مغربي يكتب بالإزميل وينحت بالقلم

أعلن منظمو جائزة البحر الأبيض المتوسط في دورتها الخامسة والثلاثين لسنة 2020، مطلع هذا الأسبوع عن فوز الكاتب والفنان التشكيلي المغربي ماحي بينبين بالجائزة عن روايته الأخيرة “رو دو باردون”، حيث جرى ترشيح بينبين للجائزة إلى جانب سيلفان كوير بروايته “فانكر أ روم”، وياسمين خلاط عن روايتها “مصر 51”. فيما يلي لقاء مع ماحي بينبين حول الحجر الصحي والفن والأدب والثقافة.
باريس - بالنسبة إلى البعض، يعد الحجر الصحي معاناة حقيقية اعتبارا للقيود العديدة التي يفرضها. وبالنسبة إلى البعض الآخر، فهو مرادف للحرية والإبداع. ولعل الرسام والنحات والكاتب المغربي ماحي بينبين هو خير مثال على ذلك، فهو يرى الحجر الصحي كـ“نعمة”.
هكذا، فإن بينبين، الذي لازم منزله بمراكش منذ زهاء ثلاثة أشهر، والفائز مؤخرا بجائزة البحر الأبيض المتوسط للأدب 2020، والتي ستمنح له في أكتوبر المقبل في بيربينيان في جنوب فرنسا، يعتبر الحجر “نعمة حقيقية من السماء”.
ففي الأوقات العادية، تكون لدى ماحي بينبين أجندة ممتلئة أو حتى مزدحمة إلى درجة فقدانه للأولويات. ومع هذا الوقت المعلق، الذي فرضه وباء ظهر على نحو مفاجئ وغير متوقع، ممّا أدى إلى بعثرة حياة الملايين من الناس في جميع أرجاء المعمورة، أتيحت له الفرصة أخيرا لوضع قدميه على الأرض، علما أنه يقضي نصف وقت حياته في السفر. كما تمكن من تحديد أولوياته، والاستفادة بشكل كامل من أسرته الصغيرة، والتمكن قبل الموعد النهائي، من إكمال روايته التي سيقدّمها في غضون أسبوعين لناشره. ما يعد إنجازا بالنسبة إلى هذا الكاتب الذي يتوفر على خزانة ممتلئة بالاستحقاقات.
مغنم ثقافي
يقول ماحي بينبين “لديّ حياة مزدحمة للغاية، بصرف النظر عن المعطى الذي يفيد بأنني أقضي نصف حياتي في السفر. لذلك، كان هذا الحجر الصحي بالنسبة إليّ نعمة من السماء. لقد انتهيت للتو من روايتي الجديدة، حيث عملت بشكل جيد. وأنا سعيد لأنني خضعت للحجر الصحي لمدة ثلاثة أشهر. لقد قمت بتسوية كل شيء لم أقم بالبت فيه منذ فترة طويلة”.
وأضاف بينبين بنبرة صريحة “من النادر جدا بالنسبة إليّ أن أنتهي من عمل أدبي مبكرا. فعموما أنا دائما متأخر ودار النشر كثيرا ما تمتعض من ذلك. أما اليوم، ولأول مرة، أنا في الموعد مع الناشر”، مشيرا إلى أن روايته الجديدة التي ستسلم في غضون أسبوعين للناشر، ستصدر في بضعة أشهر.
لكن الحجر الصحي لم يكن فقط مغنما ثقافيا بالنسبة إلى هذا الفنان الذي تعاطى بشغف كبير مع عشقيه الفنيين الآخرين: الفن التشكيلي والنحت؛ فقد شكلت له هذه الفترة أيضا نوعا من الغنى على المستوى الشخصي.
وهكذا، شكل هذا الحجر الصحي فترة ملائمة للالتقاء بالأسرة، بالنظر إلى أن ماحي بينبين لم يجتمع ببناته الثلاث في نفس الوقت منذ سنوات عدة.
ويعترف هذا الأب المتعلق جدا بأفراد أسرته “تمكنا أخيرا من الالتقاء ببعضنا البعض. هناك واحدة من بناتي تقيم في لوس أنجلس، وأخرى بميلانو والأخرى تستعد للمغادرة هذا العام. لذا، كنت سعيدا جدا بالاجتماع مع أطفالي، والاستمتاع بحضورهم معي، والتحدّث مع بعضنا البعض.. لقد كانت الحياة الأسرية ثمينة بالنسبة إليّ خلال هذا الحجر”.
وهو يرى أن “الحجر الصحي لا يغير الشيء الكثير. بل في المقابل، يمنحنا فرصة للتفكير، والاستمتاع بكل لحظة، كل برهة ينبغي أن تكون ممتلئة بالحب والمشاطرة تجاه الآخر”.
ويقول “كما تعلمون، فإن الكتّاب يخضعون للحجر الصحي طوال حياتهم. إنهم يعيشون إن صحّ القول كنساك. فهم متواجدون دوما في فضاءات مغلقة لأن كل شيء يحدث بدواخلهم، ومن ثم فإن الحجر الصحي لا يغيّر الشيء الكثير بالنسبة إلى المؤلفين. لقد اشتغلت كثيرا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث قمنا بالكثير من المبادرات لمساعدة أولئك الذين يعانون الحرمان في زمن تفشي الوباء”.
احتفاء بالأنوثة
لأن المشاعر الإيجابية تكلّل دوما بالأشياء الإيجابية، تلقى ماحي بينبين خبرا مفرحا خلال فترة خضوعه للحجر الصحي. ألا وهو الفوز بجائزة البحر الأبيض المتوسط للأدب 2020، وذلك عن روايته الأخيرة “رو دو باردون”. وتعدّ هذه الجائزة التي ستسلم له يوم 3 أكتوبر المقبل خلال حفل سيقام ببيربينيان، مرجعا في عالم النشر بفرنسا والحوض المتوسطي.
وتعتبر رواية “رو دو باردون”، التي صدرت السنة الماضية عن دار النشر “ستوك”، عملا مشرقا، حسيا، دافئا ومفعما بالإنسانية، فهي بمثابة احتفاء بأنوثة النساء المغربيات من خلال بورتريه حياة، الطفلة غير المحبوبة في حي فقير بمراكش، والتي ستكتشف دروب الحرية عبر رقص وغناء “الشيخات”، هؤلاء النسوة اللواتي يشكلن في أحيان كثيرة ضحايا الأحكام المسبقة.
ويؤكد ماحي بينبين المفعم بالأمل “إنه كتاب ألفته بحب كبير وأنا سعيد للغاية بحصوله على هذا الاعتراف الدولي. نحن بصدد ترجمته، حيث ستمنح للكتاب حياة جديدة من خلال هذه الجائزة”.
وبنبرة فلسفية، اعتبر ماحي بينبين أن الجوائز والاستحقاقات تمكن من استدامة العمل الفني، قائلا “تعلمون أن الكتب لديها الآن مدة صلاحية تصل إلى ثلاثة أشهر في المكتبات، ودون اعتراف من مجتمع الأدب، لن تكون لديها فرصة للبقاء. لذا، فإن هذا النمط من الجوائز يسمح باستدامة العمل. الأمر الذي دائما ما يسعد المؤلفين”.
وبخصوص رؤيته للوضع الثقافي في المغرب قبل وبعد فايروس كورونا، يعتبر ماحي بينبين أن “الأمور تسير في المغرب على كل حال. هناك المزيد من المعارض، كما أن هناك نوعا من الحركية. من جهتي، يمكنني التحدّث عن الفن التشكيلي بحكم إلمامي بهذا العالم. هناك كوكبة حقيقية من الفنانين الاستثنائيين في البلاد الذين عانوا كثيرا بسبب فايروس كوفيد-19. حيث تم إغلاق صالات العرض. ولكن سيتعيّن استدراك الأمر. هنا نحن نقترب من النهاية، لذا يتعيّن علينا أن نشمّر على سواعدنا ونتّجه قدما إلى الأمام”.
وبخصوص الدبلوماسية الثقافية وحول ما إذا كان من أنصارها، يقول ماحي بينبين إنه يؤمن بها “بطبيعة الحال”، وذلك لأن “الإشعاع لا يأتي بالضرورة من السياسة. فهو يأتي بلا شك من الفنان. فماذا يتبقّى في الأخير؟ ما الذي يتبقّى في مجتمع ما؟ ما الذي يتحمل عامل الزمن؟ ما الذي ننظر إليه، نصب تذكاري، عمل فني.. إنه غنى البلد ويجب علينا أن نولي المزيد من الاهتمام والعناية للفنانين، الذين يعتبرون بمثابة رئتين للمجتمع”.