مكافحة التغيرات المناخية تتطلب مكافحة الفقر أولا

لماذا تعتقدون أن بإمكانكم التهرّب من تحمل فاتورة التغيرات المناخية. لن تكفي مبالغ تافهة ترمون بها إلينا لعكس ما لحق ببلادنا من دمار وخراب أصبحنا بسببه عرضة للمجاعات.
الثلاثاء 2022/09/13
تغيرات مناخية أضرت بالعالم

المسؤولية الأكبر في التغيرات المناخية التي أضرت بالعالم تتحملها أوروبا والدول الصناعية الكبرى. الحديث هنا لا يتعلق بنبوءات مستقبلية بل بآثار أصبحت ملموسة على أرض الواقع، دفعت بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للدعوة إلى وقف ما أسماه بـ”الجنون”، مندّدا بـ”الثمن المروع” الذي دفعته وتدفعه الدول النامية من اعتماد العالم على الطاقات الأحفورية.

لم يكن من قبيل المبالغة أن يطالب غوتيريش بوقف الحرب على الطبيعة ووقف الجنون، وهو يطلع على ما أحدثته الفيضانات من خسائر في باكستان بالممتلكات والأرواح.

ما خلفته الأمطار من كوارث واضحة حدثت خلال ساعات وأيام معدودة كان له وقع صادم لفت أنظار العالم ودفع دولا عديدة لتقديم المساعدات. بينما المخاطر التي تزحف ببطء على مناطق أخرى من العالم، رغم أن ضحاياها وخطورتها تتجاوز بكثير ما حدث في باكستان، بالكاد تلفت الانتباه إليها.

◙ حسب صندوق النقد الدولي يحتاج استقرار درجات الحرارة العالمية والقضاء على الفقر ما بين 2 تريليون و4 تريليون دولار سنويا، تبخل الدول الغنية في دفعها

قبل أسبوع واحد من الفيضانات التي اجتاحت باكستان دعا قادة أفارقة الدول الغنية المسببة للتلوث إلى زيادة مساهماتها المالية لمشاريع تهدف إلى مساعدة دولهم على التكيف مع تغير المناخ.

إن كانت أصواتنا لا تصل إليكم، سنأتي بأنفسنا لبلادكم لنخبركم ماذا فعلتم بنا ونخبركم عن التصحر والجفاف والمجاعات التي تهدد قارة بأكملها.

أفريقيا لا تساهم بأكثر من ثلاثة في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، لكنها تعاني بشكل غير متناسب من عواقبها السلبية.

مع الأسف، المبلغ الذي سعى إليه قادة السنغال وغانا والغابون وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وسافروا من أجله إلى روتردام، مبلغ تافه بكل المقاييس. بدلا من المطالبة بأرقام تحتوي على 12 صفرا، اقتصرت مطالبهم على 25 مليار دولار. مطلب مثل هذا يكفي للتشكيك بمدى جديتهم وعدم استيعابهم لحجم الضرر الذي لحق ببلدانهم وبما ينتظرهم مستقبلا.

الرقم التافه قوبل بعرض أكثر تفاهة منه. لتعلن أربع دول أوروبية هي بريطانيا والنرويج وفرنسا والدنمرك مجتمعة عن مساهمات بقيمة 55 مليون دولار.

هل هناك إهانة أكبر من هذه الإهانة؟

◙ مخاطر تزحف ببطء على مناطق أخرى من العالم

كان على القادة الأفارقة بدلا من الدعوة إلى قمة عقدت في روتردام، وتجاهلها زعماء أوروبا – لم يحضرها سوى رئيس الوزراء الهولندي مارك روته – أن يقاضوا الدول الأوروبية بدلا من استجدائها.

وكان عليهم بدلا من التوجه إلى روتردام أن يصرخوا كما صرخ أنطونيو غوتيريش في إسلام أباد وهو يرى ما لحق بباكستان من أضرار وخسائر بشرية، مطالبين قاد أوروبا بوقف الحرب التي تشن على البيئة في بلادهم.

كان عليهم أن يسألوهم بصوت مرتفع: لماذا تعتقدون أن بإمكانكم التهرب من تحمل فاتورة التغيرات المناخية. هل تكفي مبالغ تافهة ترمون بها ألينا، لعكس ما لحق ببلادنا من ظواهر دمار وخراب، أصبحنا بسببها عرضة للمجاعات، وأصبح أطفالنا مهددون بالموت البطيء بسبب سوء التغذية؟

لقد أصابكم وأصاب حكوماتكم الهلع بعد عام واحد من شح الأمطار. موسم واحد، حامت فيه درجات الحرارة في مدنكم حول الثلاثين، كان كافيا لبث الرعب في قلوبكم. بدأتم تتحدثون عن الجفاف والتصحر والحرائق وتحذّرون من اقتراب نهاية العالم.

ماذا لحق بكم من ضرّ لحق بنا على مدى عقود رأينا فيها رمال الصحراء تبتلع حقولنا وتهدد مخزوننا المائي وتقتل مواشينا.

منذ أيام فقط أطلق فريق من العلماء تحذيرا من أن تغير المناخ ستكون له آثار مدمرة على حياة الملايين في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط حيث ترتفع درجات الحرارة بمعدل أسرع مرتين تقريبا من المعدل العالمي.

الخطر أصبح على أبوابكم. تراجع هطول الأمطار وارتفاع درجة الحرارة الطقس سيسهم في حدوث موجات جفاف شديدة، ويهدد الأمن المائي والغذائي وينطوي على تحديات خطيرة للبنية التحتية الساحلية، ويهدد مستودعات المياه الجوفية الساحلية بالتملح.

◙ ما خلفته الأمطار من كوارث واضحة حدثت خلال ساعات وأيام معدودة كان له وقع صادم لفت أنظار العالم ودفع دولا عديدة لتقديم المساعدات

لن تقتصر تهديدات التغير المناخي على الأمن الغذائي للعالم ومن ضمنها دولكم. لقد تسببت فعليا في انتشار الأوبئة -كورونا كان واحدا منها- وهناك تحذيرات من أن نشهد المزيد.

لم تبخل حكومات العالم عندما طالها التهديد مباشرة وفتحت خزائنها لتنفق مجتمعة 9 تريليون دولار من الدعم المالي لاقتصاداتها في الأشهر الخمسة الأولى من جائحة فايروس كورونا وحدها.

وحسب صندوق النقد الدولي يحتاج استقرار درجات الحرارة العالمية والقضاء على الفقر ما بين 2 تريليون و4 تريليون دولار سنويا، تبخل الدول الغنية في دفعها.

كان على الزعماء الأفارقة الذين اجتمعوا في روتردام بحثا عن مساعدات، أن يضيفوا إلى الرقم 25 مليار دولار ثلاثة أصفار على الأقل، وأن تقدم الفاتورة إلى حكومات أوروبا ليس بصفة مساعدات، بل غرامات وتعويضات عما لحق بالقارة الأفريقية وشعوبها من ضرر.

على أوروبا ودول العالم الصناعي الكبرى أن تنسى الوقود الأحفوري والبحث عن بدائل نظيفة للطاقة، وتركز أولا على مكافحة الفقر وعدم المساواة إن أرادت حقا وقف التغيرات المناخية.

8