مع تجاوزات مقدمي البرامج.. هل يحتاج الإعلام المصري إلى ضوابط جديدة أم إلى تنفيذ الحالية

تحكّم سوق الإعلانات في طبيعة المحتوى والبرامج يقلص فرص ضبط المشهد.
الثلاثاء 2024/08/20
في دائرة الانتقادات

القاهرة - تحرك مجلس تنظيم الإعلام في مصر، المسؤول عن متابعة أداء وتنظيم المؤسسات الإعلامية، لإيجاد حلول مهنية لما وصف بـ”التجاوزات والانتهاكات” التي ترتكبها بعض وسائل الإعلام، إثر تصاعد الانتقادات على مواقع التواصل بسبب تصريحات أدلى بها الإعلامي تامر أمين مقدم برنامج “آخر النهار” على فضائية النهار، بعد أن تهكم على المعلمين المصريين وطالب بإلغاء تدريس المواد الأدبية، مثل التاريخ والجغرافيا وعلم النفس والفلسفة.

وقال مجلس الإعلام إنه لاحظ تكرار وقوع عدد من المخالفات المهنية في أنماط الأداء مؤخرًا، بشكل أساء إلى منظومة الإعلام، وقرر دعوة أطراف صناعة الإعلام لمناقشة تطورات الصناعة، ومحاولة التوافق على حلول مهنية للحد من التجاوزات، وإيجاد السبل اللازمة لتطوير الصناعة وفق المعايير المهنية.

وقررت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وتمتلك الجزء الأكبر من الفضائيات المحلية من قبل، وقف البرنامج الذي يقدمه الإعلامي أحمد شوبير، وإنهاء التعاقد معه، وقالت إن ذلك يرجع إلى “مخالفة القواعد المهنية وسياسات المحتوى الخاصة بالشركة.. وأن الفوضى في قطاع الإعلام الرياضي تستلزم مواجهة حاسمة”.

إبراهيم الصياد: غياب الضوابط يجعل كل مذيع لديه "ستايل بوك"
إبراهيم الصياد: غياب الضوابط يجعل كل مذيع لديه "ستايل بوك"

ويشكل بقاء عدد من الإعلاميين في دائرة انتقادات الجمهور نتيجة لآرائهم غير المتماشية مع الواقع أحد عوامل القلق لدى جهات رسمية، بدأت تشعر بوجود استهداف للرسائل التي يقدمها إعلاميون، ويتم وضعها في خانة “الإعلام الرسمي” نتيجة لامتلاكها من جانب جهات محسوبة على الحكومة، ما يتطلب تدخلات لضبط الرسالة المقدمة في وقت تواجه فيه شريحة كبيرة من المواطنين صعوبات معيشية.

وبدلاً من أن تساهم البرامج الحوارية والـ”توك شو” في تصويب المزيد من الرسائل المشوشة التي تنتشر على منصات التواصل يقع العديد من المذيعين في أخطاء تبرهن أن الدقة تغيب عن وسائل الإعلام التقليدية، وهو أمر في حاجة إلى تدخلات لضبط الأداء، لكن ليس من خلال الدخول في جولة جديدة من الحوار والنقاشات حول كيفية التعامل معها والأجدى أن يتم التعامل مع التجاوزات وفقَا لمدونة السلوك ومواثيق الشرف الإعلامي التي انبثقت عن مجلس الإعلام بعد تأسيسه قبل ست سنوات.

ويتفق خبراء الإعلام على أن وضع ضوابط مهنية من جانب مجلس الإعلام لن يحقق المرجو منها، لأن الأدوات التي يمتلكها المجلس ولا يتم تطبيقها حبيسة الأدراج، وأن عمليات الرصد التي تراجعت ساهمت في زيادة الأخطاء التي يقع فيها إعلاميون، وبدت هناك قناعة بعدم وجود رصد مهني حقيقي لما يتم تقديمه عبر وسائل الإعلام.

ويقلص تحكم سوق الإعلانات في طبيعة المحتوى والبرامج فرص ضبط المشهد الحالي، الذي يخضع لضوابط تضعها القنوات الفضائية التي تخشى من أن تكون عرضة مستمرة للهجوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكد مجلس الإعلام المصري في بيان أصدره السبت، على دعوة المختصين والمؤسسات المعنية في مصر لحضور جلسة العمل الأولى الخاصة بمبادرة “التنظيم الذاتي للإعلام الرياضي والبرامج الحوارية والأنشطة الإعلانية”، الثلاثاء، لتناول قضايا ضبط أداء البرامج الحوارية المتعلقة بالأحداث الجارية والبرامج الرياضية التلفزيونية والإذاعية والأنشطة الإعلانية.

وضع ضوابط مهنية من جانب مجلس الإعلام لن يحقق المرجو منها، لأن الأدوات التي يمتلكها المجلس ولا يتم تطبيقها حبيسة الأدراج

وقال رئيس قطاع الأخبار الأسبق بالتلفزيون المصري إبراهيم الصياد إن تحرك مجلس الإعلام جاء كرد فعل على ما أثاره الإعلامي تامر أمين، وبالتالي فإن العاملين في مجال الإعلام لن ينظروا إليه على أنه يهدف إلى إرساء قواعد مهنية يتم تطبيقها على الجميع، وأن وقائع سابقة تحرك فيها المجلس للتعامل مع تجاوزات أثارت الرأي العام دون أن يصبح ذلك إجراء متبعا مع وسائل الإعلام المختلفة، فتستمر الأخطاء.

وأثار الإعلامي تامر أمين حالة من الجدل بعد تعليقه عبر برنامجه على مناهج المرحلة الثانوية بوزارة التعليم، مطالبا بإلغاء دراسة بعض المواد الدراسية مثل التاريخ والجغرافيا والفلسفة، قائلاً “يمكن تدريس التاريخ في مراحل التعليم الأساسي في ابتدائي وإعدادي فقط، ولكن في مرحلة الثانوية لا بد من دراسة مواد تساعد الطالب في سوق العمل”، ما أثار ضده موجة من الهجوم، خاصة بعد تهكمه على المعلمين بقوله “هيعملبيهم إيه.. أخره يبقى مدرس” (ما هي فائدة هذه المواد في النهاية سيصبح مدرسا).

وأوضح الصياد في تصريح لـ”العرب” أن عدم وجود سياسة تحريرية تضعها الفضائيات وتلتزم بها يدفع إلى تكرار الأخطاء، وأن مدونات السلوك تغيب عن غالبية وسائل الإعلام، وتكرار التجاوزات يبرهن على عدم وجود سياسية تحريرية معنية بوضع القواعد الأخلاقية والمهنية التي يتوافق عليها العاملون بالوسيلة الإعلامية، ويلتزمون بها على المستوى المهني والأخلاقي والسياسة العامة، وما يقوم به مجلس الإعلام من المفترض أن يكون من اختصاص إدارة الفضائيات.

الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية قررت وقف البرنامج الذي يقدمه الإعلامي أحمد شوبير، وإنهاء التعاقد معه

وأشار إلى أن غياب الضوابط يجعل كل مذيع لديه “ستايل بوك” أو طريقة إدارة خاصة به، ما يخلق قدرا من العشوائية في أداء الإعلام، وهو أمر ليس وليد اللحظة، وجميع مساعي ضبط منظومة الإعلام لم تحقق المرجو منها، وتساءل: أين ميثاق الشرف الإعلامي الذي خرج للنور عقب تأسيس الهيئات الإعلامية في مصر؟

ولفت الصياد، الذي كان ضمن لجنة من خبراء الإعلام وضعت ميثاق الشرف الإعلامي عام 2017، إنه ما انتهى إليه الخبراء يوجد في الأدراج وجرى توزيعه على القنوات دون الالتزام به، ويتمثل الحل في تفعيل اللوائح السابقة وإعادة فلترة وتقييم الإعلاميين، والتحرك بسرعة لوقف ظاهرة بيع الهواء التي تركت تأثيرات سلبية على الأداء الإعلامي، والتعامل بجدية مع تفشي المحسوبية في اختيار المذيعين.

وأحال مجلس الإعلام عددا من الإعلاميين للتحقيق واتخذ قرارات بمعاقبتهم، حدث ذلك مع الإعلامي أسامة كمال والإعلامية ريهام سعيد منذ أربع سنوات، غير أنه دخل آنذاك في مشكلات تتعلق بأحقية اتخاذ هذه القرارات التي جاءت بحق مذيعين لديهم نقابتهم المهنية (نقابة الإعلاميين) التي من المفترض أن تتدخل لضبط الأداء المهني.

وقالت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة ليلى عبدالمجيد إن مجلس الإعلام لديه أكواد مهنية خاصة بأداء مقدمي البرامج الحوارية والرياضية والمرأة والطفل، وهي مهمة لكن لا يتم الأخذ بها أو تطبيقها على أداء وسائل الإعلام، مشيرة إلى أن النقاش مجدداً حول وضع ضوابط وقوانين ليس في محله، وأن الإعلام في مصر يعاني من عدم التنفيذ.

وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن تحرك مجلس الإعلام يعني أنه استشعر تفاقم التجاوزات في ظل انتقادات توجه إليه بشأن عدم قيامه بدوره، وأن التعامل السليم يجب أن يتم من خلال منع الأخطاء قبل وقوعها بالتشديد على معايير ضبط الأداء المهني وليس بعد وقوعها، ومتابعة أداء إعلاميين لهم خبرات مؤشر سلبي، ويبقى الأمل على وسائل الإعلام مع فوضى المعلومات المضللة على مواقع التواصل.

5