مقتل عائلة مسلمة دهسا في كندا يفتح ملف الإسلاموفوبيا

لسنوات عديدة ظلت كندا محصنة ضد جرائم الكراهية والعنصرية، إلا أن السلم الاجتماعية في البلاد باتت مهددة مع تشكل مجتمعات كبيرة للمهاجرين الذين تعول عليهم الحكومات المتعاقبة للدفع بالاقتصاد وتعويض النقص الكبير في اليد العاملة، بينما ترى فيهم شبكات اليمين المتطرف هدفا سياسيا واجتماعيا.
تورونتو ( كندا) - فتح مقتل عائلة مسلمة دهسا بصورة متعمدة في جريمة وصفها رئيس الوزراء جاستين ترودو بأنها إرهابية ملف الإسلاموفوبيا في كندا، حيث أقر البرلمان بالإجماع مقترحا لعقد قمة لمكافحة رهاب المسلمين في بلد متنوع الأعراق بدأ اليمين المتطرف فيه يتنامى، ما يمثل خطرا على السلم والأمن الاجتماعيين.
ويهدف البرلمان الكندي من خلال قراره مناقشة الهجمات والتدابير المعادية للإسلام المتزايدة في البلاد خلال السنوات الأخيرة والسبل الكفيلة بمواجهتها.
ووافقت جميع الأحزاب السياسية بالبرلمان الكندي على المقترح الذي تقدمت به النائبة عن الحزب الديمقراطي الجديد المعارض ليندسي ماتيسين والذي يدعو لعقد القمة قبل يوليو المقبل.
والأحد الماضي تعرضت عائلة مسلمة من أصول باكستانية للدهس عمدا في مدينة لندن بمقاطعة أونتاريو الكندية ما أسفر عن مقتل 4 من أفرادها تحت عجلات شاحنة السائق ناثانيال فيلتمان (20 عاما).
التقديرات تشير إلى وجود 100 جماعة يمينية متطرفة على الأقل نشطة في السنوات الأخيرة في أنحاء كندا
وأكدت الشرطة الكندية أن الضحايا امرأتان تبلغان من العمر 74 و44 عاما، ورجل يبلغ 46 عاما وفتاة تبلغ 15 عامًا، فيما نجا فرد واحد من الأسرة وهو صبي يبلغ 9 سنوات.
وقالت النائبة ماتيسين إن “أسرة مسلمة خرجت في نزهة كما تفعل العديد من العائلات والأشخاص، إلا أنها لم تتمكن من العودة إلى منزلها بسبب الكراهية”.
وأضافت “يجب ألا يشعر أي شخص بعدم الأمان داخل الحي والمجتمع الذي ينتمي إليه، وعلى الحكومة القيام بأكثر من المشاركة بكلمات عزاء”.
وأشارت ماتيسين إلى أن جميع المناطق الكندية “تتأثر بشدة من الإسلاموفوبيا” داعية جميع السياسيين على جميع مستويات الحكومة لتغيير سياساتهم بشكل عاجل لـ”منع هجوم آخر يستهدف المسلمين الكنديين”. كما دعت إلى حل عاجل لقضية “التفوق الأبيض والتطرف اليميني” في كندا.
وأعادت عملية الدهس هذه إحياء الذكريات المؤلمة للهجوم المسلّح الذي استهدف في مطلع 2017 مصلّين في مسجد في كيبيك، كما أعاد الهجوم الذي شهدته المدينة الصغيرة إلى ذاكرة الكنديين عملية الدهس التي نفّذها شخص بواسطة شاحنة صغيرة أيضاً في أبريل عام 2018 في تورونتو قتل خلالها 10 أشخاص.
وقالت ماتيسين إن “المسلمين عانوا من الكراهية لسنوات في هذا البلد، لا ينبغي أن يكون الأمر على هذا النحو، والآن تقع مهمة حل هذه المشكلة على عاتق الحكومة”.
وأكدت أن “قمة العمل الوطني لمكافحة الإسلاموفوبيا” مجرد بداية، مضيفة “أمامنا طريق طويل لنقطعه، لكننا سنواصل مكافحة الإسلاموفوبيا، وجميع أشكال العنصرية والتمييز حتى يشعر الكنديون بالأمان داخل مجتمعاتهم”.
ونبّه مجلس المسلمين الكنديين إلى أنّه “منذ إطلاق النار على مسجد كيبيك في يناير 2017، تزايدت جرائم الكراهية” في كندا، مطالباً بتشديد القوانين من أجل “تجريم الإسلاموفوبيا”.
ولكن هذه الأحداث لم تكن مفاجئة للباحث جيمس إليس المرتبط بالشبكة الكندية لبحوث الإرهاب والأمن والمجتمع، حيث قال “يبدو القلق على المستوى القومي من التطرف اليميني أقل من الأشكال الأخرى، وهذه رفاهية لا تستطيع كندا تحملها. فكل المؤشرات تؤكد بعث اليمين المتطرف والإرهاب في العالم الغربي، وليس هناك سبب خاص يحول دون وصول ذلك إلى كندا”.
وأكد أن تصاعد النعرة المعادية للهجرة في الولايات المتحدة وأوروبا في الشهور الأخيرة شجعت المتطرفين اليمينيين في كندا، وهم أولئك الذين يظهرون تأييدا لعدم المساواة على أساس عنصري أو عرقي ويؤمنون بالقومية العرقية وبالوسائل الراديكالية لتحقيق أهدافهم السياسية.

وتشير التقديرات إلى وجود 100 جماعة يمينية متطرفة على الأقل نشطة في كندا في السنوات الأخيرة، وتتراوح ما بين خلايا صغيرة وكبيرة وهي أكثر تنظيما، ويعتقد أنها تميل لأن تكون أقل عنفا من نظيراتها في الولايات المتحدة وأوروبا.
وتنشط هذه الجماعات حول كبيك وغربي أونتاريو وألبرتا وكولومبيا البريطانية. وتتجه جرائم الكراهية في كندا صوب المسلمين واليهود والأقليات الملحوظة والسكان الأصليين.
وبهدف نشر أفكارها الخطيرة وتجنيد أعضاء جدد والتحريض على العنف والكراهية أو الحصول على أسلحة، تتجه هذه الحركات بشكل متزايد إلى وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات عبر الإنترنت.
ويرى المراقبون أن الانفتاح الواسع على شبكة الإنترنت قد مكنها من الوصول إلى جمهور أوسع والتغلغل بشكل أفضل في الدوائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى منحها الفرصة لتكييف وتنويع استراتيجيتها في العنف.
وكانت المخابرات الكندية قد أعربت بالفعل في تقرير عن مخاوفها بشأن “أولئك الذين يسعون إلى دعم أو إثارة العنف العنصري أو الإثني القومي أو المناهض للحكومة أو المعادي للنساء”. وبالإضافة إلى بحث كيفية التعامل مع التهديد المتزايد للتطرف اليميني، يدرس مسؤولو الأمن الكنديون أيضًا أفضل السبل لتعريف الظاهرة وشرحها للجمهور.
وفي يونيو 2019 أعلنت وزارة السلامة العامة الكندية عن وضع مجموعة “بلاد أند هونر” وهي شبكة دولية للنازيين الجدد على قائمة الكيانات الإرهابية، حيث بات أعضاؤها معرضين لخطر مواجهة تهم جنائية.
ورغم حرص الحكومة الكندية على مكافحة جرائم الكراهية والعنصرية، تبدو المقاربات الاستخباراتية والزجرية لوحدها غير كافية في مواجهة ظاهرة يتداخل فيها النفسي بالاجتماعي والاقتصادي، فهل تتبع كندا خلافا للدول الأوروبية مقاربة تجعل الحلول الأمنية آخر سلم الأولويات؟