ملابس البالة كساء السوريين في بردهم وفقرهم

أسواق البالة أصبحت ملاذا لغالبية الأسر السورية بعد أن عجزت عن اقتناء الألبسة الجديدة لغلاء أسعارها الخيالي أولا ولقلة الخيارات لعشاق الموضة ثانيا.
الثلاثاء 2021/01/19
كل القياسات لكل الفئات

انتشرت أسواق البالة في العاصمة دمشق وبعض المدن السورية الأخرى بعد أن تدهور وضع العائلات الاقتصادي وانهارت الليرة، فصارت المئات من العائلات تتوجه بعد بداية كل موسم إلى إكساء أطفالها من محلات وعربات تتوفر فيها البضاعة بأسعار تناسب ما تحويه جيوبها التي أصبحت شبه فارغة.

دمشق- بدأ شتاء السوريين قارسا هذا الموسم، وهم الذين لم يخرجوا بعد من التبعات الاقتصادية التي خلفتها الحرب التي لم تبق لهم من المدخرات شيئا، بل زادت معاناتهم مع غلاء المعيشة الذي أرهق جل العائلات في أنحاء البلاد، لذلك لم يجدوا ملاذا غير سوق الملابس المستعملة، ليكسوا أجسادهم ويحموا أطفالهم من برد الشتاء.

وعلى جوانب كومة من الثياب المبعثرة على طاولة في أحد أسواق البالة في شارع بوسط العاصمة دمشق، يقف المئات من السوريين رجالا ونساء يبحثون عمّا يحتاجونه من ملابس تناسب ما في جيوبهم.أسواق

وبات سوق القنوات أين تعرض العشرات من المحال بضاعتها على طاولات وعربات، أو تعلّقها على منصات على جانبي الطريق، ملاذا لغالبية الأسر السورية بعد أن عجزت عن اقتناء الألبسة الجديدة لغلاء أسعارها الخيالي أولا، ولقلة الخيارات لعشاق الموضة ثانيا. وإن حصل ومروا بتلك البازارات، فبقصد النظر إليها والنظر إلى أسعارها ومقارنتها مع سوق الألبسة المستعملة.

ومع اشتداد البرد هذا الشتاء، وقلة توفّر وقود التدفئة في البلاد، بات من الضروري على معظم الأسر شراء المعاطف الشتوية والألبسة الصوفية للأولاد والكبار، ولكنّ شراءها من المحلات التي تبيع الثياب الجديدة قد يكون صعبا بعض الشيء، أمّا في سوق “البالة” كما يسميه السوريون، فهي متاحة وأثمانها أرخص بكثير من محلات بيع الثياب الجديدة.

ووسط كومة من الثياب والمعاطف المبعثرة، تحاول أم عدنان (38 عاما) جاهدة العثور على معطفين لابنتيها سارة وعفاف بأسعار مناسبة، لكي يقيانهما برد الشتاء عند ذهابهما إلى المدرسة.

وقالت أم عدنان، وهي تحمل بيدها معطفا زهري اللون لوكالة أنباء (شينخوا)، إن “الوضع المادي لأسرتي صعب، ومن غير الممكن شراء معاطف جديدة للأولاد من المحلات المعروفة”، مؤكدة أن سوق البالة بات ملاذا لغالبية الأسر السورية، حيث يجد الكل ضالته هناك.

وتابعت تقول، إن “الألبسة المستعملة فيها أشياء جيدة، وفيها موديلات حديثة، وإضافة إلى ذلك فإن سعرها مناسب قياسا بالألبسة الجديدة”، لافتة إلى أنها اشترت عدة ملابس من هذا السوق بسعر قطعة أو قطتعين من الألبسة الجديدة.

غلاء المعيشة أرهق جل العائلات في أنحاء سوريا
غلاء المعيشة أرهق جل العائلات في أنحاء سوريا

وبعد أكثر من تسع سنوات من الحرب التي استنزفت الاقتصاد والبنى التحتية، يعاني السوريون من أزمة معيشية خانقة فاقمها انتشار فايروس كورونا، وهذا الوضع انعكس سلبا على القدرة الشرائية للسوريين الذين يعيش الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر.

ولم تبد أم أمير (36 عاما) حرجا وهي تتكلم عن شراء ملابس لأسرتها من سوق البالة، فيما كان البعض منهم سابقا يشعرون بالحرج وهو يشترون من هذا السوق، وعبرت عن سرورها بوجود أشياء أعجبتها.

وقالت “جئت مع ابنتي لشراء بعض الملابس الصوفية، لأن البرد يشتد والأولاد بحاجة ماسة إلى تلك الملابس”، مؤكدة وهي تتبسّم، “لم أحاول الذهاب إلى محلات الألبسة الجديدة، كي لا أصاب بالصدمة من شدة غلاء أسعار تلك الثياب”.

وأشارت، وهي تقلب بحثا عمّا يعجبها في أكوام الثياب ذات الألوان المختلفة، إلى أن هذه الأسواق باتت تقصدها الغالبية العظمى من الأسر، مبينة أنها في ما مضى كانت مقصدا للأسر الفقيرة والمعدومة، أما الآن فهي أسواق منتعشة.

ويزور المئات من السوريين باستمرار ذلك السوق الذي يبيع إضافة إلى الملابس، الأحذية المستعملة والمظلات الشمسية وبعض البيجامات، وغالبيتهم يعودون محملين بكيسين أو أكثر مملوءة بالثياب.

ليس الفقراء وحدهم من يتوجهون إلى سوق الملابس المستعملة، فدانة شوكة (28 عاما) تتوجه صباح كل سبت إلى سوق البالة، بحثاعن قطع مميزة من الملابس وبأثمان بخسة، إلى درجة باتت تحفظ وجوه التجار والعكس صحيح.

تقول دانة “بات التسوّق من البالة والبحث عن الثياب الرخيصة والجميلة، أشبه بالعادة الأسبوعية كما لقاء الأصدقاء في أيام العطلة”، مؤكدة “بثمن قطعة جاهزة.. يمكنني شراء ثلاث أو أربع قطع من البالة”.

ارتفاع أسعار الملابس الجديدة بشكل خيالي وانهيار أسعار صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وراء ازدهار سوق البالة

ومن جانبه قال عبدالرحيم (42 عاما)، وهو صاحب محل للألبسة المستعملة في سوق القنوات الذي يربط بين دمشق القديمة والحديثة، إن “السوق مزدهر هذا الأيام”، وعزا ذلك إلى “ارتفاع أسعار الألبسة الجديدة بشكل خيالي، وانهيار أسعار صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وتدني دخل الأسر السورية”، مؤكدا أن هذه الأسباب مجتمعة جعلت من سوق البالة سوقا مزدهرا.

وتابع يقول “هناك البعض من الصعوبات في الحصول على الألبسة المستعملة من الخارج بسبب العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى أن انتشار فايروس كورونا في سوريا والعالم، منعنا من الحصول على ما نريد من ألبسة من الأسواق الأوروبية”، مؤكدا أن هذا الأمر دفع بعض التجّار إلى رفع أسعار بعض القطع، ولكن تبقى أسعارها أرحم بكثير من أسعار الملابس الجديدة.

وأشار عبدالرحيم، إلى أنه كثيرا ما كان يتعاطف مع الناس ويبيع قطع الثياب بنصف سعرها، موضحا أن الناس غير قادرين على تأمين الطعام والشراب في هذه الأيام، وبالتالي لا بد من مساعدتهم بأشياء ثانوية مثل الملابس.

وسوق البالة في القنوات واحد من ستة أسواق للملابس المستعملة في دمشق وضواحيها. وكان بعضها موجودا قبل الحرب بينما ازدهر البعض الآخر خلالها. وتتواجد أسواق مماثلة في المحافظات بينها حلب وحماة.

20