ملامح المشهد الأخير في الانتخابات المحلية التركية

“إمّا أن أغزو إسطنبول، أو إسطنبول تغزوني”، هذه الجملة قالها السلطان محمد الفاتح قبل مئات السنين إيمانا منه بأهمية إسطنبول وها نحن اليوم نشهد الانتخابات المحلية لبلدية إسطنبول التي يتنافس عليها مرشح حزب العدالة والتنمية مراد كوروم ومرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أغلو، وبعد أيام قليلة سنرى من منهما سيغزو إسطنبول ومن منهم ستغزوه إسطنبول.
نستطيع أن نسمي هذه المرحلة بمرحلة “التقاط الهفوات والأخطاء”، فكلا الطرفين، إن كان حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه أو حزب الشعب الجمهوري وحلفاؤه، يحاولان الآن اصطياد الأخطاء لبعضهما بعضا ونشرها في وسائل الإعلام، ولم نتوقف عند هذا الحد، بل عاد الطرفان إلى الأرشيف الإعلامي لبعضهما، لعلهما يلتقطان تصريحات نارية سابقة لإعادتها إلى المشهد الإعلامي في تركيا الآن بغية استغلالها، فجميع القوى السياسية التركية ترمي أوراقها الأخيرة.
◙ الإعلام المعارض يحاول خلق أفكار سلبية عن شخصية كوروم حيث تقول المعارضة إن كوروم ليست لديه استقلالية بالقرار، وإنه ينفّذ تعليمات الرئيس رجب طيب أردوغان فقط، وهذا لا يليق بعمدة إسطنبول
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا مقطعا مصوّرا يظهر بعض الشخصيات، وهي تعد مبالغ مالية كبيرة في مقر حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، وهذا ما أثار دهشة المواطنين الأتراك وحفيظتهم مما دعا مكتب المدعي العام بإسطنبول لفتح تحقيق حول الحادثة وحول مصدر هذه المبالغ المالية، وعند سؤال الصحافيين لمسؤولي حزب الشعب الجمهوري حول الحادثة، حاول البعض الإنكار والبعض الآخر قال إن ليس لديه علم عن هذا الموضوع، وأكرم إمام أوغلو علّق على هذه الحادثة قائلا “هذا الأمر حدث قبل 4 سنوات ونصف لعملية شراء مقر جديد للحزب، والآن أخرجوا هذا المقطع، وكأنه جديد ليهاجمونني به، رغم عدم وجود أيّ علاقة لي بهذه العملية”.
من جانب آخر نرى إعادة نشر مقاطع مصورة قديمة لإمام أوغلو، وهو ذاهب ليتناول السمك مع القنصل الإنجليزي وسط عاصفة ثلجية تضرب شوارع إسطنبول، ونرى أيضا مقاطع قديمة توثق عدم تواجد رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو عند حدوث سيول وتعطل الصرف الصحي ببعض شوارع المدينة مما أدى إلى خسائر كبيرة ببعض المحلات التجارية.
وقبل أيام انتقد بعض الصحافيين الأتراك وليمة الإفطار الرمضاني التي أعدها إمام أوغلو للشخصيات الدينية في إسطنبول حيث قالوا إنَّ أغلب الشخصيات الدينية المتواجدة في الإفطار هي شخصيات مسيحية وموسوية غير مسلمة، وهذا ما أثار دهشة المواطنين.
طبعا الإعلام المعارض أيضا يقوم بالتقاط هفوات مراد كوروم، حيث نلاحظ دائما أن الإعلام المعارض يحمّل كوروم وبال الزلزال الذي ضرب المدن الجنوبية في تركيا بدلالة أنه كان وزيراً للبيئة حينها، ولا يستطيع التنصل من المسؤولية مهما فعل.
ومن الموضوعات التي أثارت الضجة أيضا هي الادعاءات حول استخدام كوروم لشركة إسرائيلية لإدارة حملته الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي على حسب قول المعارضة، التي تساءلت عن مدى ازدواجية المعايير لدى حزب العدالة والتنمية الذي يدعم القضية الفلسطينية.
◙ مواقع التواصل الاجتماعي تداولت مقطعا مصوّرا يظهر بعض الشخصيات، وهي تعد مبالغ مالية كبيرة في مقر حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، وهذا ما أثار دهشة المواطنين الأتراك
من ناحية أخرى الإعلام المعارض يحاول خلق أفكار سلبية عن شخصية كوروم حيث تقول المعارضة إن كوروم ليست لديه استقلالية بالقرار، وإنه ينفّذ تعليمات الرئيس رجب طيب أردوغان فقط، وهذا لا يليق بعمدة إسطنبول. وانتشر فيديو قديم لكوروم، وهو يحاول إغلاق كاميرا أثناء حديثه مع بعض المواطنين الذين كان يعاتبونه عندما كان وزيرا للبيئة، بسبب التأخر في تسليم بيوت مؤسسة الإسكان التركية “توكي” لأصحابها.
وأيضا انتقدت المعارضة التركية تراجع كوروم عن الحديث حول مخطط قناة إسطنبول الذي كان يروج له بقوة سابقا، ويقولون إنَّ عدم حديث كوروم عن هذا الموضوع هو لكسب أصوات الناس الذين يعارضون هذا المخطط، بسبب أضراره البيئية، وهنا تتساءل المعارضة عن مدى حقيقة السلوك الانتخابي لكوروم.
كلا الطرفين يحاول اصطياد الأخطاء والهفوات للآخر، كلا الطرفين يوظف قنواته التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي لانتقاد الآخر، وهذه هي ملامح المشهد الانتخابي قبيل الانتخابات في تركيا، حرب إعلامية طاحنة ستطيح بأحد المرشحين بعد أيام من الآن، وسواء خسر إمام أوغلو أو مراد كوروم فالرابح من دون شك ستكون إسطنبول.
وكما أنهى الشعب التركي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بجوّ ديمقراطي إيجابي سينهي أيضا هذه الانتخابات، وهكذا سنغلق باب الانتخابات التركية لفترة وجيزة من الزمن، وستتابع تركيا مشوارها في القرن التركي الجديد بخطوات ثابتة قوية تستند إلى إرادة الشعب التركي، حيث نقول دائما لا توجد إرادة فوق إرادة الشعب، رؤساء البلدية والوزراء يأتون ويذهبون وكذلك الحكومات ويبقى الشعب التركي سيد المشهد دائما.