي معروف بضعفه ومحاولاً إدانته بطريقة مباشرة باستخدام صوت الكلاب التي تتماهى كثيراً في هذه السردية القصيرة وهي “تحكي” قصة الألم العراقي ماضياً قريباً وحاضراً عبر كلاب عراقية فقيرة المحتوى أمام واقع كلاب أميركية مدللة ناطقة يمثلها رمز الـ K9 كعلامة شخصية لهذا النوع من الكلاب التي رافقت القوات الأميركية في احتلالها للعراق.

تنجح هذه السردية البسيطة في كشف الداخل العراقي وهو يواجه سلطة كلبية لا مفر من الإقرار بوجودها بطريقة السخرية والفكاهة ، معولا على أسلوب شعبي عراقي شغلته مفردات عامية كثيرة وصلت إلى حد السذاجة في مواقع كثيرة، وبطبيعة الحال فإن المؤلف استسهل الكتابة إلى حد واضح وهو يمعن في العامية العراقية التي حددت محليتها بشكل قاطع.

كاتب عراقي

14