مقترح رائع! لا يفيد إلا صاحبه

وضع المذيع جيريمي كلاركسون مقترحا مثيرا على القراء البريطانيين لمساعدتهم في تحمل ارتفاع تكاليف المعيشة.
“روعة” مقترح كلاركسون بمقاطعة شراء الماركات الثمينة، عرضه بطريقة لا تخلو من الذكاء والفذلكة والتهكم تدفع إلى شغف مواصلة قراءة المقال في صحيفة التايمز البريطانية. لكن القراء، كما يبدو لي، سيعيدون نفس سؤالي بعد تلاشي متعة القراءة. ومن فينا أصلا يبعثر أمواله على شراء الماركات الفخمة، كي نقاطعها؟
كي يصل كلاركسون إلى فكرته الداعية إلى مقاطعة شراء البضائع الغالية، عرض النصائح المتداولة لتوفير تكلفة فواتير الطاقة هذا الشتاء، بارتداء طبقات من الملابس وحرق القمامة إذا كنت تريد البقاء دافئا. يجب أن تكبح شهيتك كي لا تهدر المال على الطعام، ووصل به الحال إلى توفير مبالغ شراء أوراق الحمّام كي لا نهدر المال، مقترحا العودة إلى العصور البدائية وكيف كان الإنسان يستعين بالأحجار بديلا!
في كل ذلك، كان يتهكم من أجل الوصول إلى فكرته بإزالة العلامات التجارية الفاخرة من حياتنا. فالأثواب التي كانت تشتريها زوجته من ماركة شانيل بمبالغ عالية، هي في حقيقة الأمر لا تختلف في نوعيتها عما يمكن أن تشتري مثلها عشرين رداءً بالسعر نفسه، من الماركات المتواضعة. أما الأقلام الذهبية الثمينة التي يتفاخر بها من هم على شاكلة جيريمي كلاركسون من طبقة الأثرياء، فمن السهولة بمكان استبدالها بأقلام عامة الناس الرخيصة. إنها نفس قصة الساعات والحقائب والأحذية والسيارات والمجوهرات التي تحفل بها صالات المطارات ومنتجعات العطلات المخملية.
لا أعرف مقدار ثروة كلاركسون، لكنه كان نجما تلفزيونيا يقود أفخر ماركات السيارات عندما كان يقدم البرنامج الشهير “توب غير” على شاشة هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” وتم إنهاء عقده بعد أن تشاجر مع منتج البرنامج موبخا إياه إثر تقديمه حساء باردا أثناء استراحة التصوير. “بي.بي.سي أيضا لا تكشف عن رواتب كبار مذيعيها”.
انتقل كلاركسون بعدها لتقديم برنامج “من سيربح المليون”، وأيضا لا نعرف مقدار المال الذي يحصل عليه مقابل عمله التلفزيوني، لكنه في النهاية يحسب على البريطانيين الذين يضعون رؤوسهم على الوسائد بعد منتصف الليل من دون أن يسرق النوم منهم التفكير بالقرض العقاري والفواتير.
بدأ البريطانيون يخرجون في تظاهرات تعبّر عن الاستياء من ارتفاع تكاليف فواتير الطاقة، ويحذرون مما ينتظرهم في شتاء بارد، فيما كبار السن سيبقون في محنتهم المعيشية.
الحكومة البريطانية، لم تجد أمامها غير مساعدة الشعب على دفع تكاليف الفواتير بقدر بسيط، لا يجعل الناس يتوقعون منازلهم دافئة هذا الشتاء. تماما مثلما رفضت من قبل مناهضة “الضرائب على الذنوب” كما أسماها بوريس جونسون آنذاك، معتبرا أن حكومته لا تعمل وفق نهج “أمومي” للدولة! ولا يتوقع البريطانيون أن يتغير هذا النهج سواء مع ليز تراس أو ريشي سوناك.
من طبيعة البشر أن يقدموا الشكر لمن يساعدهم بالنصيحة لمواجهة تكاليف المعيشة، وهذا ما يجعل قراء نصائح كلاركسون الفارغة من الجدوى، يردّون عليه بجملة تاريخية لا يتخلى عنها البريطانيون بمناسبة أو من دون مناسبة “شكرا جزيلا”. لكنهم هذه المرة سيضيفون إليها مفردة “آسف” التي تنافس “الشكر” في الاستخدام السائد. لأن ما تقوله أيها السيد لا أهمية له أصلا في مساعدة الناس على تحمل تكاليف المعيشة.
فكم يوجد من البريطانيين على شاكلة أسرتك في اقتناء الماركات الغالية؟ وحتى إذا وجدوا فهل هم مثل بقية عامة الشعب الذين يتظاهرون اليوم ضد ارتفاع تكاليف المعيشة؟