ملتقى تونس للحوار الليبي يدخل دائرة المناورات الإخوانية

تونس - لم تُبدد عبارات التفاؤل الحذر بنجاح الحوار الليبي، التي ترددت خلال الجلسة الافتتاحية لملتقى الحوار السياسي الليبي المباشر بتونس، المخاوف المُتصاعدة من أن ينتهي هذا الحوار إلى استنساخ وثيقة جديدة تُعيد تكريس هيمنة تنظيمات الإسلام السياسي على المشهد الليبي تحت عناوين خادعة.
وأخذت هذه المخاوف، التي ترافقت مع تحركات وُصفت بـ”المُريبة” وتم رصدها في العاصمة الليبية طرابلس، تتسلل بقوة داخل أروقة جلسات ملتقى الحوار السياسي بتونس الذي استأنف الثلاثاء أعماله وسط جدار من التعتيم فرضته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وتقول دوائر مُقربة من رئيسة البعثة بالإنابة، ستيفاني ويليامز، إن هذا التعتيم “يندرج في إطار سياسة الغموض البناء”، وهو يهدف إلى منع تضارب آراء ومواقف المشاركين في هذا الحوار من الخروج إلى العلن، لتفادي التشويش على مُجرياته.
غير أن هذا التعتيم لم يمنع بعض التسريبات التي حصلت عليها “العرب” من داخل جلسات الحوار، تُفيد بأن عددا من المشاركين بدأوا يتوجسون من الاستهدافات الخفية لبعض بنود مسودة “وثيقة البرنامج السياسي الوطني للمرحلة التمهيدية للحل الشامل” في ليبيا.
وقالت مصادر “العرب” إن هذا التوجس بدأ يتعمق أيضا بعد الاطلاع على آليات الاختيار التي جاءت في ملحق مشروع الاتفاق السياسي الجديد في ما يتعلق بـ “الترشح للرئاسي ورئيس الحكومة”، والشروط التي تضمنتها في الفقرتين 6 و7 من ملحق مشروع الاتفاق السياسي الجديد.
وترى أن هذه الآليات تجعل من رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالإنابة كأنها “وصية” على الشعب الليبي ونخبته السياسية، وخاصة أنها احتفظت لنفسها بحق تقييم المترشح للمنصبين المذكورين وفق 10 معايير أبقت عليها سرية، ما يعني إعادة استنساخ ما قام به المبعوث الأممي الأسبق برنارد ليون الذي فرض فايز السراج رئيسا للمجلس الرئاسي في آخر لحظة.
وعلى وقع هذه الهواجس، علمت “العرب” أن نحو 100 برلماني ليبي يستعدون لإصدار بيان مشترك سيحذرون فيه من تواجد بعض الأطراف داخل أروقة الفندق الذي تجري فيه جلسات الحوار السياسي الليبي بتونس، ومن تدخلها في مجريات هذا الحوار، عبر اقتراح أسماء، والترويج لاتجاهات مُحددة، بما يُنذر بنسف كل الجهود التي بُذلت لإنجاح هذا الحوار.
ويُنتظر أن يُحمّل هؤلاء البرلمانيون الليبيون، بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مسؤولية “هذا الخرق الجسيم”، ويطالبونها بتوضيح دور تلك الأطراف وخاصة منها دور “منظمة الحوار الإنساني”، وسبب وجودها داخل الفندق، وتبيان علاقاتها بملتقى الحوار ومخرجاته.
ولا يستبعد المراقبون أن تتسع دائرة تلك الهواجس التي باتت تنتاب العديد من الناشطين الليبيين، بالنظر إلى جملة من الملفات الشائكة في طريق ملتقى الحوار السياسي بتونس، والتي تبدأ بعقدة الميليشيات ولا تنتهي عند مناورات ربع الساعة الأخير لتنظيمات الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين الذين يشكلون أغلبية المشاركين في هذا الحوار.
وألقت التخوّفات من المناورات الإخوانية بثقلها أيضا على الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر؛ حيث لم يتردد اللواء خالد محجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي، في التحذير من إعادة تجربة اتفاق الصخيرات، وما أعقبها من تغول الميليشيات وإدارة الصراع عبر تنظيم الإخوان.
واعتبر محجوب في تصريحات سابقة أن الليبيين يتخوفون من استمرار سيطرة تيار الإخوان على المشهد في ليبيا، لافتا في الوقت نفسه إلى أن الشارع الليبي الآن متخوف تماما من أن تكون لهذا التنظيم سيطرة أخرى من خلال جلسات الحوار السياسي التي تجري في تونس.
وتأخذ تلك الهواجس والتخوفات أبعادا أخرى، حيث حذر النائب البرلماني جبريل أوحيدة في اتصال هاتفي مع “العرب” “من مخاطر اتخاذ القرارات خلال ملتقى تونس بالمغالبة، لأن من شأن تمكين المحسوبين على تركيا داخل هذا الحوار والميليشيات الموالية لها من تحقيق ما يتطلعون إليه، أي السيطرة على السلطة التنفيذية، أن يؤدي إلى استمرار نفوذهم”.
ولفت إلى أن التيار المُتحالف مع تركيا المشارك في حوار تونس، أكثر تماسكا من الآخرين المنقسمين والمتباينة مواقفهم وغاياتهم؛ لاسيما في هذا الوقت الذي يُراهن فيه البعض على الفشل في الداخل والخارج ويعمل عليه في الخفاء.
واعتبر أوحيدة أن التكتيك الذي اتخذته بعثة الأمم المتحدة منذ اتفاق برلين هو السير بمسارات الحوار على التوازي لفصل الإشكاليات التي من شأنها إفشال الحوار، ما يعني أن ينجح كل في مساره ولو إجرائيا، مشيرا في المقابل إلى أن “التحدي في كل هذه المتاهة يبقى هو جدية الأمم المتحدة وأيضا أميركا في وضع حد للجهات المعرقلة لأي توافق وإنْ في حده الأدنى”.
واعتبر زميله النائب البرلماني الليبي إبراهيم الدرسي، في اتصال هاتفي مع “العرب”، أن “ملتقى الحوار السياسي بتونس غامض، ومُخرجاته غامضة، والضامنون غامضون، ونهاية هذا الحوار تعكس صورة باهتة ولا تُبشر بخير رغم تمنياتنا بأن يكون الوضع أفضل”.
ولم يستبعد أن يعمد إخوان ليبيا إلى “افتعال المشاكل عبر وضع العراقيل أمام حوار تونس، لتحقيق مآربهم، وحتى يكون لهم النصيب الأكبر تماما كما حصل في اتفاق الصخيرات”، واصفا في هذا السياق جميع مسارات الحوار الليبي بأنها “حروب مؤجلة، وقنابل موقوتة لم تكن بعثة الأمم المتحدة صادقة في معالجتها”.