معركة كروية ومعادلات سياسية

فاز الفريق المغربي على الفريقين البرتغالي والإسباني. الدلالة السياسية لم تغب عما حدث. لقد انتصرنا أخيرا. لم نكن مهزومين دائما. غير أن الانتصار الكروي له طعم آخر. من غير دماء ستكون ساحة المعركة قابلة للوصف الجميل. ولكن نصرا مغربيا على فرنسا ولو على صعيد الكرة سيكون نكسة للغرب. سيكون الفضاء المغربي عالميا أكثر مما تسمح به الكرة. من المبكر إعادة التفكير في مصطلح العالم الثالث. هناك عالم كروي جديد يظهر على هامش حرب عالمية ثالثة صارت تهدد بها أطراف متناحرة وهي في الوقت نفسه تخشى أن تقع تلك الحرب عن طريق الخطأ.
بوتين لا يلعب كرة القدم ولا خصمه الصغير زيلينسكي. ولكن روسيا وأوكرانيا لم تشاركا في المونديال. خسرا الفرصة في قطر وربحاها على الحدود بينهما. إنهما يتبادلان القذائف الساخنة من غير أن يلتفتا إلى الكرة الباردة التي أبكت رونالدو وجعلت ميسي يندب حظه. كانت هناك فرص لالتقاط صور تذكارية مع النجمين المحبوبين. ولكن تلك الصور لن تكتب تاريخا. صور زيلينسكي بالقميص الأخضر لن تكتب تاريخا هي الأخرى. سيمشي العالم في اتجاهات مختلفة. الجزء الأكبر لن يصل إلى الهدف. المغاربة جاؤوا من طريق لم يكتشفها أحد. لذلك سيكون الحدث صادما حتى ولو لم يفز الفريق المغربي على الفريق الفرنسي، فمجرد اللقاء به في منافسات الربع الأخير لكأس العالم هو حدث عظيم.
ما لم نكن نتوقعه صرنا اليوم نبحث في تفاصيله.
◙ اللقاء مع المغرب كرويا هو بالنسبة إلى الفرنسيين فخ من نوع مختلف. مجرد التفكير في خسارة تلك المباراة هو أمر يدعو إلى الذعر. وضع الفرنسيون أيديهم على قلوبهم منذ أن خرج المغرب منتصرا من مباراة البرتغال
هل نحن اليوم في اليوم المغربي الأخير؟
الفرنسيون خائفون. لقد تغير العالم بطريقة غير محسوبة. ليست كرة القدم لعبة عقول. بل هي لعبة أقدام. ذلك ليس صحيحا تماما. هل الحرب لعبة عقول؟ يقف الفرنسيون في صدارة المدافعين عن استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا. سيكون من غير الإنصاف تسميتها بـ”الحرب الأوكرانية” بالنسبة إلى الأوروبيين الذين صاروا يدفعون أثمانا غير متوقعة بالرغم من أنهم مظهريا لن يكونوا مستفيدين من توريط روسيا في حرب فائضة.
سيكون مرهقا لفرنسا أن تخسر المعركة الكروية ضد المغرب. لذلك لم يفرحها الفوز على الجارة إنجلترا. لو لم يكن هناك اللقاء المرتقب مع المغرب لتحولت باريس إلى حفلة عرس بعد مباراة الفريقين الفرنسي والإنجليزي.
لقد مضى الزمن الأوروبي.
فعلتها أوروبا بنفسها حين قررت أن تكون طرفا في الحرب وليس في السلم. أليس في ذلك ما يُفرح الولايات المتحدة البعيدة عن كل ضرر يمكن أن تسببه الحرب؟
سيكون علينا أن نفكر في عالم كروي جديد. بلغة السياسة هو نظام عالمي جديد أيضا. ولكن أوروبا قررت أن تفقد قيمتها في ذلك النظام السياسي عندما قررت أن تنفذ الأجندة الأميركية. ذلك وضع استثنائي سيعاني منه الأوروبيون كثيرا.
◙ سيكون مرهقا لفرنسا أن تخسر المعركة الكروية ضد المغرب. لذلك لم يفرحها الفوز على الجارة إنجلترا. لو لم يكن هناك اللقاء المرتقب مع المغرب لتحولت باريس إلى حفلة عرس بعد مباراة الفريقين الفرنسي والإنجليزي
بالرغم من ثرائها فإن أوروبا تتعرض لعملية استنزاف طويلة الأمد. ما كان يجب على الولايات المتحدة صارت أوروبا تدفعه بدلا منها. تلك قسمة غير عادلة. لم تكن أوروبا منصفة مع نفسها حين قررت أن لا تكون وسيطا نزيها بين روسا وأوكرانيا. هل علينا أن نسميها مشكلة تاريخية مع روسيا؟ ولكن أوروبا لا تتعكز على التاريخ في تفسير الحاضر. هناك ثقة مطلقة بمستقبل الإنسان. كما أن أوروبا تملك آفاقا أخلاقية لا تملكها الولايات المتحدة. ما الذي جرى لكي تسقط أوروبا في الفخ؟
اللقاء مع المغرب كرويا هو بالنسبة إلى الفرنسيين فخ من نوع مختلف. مجرد التفكير في خسارة تلك المباراة هو أمر يدعو إلى الذعر. وضع الفرنسيون أيديهم على قلوبهم منذ أن خرج المغرب منتصرا من مباراة البرتغال. قبلها كان هناك انتصار تاريخي للمغرب على إسبانيا. ألا يكفي ذلك سببا للشعور بالغضب؟
صار على الأوروبيين أن يستوعبوا الدروس، واحدا تلو الآخر. لقد أخطأوا يوم احتاجت أوكرانيا إلى نصيحة صادقة وليست مخاتلة. كان عليهم أن ينأوا بأنفسهم بعيدا عن زيلينسكي وشعاراته القومية ويحتضنوا أوكرانيا بدلا من الزج بها في حرب ستعيد أوروبا إلى الوراء. لا نفع من استعادة أجواء الحرب الباردة.
الفوز سيجعل المغاربة يفكرون بطريقة مختلفة.
ذلك ما لم يكن أحد يتوقعه من كرة القدم. أن تلعب مثلما تعمل وأن تعمل مثلما تلعب. بينهما أن تفكر باعتبارك لاعبا وعاملا في الوقت نفسه. تلك هي معادلات سياسية مكتسبة من عالم كرة القدم.