معز مرابط: نحن نصل حافة الهاوية ولكننا لا نسقط

كثرة التجارب وتنوعها في حياة الفنان المبدع تجعله يقيّم مساره وطريقه الذي يسلكه في حياته اليومية والمهنية وفي مختلف حيواته الخاصة والعامة التي تربطه بمحيطه الإنساني والاجتماعي والفكري والفني وغيرها من المجالات الحيوية. كما أن التجارب المختلفة للفنان في مجاله الذي يختاره عن إرادة وحب ووعي تجعله يطور من قدراته ويتقدم من خلال نقده لذاته ولكل تجربة يمر بها بشكل فردي أو جماعي. فالفنان الذي يملك إرادة قوية ومسؤولة لا يقبل بالسكون للتجربة الواحدة. “العرب”التقت بالمدير العام للمركز الثقافي الدولي، دار المتوسط للثقافة والفنون ومدير مهرجان الحمامات الدولي معز مرابط وكان لنا معه هذا الحوار حول استفادته من تجاربه المختلفة وكثافة قدراته النظرية والعملية في مجالات فنية مختلفة ودورها في إدارة المركز الثقافي الدولي، دار المتوسط للثقافة والفنون ومهرجان الحمامات الدولي.
الأحد 2017/08/20
الأطفال قاعدة أساسية لبناء مجتمع مثقف

كانت انطلاقة معز مرابط الفنان المسرحي والمدير العام للمركز الثقافي الدولي، دار المتوسط للثقافة والفنون ومدير مهرجان الحمامات الدولي في دورته السابقة الـ52 لسنة 2016 والدورة الحالية عدد 53 لسنة 2017 والتي انطلقت منذ الـ15 من يوليو وتختتم يوم الـ26 من أغسطس 2017 بمدينة الحمامات التابعة لمحافظة نابل بالوطن القبلي للجمهورية التونسية تحت شعار “الحمامات كيما تحبها” (الحمامات كما تحبها).

ويؤكد مرابط أن بدايته كانت بحبه للمسرح والتمثيل منذ سن الطفولة حيث كان يشاهد العروض المسرحية الموجهة للطفل وانضم لورشات مسرحية على غرار انضمامه لورشة المسرح بمعهد غوته الألماني أثناء دراسته للغة الألمانية كما انضم لورشات المسرح الجامعي ومن ثمة درس المسرح بالمعهد العالي للفن المسرحي وتحصل على شهادة ختم الدراسات المسرحية في يونيو 1997 ببحث حول “الأثر البريشتي والمسرح الملحمي من خلال ثلاث تجارب لمخرجين تونسيين” ومشروع تخرج مقتبس عن نص “المغنية الصلعاء” ليوجين يونسكو ثم شهادة الدراسات المعمقة في المسرح وفنون العرض بباريس 10 ببحث حول “الاقتباس في المسرح التونسي لنصوص يونسكو” .

وكان البحث تحت تأطير روبير أبي راشد وكان ذلك سنة 1999 ثم قدم رسالة الدكتوراه في المسرح وفنون العرض بعنوان “ستانسلافسكي وتأثيره في المسرح الأميركي” بجامعة باريس 3 السوربون الجديدة وكان البحث تحت إشراف ماري كريستين وأتون ماثيو وذلك في فبراير 2007.

كما أنه قدم دروسا بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس منذ 2005 إلى الآن ووهو مدير قسم التكوين الفني والتقني من سنة 2005 إلى 2016.

درس مرابط بالجامعة الخاصة” تونس دفين” سنة 2008 وكان ناشطا ولا يزال في المجتمع المدني حيث ترأس الجمعية التونسية لخريجي معاهد الفنون الدرامية وأسس جمعية الفن الحي إضافة إلى النشاط النقابي كعضو بالمكتب النقابي لمهن الفنون الدرامية. كما أنه شارك في عدة مهرجانات عالمية للمسرح كممثل من خلال مشاركته في مسرحية “عشاق المقهى المهجور” ومسرحيتي “خمسون” و”يحي يعيش” للمخرج التونسي الفاضل الجعايبي/ كما قدم ورشات وحلقات تكوين. وكانت له فرصة هامة حيث حضر مهرجان المسرح ببرلين وشاهد عروضا كبرى في مسرح شيلر وبرلين إنسومبل مثل عرض “هاملت” لتوماس أوستر ماير وشاهد عرضا لبوب ولسون وشارك في تربص قدمته ساشا فالتز.

أكاديمية المتوسط للثقافة والفنون جاءت لإعادة هيكلة نشاط المركز الثقافي الدولي بالحمامات والتوسع أكثر على ثقافات المتوسط والعالم

المغامرة والمجازفة

يقول معز مرابط في بداية حديثنا حول إدارته للمركز الثقافي الدولي، دار المتوسط للثقافة والفنون وإدارة مهرجان الحمامات الدولي “عندما اقترحت عليّ وزارة الشؤون الثقافية مهمة إدارة مهرجان الحمامات الدولي في فبراير 2016 شعرت بمسؤولية كبرى لأنني سأدير مهرجانا له تاريخ كبير عمره أكثر من نصف قرن وقدمت به عروضا كبرى منذ دوراته الأولى على غرار موريس بيجار في دورته الثانية.

حقيقة كانت الدورة الـ52 للمهرجان مجازفة شاقة حيث ارتكزت خلالها على العمل الجماعي التشاركي داخل فريق عمل منظم وكنت أستمد القوة من تجاربي السابقة النظرية والأكاديمية والمجتمعية والعملية وكذلك من خلال حضوري ومتابعتي للمهرجانات الكبرى مثل مهرجان أفينيون، واستفدت من الفترة التي قضيتها بين أميركا وأوروبا ومن خلال إعدادي لملف حول المسرح العربي بالمركز الثقافي الإنكليزي، ووجدت نفسي بشكل عفوي أعد لبرنامج الدورة الـ52 للمهرجان.

وبناء على تاريخ المهرجان وعلى ما هو موجود صغت رفقة فريق العمل البرنامج وراهنت على الإضافة والدفع بالمهرجان إلى الأمام والحفاظ على الصبغة الثقافية النوعية للمهرجان وجعلها توجها أساسيا للمهرجان هذا مع العمل على الانفتاح أكثر وبشكل جديّ على مدينة الحمامات والخروج إلى الفضاء العمومي أي المدينة والشارع لتوسيع القاعدة الجماهيرية للمهرجان واستقطاب أكثر عدد ممكن من الجمهور والخروج من أسوار مسرح الحمامات ليعيش المهرجان أكثر. فانفتحت البرمجة على أربعة محاور كبرى برمجة العروض في مسرح الهواء الطلق وبرمجة خارج الأسوار وبرمجة الحدائق وفنون الشارع″.

ويضيف مرابط “أردنا الانفتاح على جلّ الفنون الحية كالمسرح والرقص وفتح مجال للتجارب الجديدة في الحدائق وإعطاء فرصة للجمهور في طريقه لمشاهدة عرض موسيقي أو رقص أو مسرح من خلال برمجة الشارع. واشتغلنا على التنويع في برمجة الهواء الطلق وإعطاء الفرصة للجمهور لتذوق أشكال فنية أخرى مختلفة وغير تجارية وغير مستهلكة والابتعاد عن الابتذال وإعطاء صورة حية ومميزة للثقافة والفن التونسيين، وأن يكونا في مستوى راق ومأمول وممكن. بالإرادة والعمل المسؤول كانت الدورة السابقة مغامرة، ومن لا يغامر ويجازف بكل إرادة ومسؤولية ووعي لن يكون قادرا على الإضافة وخلق البديل الثقافي الحقيقي والنوعي”.

أكاديمية المتوسط

في حديثنا مع ضيفنا حول استراتجيات العمل التي رسمها رفقة فريق عمله في إدارة المركز الثقافي الدولي دار المتوسط للثقافة والفنون بالحمامات يلفت مرابط إلى أن المحرك الأساسي الذي ترسم وفقه الاستراتيجية الشاملة للمؤسسة هو إقامة مشروع ثقافي دائم ومتطور ومنفتح على الداخل والخارج، يشمل مختلف الفنون الحية وإعطاء فرصة حقيقية للمشاريع الجادة ذات الصبغة الثقافية المميزة التي تحترم الذائقة التونسية، وكذلك العمل على خلق حركة ثقافية على مدار السنة.

"الإنسان التونسي تائه حائر ولكن رغم الألم هنالك قليل من البهجة، وعلينا أن نعيش ونفرح ونحب، نحن نصل حافة الهاوية ولكننا لا نسقط"

وفي هذا يقول “في إطار انفتاح المركز وخلق دينامية في الحمامات دعونا شبكة الجمعيات في المدينة والتي تظم جمعيات متنوعة للمشاركة في وضع رؤية واضحة ودقيقة ومن ثمة أسسنا أكاديمية المتوسط للثقافة والفنون لإعادة هيكلة نشاط المركز والتوسع أكثر على ثقافات المتوسط والعالم وتطوير المشاريع الفنية من خلال الإقامات الفنية ووضعنا محاور هامة للاشتغال عليها لبلوغ الهدف وتحقيق النجاعة. ومن بين هذه المحاور الكبرى نذكر مثلا إرساء السياسة الثقافية التشاركية من خلال حدائق الفنون وتكوين الفاعلين الثقافيين في إدارة المهرجانات والحوكمة والتكوين في المهن والصناعات الثقافية إضافة إلى العمل على جعل الحمامات وجهة دولية للإقامات الفنية وإعطاء مكانة هامة للدبلوماسية الفنية والثقافية”.

ويتابع مرابط ” تراكم تجاربي السابقة ومواكبتي لما يحدث في البلاد وفي العالم يجعلني أرسم رؤية ثقافية فنية إبداعية منفتحة وجدية ضمن مشروع حقيقي وفعلي يستمر طوال السنة، فوضعنا برمجة فصلية ومنذ أكتوبر 2016 نظمنا الملتقى المتوسطي للفن المعاصر في دورته الأولى لتليها دورة ثانية في أبريل 2017 حيث لقي صدى كبيرا من حيث عدد المشاركين، وحضرت مجموعة من أهم الأسماء في العالم مثلا يوشين أوغاتا من اليابان ويانغ يو من الصين وكارلوس يونج من المكسيك وعبدالعزيز كريد ومحمد بوعزيز من تونس وأنتجت المجموعة 12 منحوتة.

كما تم تنظيم تظاهرة في فن الأوبيرا بدار سيباستيان ومهرجان البيانو من 01 إلى 07 يوليو 2017 وسنقدم مهرجان “الموسيقى اليوم” من 05 إلى 12 سبتمبر 2017 ومهرجان السينما المتوسطية في شهر نوفمبر المقبل إضافة إلى إقامة دورات تكوينية في فن الممثل والكتابات الدرامية واحتضان مشاريع فنية”.

كما يلفت مرابط إلى أن الأكاديمية وضعت برنامج تكوين في إدارة المشاريع الفنية الثقافية انطلق في مايو 2017 ويختتم في مايو 2018، للعمل على تهيئة مكتبة مختصة في مجال الفنون والثقافة ستنفّذ في 2018، حيث تحظى المعارض الخاصة بالفن التشكيلي بقيمة كبرى من خلال إقامة معارض طيلة السنة تختتم بمعرض ضخم “معرض طريق الحرير” ويضم إنتاجات لبلدان طريق الحرير.

ويضيف قائلا “كما أننا لم ننس الأطفال كقاعدة أساسية لبناء مجتمع مثقف ومتوازن حيث أسسنا داخل الأكاديمية ‘سكول آرت’ وهي عبارة عن مسار تحسيسي للأطفال في التربية الفنية واكتشاف مواهبهم وتطويرها هذا إلى جانب المختبر الإبداعي وهو موجه للفنانين الشباب من مختلف جهات الوطن لتبنّي مشاريعهم ودعمهم لإنجازها”. إن فكرة الأكاديمية، كما يقول ضيفنا، “هي أن تكون بيت خبرة للفنون وتطوير الأفكار والرؤى الثقافية بتونس″.

يؤكد مرابط بأن “المركز في حاجة لتطوير بنيته التحتية ومن هنا تم الانطلاق في صيانة دار سيباستيان التي تعد معلما تاريخيا يعود لسنة 1927 لصاحبها جورج سيباستيان أحد الأثرياء الأميركيين وهو من أصل روماني، ثم تحولت في مطلع الستينات من القرن العشرين إلى ملكية الدولة التونسية وبني بها مسرح الهواء الطلق سنة 1964 لذلك من واجبنا الحفاظ عليه وصيانته واستغلاله بكل جزئياته الاستغلال الأمثل. كما نطمح إلى إنجاز قاعة عروض مغطاة لضمان تقديم العروض الفنية طيلة السنة وجعل الحمامات عاصمة ثقافية دائمة تشع على بلدان المتوسط والعالم وتكون متجذرة في محيطها”.

علينا اليوم إعادة الثقافة إلى مكانتها ودورها المهم ولا بد قبل تأمين الاقتصاد من تأمين العقول والفكر والثقافة والفن

إضافة إلى كل هذه الإنجازات والمشاريع الفنية يقول مرابط “أنشأنا برنامجا جديدا هو ‘برنامج موجة’ ويهتم بتقديم عروض بالمناطق المهمشة بمدينة الحمامات إضافة إلى دعم مهرجان مدينة قربة الوطني لمسرح الهواة بمجموعة من العروض الفنية ووضع خيمة فنية خاصة بالأطفال تقدم لهم أنشطة فنية متنوعة وعروض بمركز الاصطياف بالحمامات موجهة للأطفال فاقدي السند وتشريك معهد الفنون الجميلة بنابل في برمجتنا الفنية”.

قطب ثقافي

يقودنا حديثنا مع المرابط لسؤاله عن برمجة الدورة الـ53 لمهرجان الحمامات الدولي ليقول “اشتغلنا هذه السنة على المدينة المهرجان بصبغة دولية وعالمية شبيهة بمهرجان أفنيون أي كيف تتحول المدينة إلى قطب ثقافي نوعي ومختلف لذلك كانت البرمجة هذه السنة ثقافية بامتياز، وعملنا في وضعها على التجارب الفنية الجديدة في تونس وفي العالم وانطلقت البرمجة بعرض ‘ثلاثون سنة مرت’ لتوفيق الجبالي والاختتام من تقديم أنور براهم.

وما بين الافتتاح والاختتام هنالك عروض متنوعة وهامة من بينها عرض الموسيقي الشعبية ‘حلفاوين الشعبية’ لنضال اليحياوي وعرض لدياغو السيغالا وآخر لبيث هارت وعرض بابيلون وآخر لتامر أبوغزالة ودينا الوديدي المجموعة المالية تيناريوين والفنان الكاميروني ريشارد بون وكذلك االمجموعة اللبنانية ‘بار فاروق’ هذا إلى جانب عرض الفنان المصري محمد منير وجادو فايز وعالى فايز وتيتي روبن. كما أقيمت فعاليات خارج الأسوار بالبرج الأثري بالحمامات من 8 إلى 14 يوليو 2017، أما فعاليات عروض دار سيباستيان فهي تتضمن ليلة الكمان وليلة المسرح وليلة الرقص إضافة إلى عروض أخرى”.

وفي الختام يقول معز مرابط “علينا اليوم إعادة الثقافة إلى مكانتها ودورها المهم ولا بد قبل تأمين الاقتصاد من تأمين العقول والفكر والثقافة والفن. فتونس بلد ثري بشعبه ومخزونه التراثي والثقافي والفني والفكري وله عمق تاريخي وعلينا المحافظة عليه، وعلينا تشجيع الطاقات الكبرى في المجال الفني التي تزخر بها تونس واستغلالها وتوظيفها كما يجب حتى تصل ثقافتنا إلى العالم لأن الشعوب تقاس مكانتها وقيمتها بثقافتها، فكل شيء ينتهي وتبقى الثقافة قائمة”.

ويختم معز مرابط حديثه قائلا “الإنسان التونسي تائه حائر ولكن رغم الألم هنالك قليل من البهجة، وعلينا أن نعيش ونفرح ونحب، نحن نصل حافة الهاوية ولكننا لا نسقط”.

كاتب مسرحي من تونس

16