مكافحة أخبار كورونا الكاذبة لا تنجح مع الدعاية السياسية

مكافحة التضليل السياسي عبر وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية أصعب بكثير من مكافحة المعلومات الزائفة حول فايروس كورونا، لذلك لا ينبغي الاعتقاد بأن النجاح الذي حققته شركات التكنولوجيا بالحد من المعلومات الطبية الخاطئة سينسحب على الدعاية السياسية.
واشنطن – حققت منصات التواصل الاجتماعي انتصارا هاما بالحد من نشر المعلومات الخاطئة التي تهدد حياة الناس ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوباء، لكن هذا لا يعني أنها ستحقق نهجا مماثلا تجاه الخطاب السياسي المضلل، حيث يستوجب قدرا أكبر من الحذر نظرا لأنه أكثر تعقيدا وتشعبا.
وتحدثت سارة كريبس، الأستاذة المتخصصة في الحكومة في جامعة كورنيل، وبريندان نيهان، الأستاذ في كلية دارتموث، في مقال نشراه في مجلة “فورين أفيرز” عن الاختلاف في طبيعة الأخبار الزائفة حول فايروس كورونا، وتلك التي تستهدف المجال السياسي، وطرق التعامل مع كل منهما.
ويقول المقال إن كلا من فيسبوك وتويتر ويوتيوب تحركت بسرعة لإزالة المعلومات الخاطئة عن الفايروسات التاجية التي تشجع الأشخاص على اتخاذ إجراءات قد تعرضهم للخطر.
بدورها تحرص غوغل على إبراز أخبار حول آخر المستجدات من وكالات الصحة الرسمية، مثل منظمة الصحة العالمية، وقد أنشأت فريقا للاستجابة للحوادث يعمل على مدار الساعة ويزيل المعلومات الخاطئة من نتائج البحث ويوتيوب. كما تعاونت واتساب التابعة لفيسبوك مع منظمة الصحة العالمية لتقديم خدمة الرسائل التي تقدم تحديثات في الوقت الفعلي.
وتصدت هذه المنصات لسيل من المعلومات الخاطئة والشائعات والأساطير ونظريات المؤامرة، وقد تظهر تهديدات جديدة، فعلى سبيل المثال تحاول روسيا تكرار سيناريو عام 2016 وتحاول استخدام المعلومات المضللة حول الفايروس التاجي لإثارة الاضطرابات السياسية في أوروبا والولايات المتحدة، وفق الباحثين الأميركيين.
وحظيت وسائل التواصل الاجتماعي وشركات الإنترنت بالتقدير على بذل جهود منسقة، ونجحت حتى الآن في الحد من التضليل. فلم يستطع ادعاء كاذب أو نظرية مؤامرة محددة الانتشار على نطاق واسع بالطريقة التي تمت في الكثير من المرات السابقة خلال الكوارث والمآسي.
عملية فحص المحتويات على الشبكات الاجتماعية تحتاج إلى توازن بين حرية التعبير وما هو مضر بالرأي العام
وأضاف الباحثان أن الحرب الرقمية ضد المعلومات المضللة تعيد إلى الواجهة الجدل حول مواقع الأخبار المزيفة في أثناء الحملات الرئاسية الأميركية عام 2016، وحاولت شركات التكنولوجيا وصناع السياسة البحث عن طرق للرد على التضليل السياسي، وهي مشكلة تطرح أسئلة حول الدور المناسب للشركات الخاصة في الخطاب السياسي.
لكن النجاح الحالي في تحديد ومنع المعلومات الضارة عن فايروس كورونا المستجد، لا ينبغي أن يغذي آمالا زائفة بتحقيق النجاح ذاته في مجالات أخرى، مثل الأخبار السياسية التي تنتشر فيها الأخبار الزائفة.
وامتدح المؤسس المشارك للمؤشر العالمي للأخبار الكاذبة، داني روجرز، منصات التواصل في تصريحات لـ”واشنطن بوست”، قائلا “استطاعوا فعلها عندما قرروا اتخاذ موقف أو عمل شيء”، وأضاف أن منصات التواصل الاجتماعي “لم تكن لديها السياسة للتحرك (ضد التضليل السياسي) وعندما تتحرك تصبح قوة للخير”.
ويركز بعض الصحافيين على أن السياسيين اليوم يستمرون في انتهاز الفرص لنشر المعلومات المضللة، يقول دانييل دايل، الخبير السياسي في قناة “سي.أن.أن”، “إن ترامب يتباهى بالمشاهدة القياسية لمؤتمره الصحافي اليومي، وبالكاد يسمح للصحافيين بالمداخلات، بينما لديه الحرية الكاملة لقول ما يريد”، ويصف داييل أقوال ترامب بأنها “سلسلة من عدم الدقة، والخيانة”.
ويتساءل الكاتب بن سميث في صحيفة نيويورك تايمز “هل سيظل تدفق المعلومات المسؤولة متواصلا حتى بعد هذه الأزمة؟ وهل يمكن تطبيق ذلك على الحملة الرئاسية القادمة؟”.
وإذا كان رد منصات التواصل على المعلومات المتوفرة عن الفايروس، صارما وفاعلا وضروريا، لكن لا يمكن ولا يجب تطبيق هذا النهج على السياسة، فالأساليب التي تنجح وتترك أثرها ضد المعلومات الصحية الخطيرة ستكون أقل فاعلية عند تطبيقها على الخطاب السياسي في الولايات المتحدة، فمن السهل اكتشاف المعلومات الكاذبة عن فايروس كورونا مقارنة مع الأخبار السياسية الكاذبة.
ويمكن للمنصات تركيز بحثها على المحتويات الكاذبة وكذلك الموضوعات المحددة بدلا من الحاجة إلى تحديد وحذف عمليات التضليل حول أي موضوع مهما كان، فهذه الحدود تساعد على القيام بتعديل فعال من خلال الذكاء الاصطناعي.
وأرسلت شركة فيسبوك في منتصف مارس الآلاف من مراقبي المحتويات إلى بيوتهم، خشية إصابتهم بالعدوى، وظل باستطاعتها الاعتماد على أجهزة التعرف لديها لحذف المعلومات الضارة عن الفايروس، ورغم بعض العثرات من ناحية حجب بعض المواقع الشرعية، إلا أن النظام كان بالمجمل فعالا.
ويشير الكاتبان إلى أن المعايير التي تقوم على الدليل يسهل تطبيقها على الصحة والدواء، فمن المعروف والمتفق عليه أن شرب مواد النظافة خطير ولا يسهم في الشفاء من كوفيد – 19، من هذا المنطلق فإنه يمكن تحديد زعم كاذب كهذا سريعا، وبالتالي حذفه، كما تفعل فيسبوك بالتعاون مع المنظمات الدولية، وفي المقابل فإن معايير الحقيقة والدقة في السياسة موضوعية وعادة ما تثير الجدل.
وفي ظل الظروف العادية فإن محاولة فحص المحتويات على منصات التواصل الاجتماعي وتقييمها تحتاج إلى توازن بين حرية التعبير وما هو مضر بالرأي العام، وعادة ما يختلف الناس حول المحتوى الذي يجب منعه ومن له الحق في اتخاذ قرار هذا المنع، وبالمقارنة فإن الوباء أدى إلى حالة إجماع تدعو إلى منع المحتويات الضارة على الإنترنت، فالمعلومات عن كوفيد – 19 هي مسألة حياة أو موت، ولهذا السبب تتعامل منصات التواصل الاجتماعي مع الموضوع بشكل مختلف.
ونقل بن سميث عن الرئيس التنفيذي لفيسبوك، مارك زوكربيرغ، في ما يخص موضوع الوباء، قوله “من السهل وضع السياسة بما يشابه أبيض أسود وبالتالي اتخاذ موقف متشدد”.
وبالمقارنة فإن هذه الظروف لا تطبق على عملية التضليل في السياسة المحلية، التي تكون فيها الحاجة إلى حماية حرية التعبير أمرا ملحا، فالخطاب الزائف في السياسة هو نتيجة للعيش في مجتمع حر، إلا في حالة تحوله إلى تشويه وتشهير يعاقب عليه القانون، بالإضافة إلى أن الكشف عن كذب مزاعم في السياسة يحتاج إلى جهد أكبر بسبب صعوبة الحكم على طبيعة الحقيقة، ولهذا السبب فإن الإجماع على تحديد عمليات التضليل السياسي عبر الإنترنت لا يحظى بموافقة عامة، ولا تحذف شركة فيسبوك المعلومات الكاذبة من منصتها، لكنها تخفف من انتشار المقالات التي يقوم شركاء لها بمهمة فحص ما جاء فيها والتوصل إلى أنها كاذبة ومخادعة.
وفي السياق ذاته، وبناء على المعيار المعمول به في التلفزيون، فإن فيسبوك لا تقوم بحذف الدعايات الكاذبة التي يدعمها المرشحون باستثناء حذف الإحصاءات غير الصحيحة أو كيفية التصويت.
ويختم الباحثان مقالهما بالقول “عندما تخف حدة فايروس كورونا يجب ألا تصبح المعايير التي تبنتها منصات التواصل الاجتماعي الوضع الطبيعي الجديد، فمجال المعلومات الطبية يختلف بشكل كبير عن السياسة التي يجب فيها حماية حرية الرأي عندما لا يعرض حياة الناس للخطر، وأفضل ما تقوم به الديمقراطيات الليبرالية هو تحديد انتشار التضليل السياسي لا اقتلاعه مثل الفايروس.