ملتقى العويس لأدب الطفل: إبداع أدب الأطفال في المنطقة يعاني من التشتت

تهتم أغلب الدول العربية ومنها الإمارات بأدب الطفل، لكن جهود الكتابة والنشر في هذا المجال تعاني الكثير من التشتت وعدم التنظيم وغياب كبير للكتابة التي تواكب العصر وتخاطب طفل هذا الزمان، وهذا ما أوضحه ملتقى العويس لأدب الطفل الذي ناقش واقع أدب الطفل في الإمارات.
يحظى الطفل الإماراتي بكل الأدوات الجمالية والفنية من كتب ومعارض فنية ومتاحف، ورعاية حكومية وخاصة بتنمية مواهبه ودعم بروزها وإثرائها، وقد نظمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية أخيرا “ملتقى العويس لأدب الطفل في الإمارات” الذي أقيم على هامشه أيضا معرض لرسومات قصص الأطفال لنخبة من الفنانين المبدعين، من بينهم ناصر نصرالله، إيمان الرئيسي، عائشة الهاشمي، مروى حصيات، فاطمة العامري، رغدة عوده، بشائر الحضرمي، لطيفة بن كته، أماني الشايب، سلامة النعيمي، آية رشيد وعائشة المراشدة.
كما تم توزيع نسخ من أول قصة مصورة للأطفال في الإمارات بعنوان “الفأر المخترع” كتبها ورسمها وأخرجها عبدالعزيز خليل المطوع عام 1969. والتي تعد هذه المجلة وثيقة تأريخية لأول مجلة مصورة في الإمارات.
الملتقى الذي شارك فيه نخبة من الباحثين والأدباء والفنانين والمبدعين، ناقش واقع أدب الطفل في الإمارات عبر جلستين، الأولى التي أدارتها الكاتبة بدرية الشامسي تحدث فيها د.علي الحمادي والكاتبة ري عبدالعال، والكاتبة ناديا النجار، والفنانة والكاتبة فاطمة العامري عنوانها “التفاعل ما بين النص والرسم في قصص الأطفال”. وفي الجلسة الثانية التي أدارتها د.بديعة الهاشمي تحدثت د.وفاء الشامسي، وأمل فرح، ود.هيثم يحيى الخواجة، ود.فاطمة المزروعي.
هوية وطنية
في بحثه الذي عنونه بـ”دور أدب الطفل في ترسيخ الهوية الوطنية”، كشف د.علي عبدالقادر الحمادي عن تصمم مشروع تطبيقي باسم “الحقيبة التعليمية لتعزيز الهوية الوطنية في رياض الأطفال”.
وقال “مكونات الحقيبة تركز على توظيف أدب الطفل في تعزيز وعي الطفل بذاته وتمكينه من التعرف على مفردات هويته والتمسك بها. وتشمل وسائط متعددة هي: الأركان التعليمية، وقصص الأطفال، والأغاني الشعبية، والألعاب الشعبية، والمقاطع المرئية، والدمى، والمواد التدريبية، والحملات التوعوية. لقد بنيت فلسفة الحقيبة على الأركان التعليمية انطلاقا من دراسات سابقة أوضحت دورها الفعال في تعزيز وعي الطفل بذاته وتفاعله مع محيطه”.
وتابع “لقد مثل مفهوم الأركان منطلقا لتوظيف مكونات الحقيبة في تحقيق هدفها. فهو أكثر ممارسة تعليمية في رياض الأطفال، وتسمى في بعض أدبيات التربية بمراكز التعلم. كما يسميها البعض زوايا. وهي مساحات منفصلة في القاعة الصفية، يكتسب من خلالها الطفل معارفه، وينمي مهاراته، وتتطور لديه القيم والاتجاهات والآداب. وتخصص كل مساحة لممارسة نشاط معين، وتزود المعلمة ركن بالوسائل التي ترتبط بموضوع الركن وتعرضها بشكل جميل يجذب الأطفال للاقتراب منها ولمسها، وفحصها ثم تجريبها والتفاعل معها. وتعد الأركان التعليمية جزءا مهما من المنهج في مرحلة رياض الأطفال، وترتكز على التعلم الذاتي للطفل، وهي بيئة ثقافية جيدة لقراءة القصص وإنشاد أغاني الطفولة”.
وأكد الحمادي أن هذه المكونات الثمانية للحقيبة تتعاضد لتقديم تجربة استثنائية في توظيف أدب الأطفال لتعزيز القيم وبناء الشخصية، وتقترب من المجتمع الإماراتي بتركيزها على الطفل الإماراتي وملامسة احتياجاته، وقد خلصت الدراسة إلى أهمية ربط أدب الطفل بما يتلقاه الطفل من خبرات تعليمية في الحقول الأساسية للمعرفة الإنسانية، واستثماره في خلق وعي الطفل بذاته وهويته.
التوازن بين الرمز والخيال في قصص الأطفال يعزز إمكانيات خلق عوالم لا تعترف بالممنوع والمحظور، وتتداعى فيها الصور
وفي مداخلتها التي عنونتها بـ”وعي الذات في أدب الطفل في الإمارات” قالت الكاتبة نادية النجار “أشجع فكرة دمج أصحاب الهمم في أدب الأطفال، والتعريف بهم، ولعلها فكرة حسنة وبادرة جميلة من الرسامين، بأن يظهروا ذلك في جزء من رسوماتهم إن سنحت لهم الفرصة وبشكل تلقائي، كأن تظهر شخصية من أصحاب الهمم، كطفل على كرسي متحرك، أو رجل في الطريق يحمل العصا البيضاء الخاصة بالمكفوفين، وحتى إن كان موضوع القصة بعيدا عن موضوع الإعاقة”.
وأضافت “نحن بحاجة إلى المزيد من كتب الأطفال العربية التي تتحدث عن أصحاب الهمم، لمنحهم صوتا وصورة. إن وجود أدب يحتوي على صور إيجابية عن المعاقين له أثر إيجابي على مواقف الأطفال العاديين تجاه أقرانهم من أصحاب الإعاقات والاحتياجات الخاصة، ويساهم بشكل واضح على الدمج الناجح لهم في الأسرة والفصول الدراسية وبيئة العمل والمجتمع”.
وتناولت النجار عددا من القصص التي اهتمت بتعريف الطفل على أصحاب الإعاقات، من بينها قصص لها، هي “أصوات العالم”، و”نزهتي العجيبة مع العمّ سالم”، “بحر أصفر.. رمل أخضر”، وقصتان للكاتبة ميثاء الخياط “طريقتي الجديدة”، “جوارب أمي العجيبة”، وقصتان للكاتبة ريم القرق هما “عسل السدرة”، “فربوع” وهذه الأخيرة تدور أحداثها في شبه الجزيرة العربية، وتظهر فيها العناصر المحلية والتراثية بشكل واضح، وخاصة في الرسومات، كالسَّدو والفقع والصرناخ غيرها. وكذلك قصة “بنو بطريق” للكاتبة أسماء الكتبي، حيث تلتقي البطاريق بعائلة بدوية، ثم تقرر خوض رحلة إلى الصحراء للتعرف على التراث الإماراتي.
وكذلك تطرقت إلى قصة “شيرة الهمبا” للكاتبة إليازية خليفة، وهي عن ذكريات طفلة إماراتية أعطتها جدتها ثمرة مانجو، فزرعت بذرتها حتى نمت وأصبحت شجرة همبا (مانجو)، وهي قصة تعكس نمط الحياة المحافظ وتشجع على الزراعة. تركت الكاتبة حوار القصة باللهجة الإماراتية حفاظا على روح القصة. ومن قصص الأشجار والبيئة المحلية أيضا قصة “غافتان”، وقصة “النمر الأرقط” للكاتبة نادية النجار.
الخيال والرمز
أكدت الكاتبة ري عبدالعال في مداخلتها التي عنونتها بـ”الخيال والرمز في قصص الأطفال” أن الخيال يلعب دورا مهما في مرحلة الطفولة، فهذه القدرة الإبداعية يمكن أن تساعد الأطفال على مواجهة المشاكل وحلها.
وتؤكد العديد من نظريات نمو الطفل أن الخيال يساعد على تطور الطفل المعرفي، وينضج إدراكه ونموه العقلي وينمي قدرته على التواصل مع الآخرين، وهذا هو السبب وراء تصوير العوالم الخيالية في أدب الأطفال بشكل عام، خاصة وأن مخيلة الطفل لا تتطور تلقائيا إلا بشكل محدود النطاق.
يمكن أن تكون صور الخيال إبداعية أو تقليدية، وفي الحالة الإبداعية يعيد الخيال إنتاج صور تبدو واقعية رغم أنها لا تنتمي إلى الواقع الفعلي، فيما يمكن أن نسميه منطق اللامنطق، أو منطقة الخيال، ويرمي إلى التحرر من أغلال البراهين وقيود قوانين الواقع، بينما يعتمد الخيال التقليدي على صور جاهزة، لا يشكلها الطفل بنفسه. ويعزز التوازن بين الرمز والخيال في قصص الأطفال إمكانيات خلق عوالم لا تعترف بالممنوع والمحظور، وتتداعى فيها الصور دون قيد أو شرط.
أما د.هيثم يحيى الخواجة فرأى في مداخلته بعنوان “أدب الأطفال بين الحضور والتشتت” أنه على الرغم من أن بعض كتاب أدب الأطفال في الوطن العربي أبدعوا أعمالا ناجحة في أدب الأطفال، فإن قسما كبيرا مما يقدم للأطفال بدعوى أنه أدبهم لا يرقى إلى مستوى أدب الأطفال الذي نأمل أن نصل إليه، لأسباب عديدة من ذلك: الاستناد إلى التراث للاستفادة والهروب، أو ضعف الاختيار والانتقاء من التراث، وعدم التمكن من الجدة والابتكار، وعدم الإمساك بناصية اللغة، والابتعاد عن علم نفس الطفل والقيم والتربويات، والانحياز إلى الخطابية والمباشرة، وعدم دراسة المعجم اللغوي الملائم لكل فئة عمرية، إضافة إلى الرسومات السيئة وعدم الضبط بالشكل، وحجم الخط الصغير، والابتذال والتكرار، وغياب التشويق، وإهمال الخيال العلمي، ورفض ثقافة النقد، والابتعاد عن الواقع وقضايا الأطفال المعاصرة، وأخيرا الاستسهال والتجريب الذي لا يخرج عن إطار التخريب وغير ذلك الكثير الكثير.
كل ما سبق يؤكد وفق يحيى أن إبداع أدب الأطفال في الوطن العربي يعاني من التشتت، مع اعترافنا بوجود إبداعات جميلة وهادفة ومشوقة لكتاب يستحقون الإشادة والتقدير.
ويضيف الباحث أن “هذا الحضور، وهذا التشتت يربك مسيرة أدب الأطفال في الوطن العربي ويضعف مضامينه وخطواته نحو المزيد من التألق. وبناء على ما تقدم لابد من اتخاذ التدابير اللازمة لكي نقدم لأطفالنا أدبهم الحقيقي المعاصر، الذي يعالج قضاياهم، ويبني شخصيتهم وفكرهم، ويعمق ثقافتهم ووعيهم، ويمتعهم، ويغذي ذائقتهم اللغوية والجمالية. وأعتقد أنه ليس سهلا التخلص من الضعف والتشتت، ولابد من الشروع في العمل والإنجاز لتعميق الوعي بشروط الكتابة للأطفال، وعلم نفس الطفل، والقيم الأخلاقية والتربوية، وأسلوب الرسم والإخراج والألوان ونوع الخط، وغير ذلك”.
ويوضح “أجد من المفيد مراقبة أدب الأطفال من قبل المؤسسات بما يتعلق بالنضج الفني ‘الشكل والمضمون’، وكذلك اتخاذ إجراءات صارمة في ما يخص الترجمة المشوهة والسرقات ودس السم في الدسم وغير ذلك. وأجزم أن التمكين من اللغة العربية والندوات والمحاضرات والورشات، ونشر الإبداع المتفوق والدراسات التنظيرية المعمقة.. كل ذلك يدفع مسيرة الموهوبين إلى إبداع أدب أطفال يستحقه الطفل المعاصر. وإذا أضفنا إلى ذلك الدعم المؤسساتي، وتحفيز الكتاب، وزيادة الجوائز النوعية، فلابد أن نحقق أملنا المنشود”.
ورأت الكاتبة فاطمة العامري في مداخلتها التي عنونتها بـ”التفاعل ما بين النص والرسوم في قصص الأطفال” أن قصص الأطفال، تعد كتبا ذات محتوى مزدوج، يجمع ما بين عناصر لغوية، هي “النص”، وعناصر بصرية/ فنية هي الرسوم، ويعد كل عنصر مكملا للآخر، يسير معه في خط متواز، وقد يطغى عنصر على آخر بحسب معطيات أخرى مثل: الفئة العمرية، وطول النص.
وبقدرما يؤدي النص دورا في عملية إثراء لغة الطفل، وتنمية خياله، تأتي الرسوم لتؤدي دورا لا يقل أهمية عنه في تنمية خيال الطفل، وإذكاء مهارات الملاحظة والمقارنة والاكتشاف. وينقسم التفاعل ما بين النص والرسو م في قصص الأطفال، إلى نوعين، هما التفاعل المتماثل والتفاعل المعزز أو المطور. ويعد النوع الأول تمثيلا تاما للنص، أي أن الرسام يقدم ما هو موجود تماما في النص. أما النوع الثاني، فيقوم فيه الرسام بتقديم بعد أعمق للنص من خلال الصور. ولا تقل أهمية النوع الأول عن الثاني، فلابد من التنوع ما بينهما لتحقيق هدف التأثير، وتوسيع النص بصريا.
وقدمت د.وفاء الشامسي قراءة تحليلية للرمز والخيال في قصص الأطفال بين المقبول والمرفوض، حيث ناقشت مصادر وضوابط الخيال وماهية وضوابط الرمز في أدب الطفل وتوظيف كل من الخيال والرمز في قصصه، وأشارت إلى أن الخيال والرمز يرتبطان بأدب الطفل ارتباطا وثيقا لما لهما من تأثير كبير على عقلية الطفل ونفسيته ومهاراته المختلفة، فكلاهما يعمل على تطوير مهارات الإبداع والتخيل وتعزيز التفاعل العاطفي والاجتماعي، وبناء القيم والأخلاق وغيرها من الفوائد الأخرى التي تنسجم مع النص الأدبي بطريقة أو بأخرى.