معضلة غزة تستنزف خزان نتنياهو الانتخابي

غزة – يشكّل قطاع غزة بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معضلة تستنزف بشكل متواصل خزّانه الانتخابي، دون التوصّل إلى حلول لإيقافه، فخيار التهدئة الهشّة لا يبدو مُقنعا للداخل الإسرائيلي مع قصف الفصائل الفلسطينية من حين لآخر المستوطنات الجنوبية، أما السير في عملية عسكرية فينطوي على مخاطر كبيرة وغير مضمونة النتائج، في ظل حساسية التوقيت.
وقد ذهب أحد المسؤولين حدّ طرح فتح الباب للغزيين للهجة خارجا، الأمر الذي قابلته وسائل إعلام إسرائيلية بسخرية معتبرة أن هكذا طرح هو “استخفاف بالعقل الإسرائيلي”.
ويركز خصوم نتنياهو في الحملة الانتخابية على ما يعتبرونه فشلا ذريعا لزعيم ليكود في التعامل مع غزة، حتى أن رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” ووزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان فضّل وضع يده في يد الجنرال السابق بيني غانتس زعيم تحالف “أزرق أبيض” كردّ فعل على سياسة نتنياهو حيال القطاع، فضلا عن قضية تجنيد المتدينين.
وجدد ليبرمان الثلاثاء -في رده على التقارب مع غانتس وتوقيع اتفاق بينهما حول “فائض الأصوات” في الانتخابات المقبلة- هجومه على نتنياهو قائلا “الاتفاق مع عسكري سابق أفضل من الخضوع لفصائل فلسطينية تهدد أمن إسرائيل”. وكان ليبرمان، هاجم زعيم ليكود الأحد، على خلفية التصعيد الأخير مع غزة واصفا إياه بـ”القائد الضعيف”. ونقلت صحيفة معاريف الإسرائيلية عنه قوله “مرة أخرى نحن نواجه سلوكا خاطئا لرئيس الوزراء الذي يسافر إلى أوكرانيا لتصوير أفلام الدعاية الانتخابية، في حين أن سكان الجنوب رهائن لوضع أمني غير مسبوق”. وأضاف ليبرمان “نتنياهو، قائد ضعيف يفتقر إلى القيادة الصحيحة، وغير قادر على اتخاذ القرارات في أزمة حقيقية”.
ولطالما وجّه رئيس “إسرائيل بيتنا” اتهامات لنتنياهو بأن طريقة تعاطيه مع الفصائل الفلسطينية ساهمت في تآكل سياسة الردع الإسرائيلية في القطاع.
ويعزز التقارب بين “إسرائيل بيتنا” وتحالف “أزرق أبيض” إمكانية الإطاحة بنتنياهو في الاستحقاق الذي لم يعٌد يفصل عنه سوى أسابيع قليلة، خاصة وأنّ الأخير لا يملك الوصفة المثالية لترميم الثقة المهتزة مع الشارع الإسرائيلي واليميني المتطرّف على وجه الخصوص الذي أظهر تململا واضحا حيال توجّهات نتنياهو في علاقة بالشأن الفلسطيني والغزاوي على وجه الخصوص.
ويقول محللون إن نتنياهو قد يضطرّ أمام حجم الضغوط التي يتعرّض لها إلى الذهاب بعيدا من خلال شنّ عملية خاطفة في القطاع، لإنقاذ صورته واستعادة شعبيته المنهارة.
وكشف تساحي هنغابي وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي عضو المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينيت”، عن خطط إسرائيلية لمهاجمة حماس في قطاع غزة.
وذكر هنغابي مساء الثلاثاء للإذاعة الإسرائيلية أن الجيش جاهز وعلى استعداد لعملية عسكرية إذا لزم الأمر، وأن “الكابينت” وافق على خطط لمهاجمة حركة حماس.
وتأتي تصريحات الوزير الإسرائيلي، بعد تلويح نتنياهو خلال زيارة له إلى أوكرانيا، بعملية عسكرية واسعة ضد غزة إذا استمر التوتر في القطاع.
ويرى محللون أن خيار عملية عسكرية في غزة مجازفة قد تأتي بنتائج عكسية تترجمها الانتخابات التي ستجرى في 17 سبتمبر، هذا إن لم يجد رئيس الوزراء نفسه مضطرّا لتأجيلها في حال اندلعت هكذا معركة. ويقول هؤلاء إن الفصائل، وبخاصة حركة حماس التي تواجه بدورها حالة احتقان في القطاع نتيجة التدهور السريع للوضعين الاقتصادي والاجتماعي، قد تجد في أيّ عملية إسرائيلية فرصة مهمّة لتخفيف تلك الضغوط عليها وإعادة ترميم صورتها داخل غزة.
وستعمل حماس التي أظهرت تحسّنا في قدراتها الصاروخية في الأشهر الماضية، على إطالة أمد المعركة في حال فرضت عليها وإسقاط بنك أهداف نتنياهو، بحيث تحوّل محاولته لشدّ العصب الإسرائيلي نحوه في الانتخابات إلى هزيمة انتخابية قاسية.
ويأخذ نتنياهو كل ذلك في الاعتبار وهو السبب الذي دفعه إلى السعي إلى هدنة هشّة في الانتخابات السابقة التي جرت في أبريل الماضي، ورغم جلبة التصريحات يرجّح أن يتبنّى ذات الموقف، خاصة وأنّ تفجّر الأوضاع في غزة قد يمتدّ إلى الضفة التي تشهد حالة احتقان متزايدة نتيجة السياسات الأمنية والاستيطانية الإسرائيلية.
وكشفت صحيفة هآرتس الأربعاء، عن تقديرات لقيادة أجهزة الأمن الإسرائيلية تفيد باحتمال كبير لاندلاع هبّة في الضفة الغربية، وربما قبل انتخابات الكنيست.
وتستند تلك التقديرات إلى الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في الضفة على خلفية قرار نتنياهو، خصم مخصّصات الأسرى وعائلات الشهداء من أموال الضرائب التي تُحوّل للسلطة الفلسطينية شهريا، وإصرار الرئيس محمود عباس، على عدم تلقّيها منقوصة.
وأدت الأزمة إلى تلقي قرابة 160 ألف موظف في السلطة، بينهم قرابة 65 ألفا من أفراد أجهزة الأمن، نصف رواتبهم على مدار الأشهر الستة الأخيرة، فيما اضطر عباس مؤخرا إلى إنهاء خدمات طاقمه الاستشاري والتراجع عن الامتيازات المقدّمة لرئيس وأعضاء الحكومة.
ويقول المحلل العسكري في الصحيفة، عاموس هرئيل، المؤشرات على انعدام الهدوء على الأرض آخذة بالتراكم. ففي الأسابيع الأخيرة طرأ ارتفاع ملحوظ في عدد العمليات ومحاولات تنفيذ عمليات، وبعضها مرتبط بحماس”. ولفت هرئيل، إلى أن “ما يحدث في الضفة يتأثر طوال الوقت من التطورات في القطاع”.
ويعتبر خبراء أن مجازفة نتنياهو بعملية في غزة خيار خاطئ في توقيت قاتل. وفي تعليق على تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي اعتبرت صحيفة “يدعوت أحرنوت” في افتتاحيتها الثلاثاء، أنه “يمكن للمرء أن يخدع بعض الجمهور لبعض الوقت، ولكن لا يمكن له أن يبيع كل الجمهور بضاعة مستعملة كل الوقت”.