مفاوضات لبنان وإسرائيل تتوه بين الخرائط

بيروت – مرت ثلاث جولات على مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، دون تحقيق أي اختراق يذكر في ظل الشروط والشروط المضادة، وانخراط كلا الوفدين في حرب خرائط.
ومع كل جولة تفاوض تحرص كل من الولايات المتحدة الراعية للمفاوضات والأمم المتحدة المحتضنة لها، على إبقاء مسحة التفاؤل قائمة، إلا أن دوائر سياسية غربية بدت متشائمة من إمكانية حدوث أي تقدم، حيث من غير المرجح أن تقدم إسرائيل أي تنازلات، كذلك الشأن بالنسبة إلى لبنان الذي حرص على رفع سقف المطالب عاليا منذ الجولة الثانية التي شهدت الانطلاقة الفعلية للمحادثات والتي طرح خلالها خارطة جديدة.
ويرنو قادة لبنان إلى التوصل إلى اتفاق نهائي يحدد المياه الإقليمية اللبنانية أو المنطقة الاقتصادية التي على البلد أن يستفيد منها، لإنعاش وضعه الاقتصادي والمالي المأزوم، ولكن السؤال يبقى كيف يمكن تحقيق ذلك؟
ويدخل الوفد اللبناني المفاوضات بعقلية أن إسرائيل تحاول الاستفادة قدر الإمكان من نقاط ضعف لبنان وحاجته إلى هذا الاتفاق، الأمر الذي يزيد من تصلبه رافضا إظهار أية ليونة، حيث يفضل فشل المهمة على أن يجد نفسه في مرمى الانتقادات.
وجرت الأربعاء الجولة الثالثة من المفاوضات، والتقى الوفدان لساعات في نقطة حدودية تابعة لقوة الأمم المتحدة في جنوب لبنان (يونيفيل) في مدينة الناقورة، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة ودبلوماسي أميركي يتولى تيسير المفاوضات بين الجانبين.
والنقطة الوحيدة التي اتفق عليها المجتمعون خلال هذه الجولة هي عقد جلسة جديدة في الثاني من الشهر المقبل، وفق ما أوردته الوكالة الوطنية للإعلام (رسمية) في لبنان.
وبدأت المفاوضات في 14 أكتوبر بين الدولتين اللتين تعدان عمليا في حالة حرب، بعد سنوات من وساطة تولتها واشنطن. ثم جرت جولة ثانية تضمنت جلستين في الـ28 والـ29 من الشهر ذاته.
وتتعلق المفاوضات أساسا بمساحة بحرية تمتد على حوالي 860 كيلومترا مربعا، بناء على خارطة أرسلت عام 2011 إلى الأمم المتحدة. إلا أن لبنان اعتبر لاحقا أنها استندت إلى تقديرات خاطئة.
ويطالب لبنان خلال جلسات التفاوض بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومترا مربعا وتشمل جزءا من حقل “كاريش” الذي تعمل فيه شركة انرجيان اليونانية، حسب قول مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان. وأضافت هايتيان “دخلنا اليوم مرحلة حرب الخرائط”.
وقال مصدر إسرائيلي مطّلع على المفاوضات إثر جولة المحادثات الثانية إن الوفد الإسرائيلي طرح “خطًّا شمال حدود المنطقة المتنازع عليها”، مؤكدا أنه “لن يتم البحث في خط جنوب المنطقة” كما يطرح لبنان.
ووجّهت وزارة الطاقة الإسرائيلية مطلع الشهر الحالي رسالة إلى الشركة اليونانية، أكدت فيها أن “ليس هناك تغيير ولا احتمال تغيير في وضع المياه الإقليمية الإسرائيلية جنوب المنطقة المتنازع عليها وبينها بالطبع حقلا كاريش وتانين”.
وعلى ضوء التسريبات والأجواء العامة المحيطة بالتفاوض، فإن السقف الزمني المحدد للتوصل إلى توافق (لا يتجاوز بضعة أسابيع أو أشهر) يبدو غير واقعي، ويشير مراقبون إلى أنه رغم تركيز الجميع على العامل الداخلي، فإنه لا يمكن تجاهل المعطى الخارجي وتحديدا الصراع الأميركي الإيراني.
وتحرص طهران من خلال حزب الله على إبقاء هذا الملف مفتوحا، بانتظار التوصل إلى تسوية شاملة، فليس من مصلحتها حل إحدى المسائل الشائكة التي تبقي على أجواء الحرب بين الطرفين، قبل ذلك.
وفيما بدا محاولة من حزب الله للتملص من أي مسؤولية، ولاسيما أن كل المؤشرات توحي بتلاشي أي فرص للتوصل إلى اتفاق، قال الأمين العام للحزب حسن نصرالله مساء الأربعاء “إن الدولة بمؤسساتها هي التي تقرر أين هي الحدود البرية والبحرية للبنان والمقاومة تلتزم بما تحدده الدولة وتعتبر أنه من واجبها إلى جانب الجيش والشعب أن تدافع عن هذه الحدود، وهذا ما زال موقفنا، لم ولن يتغير”.
وكانت صحيفة “الأخبار” اللبنانية القريبة من حزب الله أوردت في عددها الأربعاء أن “ملف الترسيم مهدّد برفض الوفد الإسرائيلي المفاوض.. ما حمله الجانب اللبناني في الجلستين الأخيرتين، وتسبّب بغضب دفع بالعدو إلى التلويح بخيارات لا قانونية وغير قابلة للحياة”.
ونقلت الصحيفة عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة” أن “فرص نجاح هذه المفاوضات من عدمها أصبحت متساوية”، موضحة أنه “فيما ذهب الطرفان إلى التفاوض على مساحة 860 كيلومترا (المتنازع عليها)، بدأت تتوالد خطوط جديدة، بعدما قرر العدوّ أن المطلب اللبناني ‘استفزاز’، ومنح نفسه في المقابل حق طرح خطوط جديدة”.
ووقّع لبنان عام 2018 أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في رقعتين من مياهه الإقليمية؛ تقع إحداهما، وتعرف بالبلوك رقم 9، في الجزء المتنازع عليه مع إسرائيل. وبالتالي، ما من خيار أمام لبنان للعمل في هذه الرقعة إلا بعد ترسيم الحدود.