معضلة الكهرباء ترهق المشاريع الصناعية في حلب

تتفاقم متاعب أصحاب المشاريع الصناعية في سوريا، خاصة وأنها تترنح منذ سنوات طويلة ليس بسبب متاعبها المالية العميقة، التي خلفتها الحرب فحسب، بل أيضا بسبب الانقطاعات المتكررة للكهرباء نتيجة عدم قدرة حكومة نظام بشار الأسد على توفير الإمدادات في مناطق سيطرتها.
دمشق - يواجه الصناعيون في ورشهم الصغيرة في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة دمشق تحديات شاقة في مسار استدامة أعمالهم، بسبب نقص إمدادات الكهرباء التي زادت من إرهاقهم، وقلة العمال والعقوبات الدولية، إضافة إلى صعوبة التواصل مع الزبائن وتحويل الأموال.
وما إن تلامس عقارب الساعة السادسة مساء حتى يسود الصمت في حي كرم القاطرجي في حلب، مع توقّف ضجيج آلات الورش الصناعية جراء انقطاع الكهرباء يوميا عن أحياء عدة في المدينة الواقعة في شمال سوريا.
ويوضّب أصحاب المؤسسات وعمالهم حاجياتهم، ويغلقون محالهم ويغادرون باكرا مكانا اعتادوا العمل فيه ليل نهار في الماضي، في مدينة شكلت قبل اندلاع النزاع في العام 2011 العاصمة الاقتصادية لسوريا، قبل أن تقضي سنوات من المعارك وتداعيات الحرب على المرافق والخدمات الرئيسية فيها.

محمد الصالح: إعادة الكهرباء إلى المدينة ليست سهلة فنحن نبدأ من الصفر
ويقول محمود مجقيني (31 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية من ورشته المخصصة لحياكة الشاش الطبي، “لا أستطيع أن أقول إن الحرب انتهت إلا حين تعود آلياتي لتعمل على مدار الساعة”.
واستنزفت سنوات الحرب قطاعي الطاقة والكهرباء مع خروج أبرز حقول النفط والغاز عن سيطرة دمشق من جهة، وتضرّر محطات توليد وأنابيب في المعارك من جهة أخرى. وتحول العقوبات الاقتصادية على دمشق دون وصول بواخر النفط بشكل منتظم إلى سوريا.
وتشهد مناطق سيطرة الحكومة منذ سنوات ساعات تقنين طويلة وصلت خلال الأشهر الماضية في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يوميا، بسبب عدم توفر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد.
وتقع ورشة محمود حيث تعمل أربع آلات حياكة من أصل ثماني جراء غياب اليد العاملة، في الطابق الثالث من مبنى متضرر. ولا يزال جدار الورشة المطل على الشارع مدمرا، ويشكل المرور بجانبه خطرا على محمود وولديه، وفق ما يقولون.
ويتابع محمود قائلا “لو كانت الكهرباء متوفرة بشكل أطول، لعملنا أكثر ولتمكنت من ترميم الجدار المدمر، لكن الوضع الحالي لا يسمح بذلك”. ويضيف “نعمل حاليا على حافة الموت”.
وفي المناطق الصناعية داخل مدينة حلب، على غرار حي كرم القاطرجي، تتوفر منذ نحو عام كهرباء الدولة أربعة أيام في الأسبوع، من السادسة صباحا حتى السادسة مساء. وفي أحيان كثيرة، تخضع هذه المدة للتقنين.
أما في الأيام المتبقية، فلا تأتي كهرباء الدولة أبدا، فلا يجد الصناعيون أمامهم حلا إلا بتشغيل المولدات التي تعمل على المازوت لساعات محدودة أو التوقف عن العمل تماما.
وتعتمد محافظة حلب نظام تقنين في المناطق الصناعية أفضل من تلك السكنية، التي تشهد ساعات تقنين أطول. ويعتمد سكان المدينة بشكل واسع على الاشتراك في مولدات خاصة.
وشهدت حلب معارك طاحنة بين القوات الحكومية وفصائل معارضة بدءا من العام 2012. وفي نهاية 2016، وبعد حصار طويل وهجوم عسكري واسع على الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، استعادت القوات الحكومية السيطرة على كامل المدينة وجرى إجلاء الآلاف من المقاتلين المعارضين منها.
واعتادت المناطق الصناعية، وعددها أكثر من عشر في المدينة، قبل الحرب العمل ليل نهار، لكنّ المعارك أخرجت المئات من المعامل والورش من الخدمة، قبل أن يستعيد بعضها وتيرة الإنتاج بشكل محدود وتدريجي، تبعا لساعات توفر الكهرباء.
ورغم إزالة كميات ضخمة من الأنقاض وفتح طرق عدة، لكنّ عودة البنى التحتية لا تزال خجولة في أحياء عدّة.
ويقول المدير العام للشركة العامة للكهرباء في حلب محمّد الصالح لوكالة الصحافة الفرنسية “بدأنا العمل على إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية في المناطق المتضررة منذ العام 2017، لكن المسألة ليست بهذه السهولة”.
ويضيف “دخلنا إلى الأحياء الشرقية لحلب ولم نجد نواقل ولا أعمدة ولا محطات توليد الكهرباء. نبدأ من الصفر مجددا”.
وأعلنت الشركة العامة للكهرباء بحلب في فبراير الماضي عن بدء مشروع إعادة تأهيل المحطة الحرارية في المحافظة بدعم إيراني، وهي تعدّ من المحطات الرئيسية في البلاد خارج الخدمة، ولكن من شأن إعادة العمل بها أن يسهم في توفير الكهرباء للمدينة وضواحيها بشكل مستقر.

مصطفى كواية: خسرنا نحو 50 في المئة من إنتاجنا مقارنة مع ما قبل 2011
ووقعت دمشق وطهران في سبتمبر 2017 مذكرة تفاهم “للتعاون في مجال القطاع الكهربائي”، تتضمن إعادة تأهيل محطة حلب وإنشاء محطة توليد طاقة في اللاذقية وصيانة وتأهيل قطاعات كهربائية في مناطق أخرى.
وفي حي القاطرجي، يتذكر عبدالسلام مزيك سنوات مضت كانت المنطقة الصناعية تضج خلالها بأصوات آلات المعامل والورشات. ويتحسّر على أيام لم تكن تتوقف فيها آلياته عن العمل.
ويفتح عبدالسلام (52 عاما)، وهو صاحب ورشة لحياكة الأقمشة الملونة، أبواب مصنعه لأربعة أيام فقط في الأسبوع. ويقول “أستثمر كل دقيقة تأتي فيها الكهرباء”، موضحا أنه قبل النزاع “كنا نعمل دون توقف ولو للحظة واحدة”.
وبحسب نائب رئيس غرفة صناعة حلب مصطفى كواية، ضمّت حلب قبل الحرب “35 ألف معمل ومنشأة، لكن العدد تراجع في ذروة الحرب إلى نحو 2500 منشأة”. وبعد سيطرة القوات الحكومية على كامل المدينة، عادت تقريبا نحو 19 ألف منشأة إلى العمل.
ووفق كواية، دارت عجلة الإنتاج مجددا “بنسبة لا تزيد عن النصف بعدما خسرنا نحو خمسين في المئة من إنتاجنا”، مقارنة مع ما قبل 2011.
ويستعين عبدالسلام الذي أعاد فتح ورشته قبل ثلاثة أعوام، بعاملين فقط، إذ “لا ضرورة لعدد أكبر من العمال ضمن هذا الوقت المحدود للعمل”. ويضيف “يُعرف الصناعي الحلبي بحبه للعمل في كل الظروف. ما ينقصنا اليوم هو الكهرباء”.