مغاربة يستجدون في الشارع الاهتمام بفنهم لا المال

شبان وشابات من المغرب يقدمون عروضا مرتجلة في الشارع كطريقة لتقاسم مواهبهم مع الجمهور وإظهار إبداعهم.
الأربعاء 2019/08/07
إبداع يستحق التقدير المادي والمعنوي

يجد بعض الشباب المغاربة في الشارع فضاء مناسبا لعرض مواهبهم الموسيقية على جمهور من المارة، معتمدين القبعة كإكسسوار مستلهم من الغربيين أكثر منه عنصرا لاستجداء المال لقاء فنهم.

الرباط - يتخذ شباب تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين سنة من الشارع فضاء عامًّا لتقديم عروضهم الموسيقية المرتجلة، والتقرب من جمهور يخصهم ببضع دقائق من وقته لينسحب إلى انشغالاته.

وشهدت المدن المغربية لاسيما السياحية كمراكش والصويرة والرباط، في الآونة الأخيرة، انتشارا كبيرا لهؤلاء الشباب بعروضهم الموسيقية المستحدثة، والتي يتداخل فيها العطاء الفني بالاستجداء المادي.

يحترف الشاب سياف الحصيني موسيقى الشارع منذ سنوات في الرباط بالعزف على قيثارة موصولة بمكبر صوت بسيط وأمامه قبعة بيضاء، وقال بشأن سبب امتهانه لموسيقى الشارع، إنه لا يمارس موسيقى الشارع بل الموسيقى في الشارع، وهي التسمية التي يراها تعبر عن شغفه بالموسيقى في فضاء الشارع.

ووقفا لوكالة المغرب العربي للأنباء، أوضح الحصيني “نحن لا نتخذ من الشارع فضاء لكسب المال وإنما للاقتراب من الجمهور، لأن صوتنا يسمع عبر منبر الشارع أكثر من باقي المنابر الأخرى”.

وأفاد مواطن من الجمهور الذي كان يتابع العرض الموسيقي للحصيني، حول القبعة التي يضعها عموما موسيقيو الشارع، بقوله “قليلون هم الذين يجودون على هؤلاء ببعض القطع النقدية، ثم إن الموسيقى بالنسبة للعازفين مجرد موهبة يجدون فيها ضالتهم لأن البعض منهم يمارسون مهنا أخرى. وعندما يأتي أحدهم لتقديم عرضه هنا بشارع محمد الخامس مثلا، فذلك أهم لديه من المال”.

وغير بعيد عن الحصيني وجمهوره يتخذ أعضاء مجموعة تضم ثلاثة شبان مغاربة وشابتين أجنبيتين موقعا لهم لتقديم عروض راقصة على أنغام موسيقية منبعثة من مكبر صوت صغير موصول بهاتف ذكي وإلى جانبه قبعة سوداء بداخلها قطع نقدية.

وأكد أحد أعضاء هذه المجموعة أن فرقته لا تمارس هذه العروض من أجل كسب المال، بل هي طريقة لتقاسم موهبة أعضاء المجموعة مع الجمهور وإظهار إبداع يمنحهم طاقة إيجابية، مضيفا عن القبعة السوداء “لكل منا أسرته وعمله الخاص والقبعة مجرد إكسسوار لا يعني شيئا، هي فقط دعوة إلى تقاسم هذا الفن مع الجمهور في الشارع”.

موسيقى الشارع

وتابعت ريكاردا، وهي ألمانية وعضو في المجموعة، قائلة “وضعنا القبعة أرضا لنتيح للناس (إمكانيّة) أن يقدموا لنا بعض المال إذا رغبوا في ذلك، وإلا فلا بأس لأن الرقص والموسيقى هما شغفنا في الحياة، وقد مر الكثير من الناس وأبدوا إعجابهم بالعرض الراقص الذي قدمناه، وهذا هو الهدف الأساسي”.

أما بالنسبة للشابة سناء التي كانت تتابع عرض المجموعة باهتمام، فقالت “أظن أن هؤلاء يسعون لتحقيق الهدفين معا، فمن خلال ما لاحظته، أرى أنهم يحاولون إظهار مهاراتهم، ودون تلك المهارات ما كانوا ليضعوا القبعة على الأرض وينتظروا أن يجود عليهم المارة ببعض المال. القبعة في نظري مجرد دعوة إلى تشجيعهم كي يعتنوا بمواهبهم ويصقلوها جيدا”.

وأكّد أسامة خزرون، الذي يمارس موسيقى الشارع منذ ثلاث سنوات، أن “الهدف من موسيقى الشارع فني ومادي في نفس الوقت؛ من جهة أرغب في إدخال البهجة إلى قلوب المارة وتقاسم موهبتي معهم، ومن جهة أخرى لأجني بعض المال، وذلك يبهجني لأنني أمارس فنا أحبه وأحصل بفضله على مقابل يعينني على تغطية بعض احتياجاتي”.

وقال هشام باحو، مؤسس ومدير مهرجان البولفار، أحد أهم التظاهرات التي تعنى بموسيقى الشارع في المغرب، إن “الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل هي متجذرة في ثقافتنا الشعبية من خلال ما كان يعرف بالموسيقيين الجوالين كركراكة وكناوة وغيرهم، حيث كانوا يجوبون القرى والأسواق فيعرضون فنهم على الناس ويتلقون مقابل ذلك بعض النقود تارة والإطراء تارة أخرى”.

وعلق على رمزية القبعة بالقول “وضع القبعة أرضا شائع في الثقافة العالمية لفنون الشارع، والأولى أن نسمي الأمر تبرعا أو مساهمة لأن موسيقيي الشارع لهم أيضا التزاماتهم المادية، ولكن هدفهم الأساسي ليس التسول بل يعتبرون مناضلين من أجل ديمقراطية الثقافة”.

ويرى حمزة الصقلي، باحث في علم الاجتماع من الرباط، أن سبب تنامي موسيقى الشارع وارتباطها بما يسمى “القبعة” يعود إلى قلة الفرص في سوق الشغل، مضيفا أن تعاطي شباب اليوم لموسيقى الشارع “قد يكون ماديا، لكن ذلك لا يمنع أن يكون فنيا في نفس الوقت”.. حتى القامات الفكرية الكبيرة كالأدباء، إذا لم يجدوا الربح المادي قد يتخلون عن كتاباتهم لأنهم لن يستفيدوا شيئا”.

وأوضح أحمد الدافري، ناقد فني وخبير في الإعلام والتواصل، أن موسيقى الشارع “تعد من المنظور الأنثروبولوجي، طريقة موغلة في التاريخ لعرض الأنشطة الفنية والترفيهية على الناس مقابل مبلغ رمزي وغير إجباري يحافظ على هذه الأنشطة من الاندثار”.

وتابع الدافري قائلا إن “الإبداع والفن لم يكنا يوما مطية للتسول، لأنهما نشاط يتطلب جهدا على مستوى المشاعر والعواطف. والمتسول هو الشخص الذي لا يبذل أي جهد، أما موسيقي الشارع، فمن المؤكد أنه استثمر جهدا وربما مالا لكي يصل إلى ما بلغه من الإبداع”.

وأضاف أنه من الأفضل أن يعرض موسيقي الشارع قبعة لجمع المال على أن يتسول، لأن التسول، في رأيه، يعبر عن قلة فرص الشغل، بينما تعكس موسيقى الشارع الطاقات الإبداعية اللامحدودة للشباب المغاربة، وهو ما يتعين تشجيعه.

24