معرض بالم بيتش يسلط الضوء على الظلام الذي يحيط بنا

اليوم وأكثر من أي وقت مضى بات الفنانون على اختلاف اشتغالاتهم مطالبين لا بحماية الإنسان وذاكرته وحرمته فحسب، بل أيضا حماية البيئة التي ما انفكت تتدهور، وحماية الحياة ككل من خلال خلق وعي أكثر عمقا لدى المتلقي، وهذا محور رسالة معرض بالم بيتش للفن الحديث والمعاصر.
شهد مركز مؤتمرات مقاطعة بالم بيتش في ولاية فلوريدا الأميركية افتتاح الدورة الثامنة لمعرض بالم بيتش للفن الحديث والمعاصر (PBM+C) 2025. وقد شارك الشاعر والفوتوغرافي السوري أسامة إسبر في المعرض الضخم الذي يشترك فيه عدد من الفنانين الأميركيين والأوروبيين البارزين، وترعاه صالة هيلتون للفن المعاصر في شيكاغو، والتي تمثل أعمال المصور السوري، وينظمه “آرت ميامي”.
وأسامة إسبر شاعر ومترجم سوري مقيم في الولايات المتحدة الأميركية وسبق له أن أقام معرضه الفردي الأول في صالة هلتون للفن المعاصر في شيكاغو في الثاني والعشرين من أغسطس 2022 وقد لاقى المعرض نجاحا لافتا. كما شارك الفنان في عدد من المعارض الفنية المشتركة في الولايات المتحدة وكان من أهمها معرض بالم سبرينغ في كاليفورنيا مع نخبة من المصورين الفوتوغرافيين الأميركيين.
لعبة الانعكاسات
يقول إسبر إن معرض بالم بيتش الفني يعد المعرض الشتوي الأبرز والأرقى في جنوب فلوريدا، خلال ذروة الموسم، وهو الحدث الوحيد الذي لا يفوته جميع هواة جمع الأعمال الفنية، وأمناء المتاحف، ومديري المتاحف، ومصممي الديكور الداخلي، حيث يتيح نظرة مقربة على أهم الأعمال الفنية المتاحة للاقتناء، من أبرز عصور الفن المعاصر والحديث والكلاسيكي الحديث، وعصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفن البوب.
ويجمع المعرض، وفق إسبر، مجموعة عالمية مرموقة من المعارض وفنانيها، ليقدمها لجمهور متميز ومتنام من أصحاب الثروات الكبيرة الذين هاجروا جنوبا. ومن جانب آخر يتزامن المعرض مع معرض بالم بيتش الدولي للقوارب، المشهور عالميا، والذي يقع على طول الواجهة البحرية وشارع فلاجلر درايف في وسط مدينة ويست بالم بيتش، فلوريدا. يضم المعرض يخوتا وإكسسوارات بقيمة تزيد عن 1.2 مليار دولار، بما في ذلك مئات القوارب التي تتراوح من القوارب القابلة للنفخ بطول 8 أقدام إلى اليخوت الفاخرة التي يبلغ طولها حوالي 200 قدم.
ويضيف المصور السوري “إن المعرض الذي أقيم في المساحة المخصصة لصالة هلتون للفن المعاصر ضم تجارب مختلفة في التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي والنحت تنوعت بين تصوير الجسد تحت الماء، والتصميم الداخلي للصروح والقصور والقلاع القديمة، وأعمال أخرى تجريبية تستقرئ عالم البحر. وينسجم المعرض مع وضع فلوريدا كمدينة تطل على المحيط بحيث إن المعرض اتخذ في بعض جوانبه المحيط كأفق تعبيري له.”
من بين المشاركين في هذا الحدث كل من بليك وارد، وكارول فيورمان، تيري أونيل، بوكي هاكل وارد، جاني ماركوبولوسو، كريستينا ميترمير ولورنس شيلر، أسامة إسبر. وقد جاءت أعمال هؤلاء الفنانين ضمن سياق فكرة تتبناها الصالة، وهي فكرة عبر عنها الروائي الأميركي جيمس بالدوين بأن الدور الحقيقي للفنان، يكمن في تسليط الضوء على هذا الظلام الذي يحيط بنا، وشق الطرق عبر الغابات الشاسعة، حتى لا نفقد، في كل ما نقوم به، هدف هذا الفنان، وهو، في النهاية جعل العالم مسكنا أكثر إنسانية.
ويوضح إسبر أن أعماله ركزت على فكرة العبور الانعكاسي للجسد في مرايا تأسر أشكاله المتحولة لثوان معدودة كأنفاس الرمال أو المياه. شكل الجسد هنا مبدد يجمع بين التأثيرات التي تحدث في الأشكال المنعكسة والتأثير التأويلي لتلاشي الجسد من شاطئ الحياة، هذا الانعكاس نفسه يكشف تدهور الجسد التدريجي، لكن الصورة تحاول أن توقفه على قدميه قليلا أو أن تسنده كي لا يسقط ويتلاشى. بالتالي هذا يؤكد دور الفن في إدامة اللحظة العابرة وإبقائها حية عبر عملية التلقي والتفاعل مع الصورة.
ويشير إسبر إلى أن بعض أعماله حملت أسماء: طريق الريح، تسلق، حيث تهب الرياح، فضاء آخر، منفى، ولادة، جميعها تستقصي الأجواء البحرية من خلال لعبة الانعكاسات وتموضعها التشكيلي في حيزها، كما أن الأعمال الفوتوغرافية المشاركة تقارب اللوحة وتنفصل عنها، فهي في تلك النقطة التي تتوحد فيها الصورة مع اللوحة مشكلة أفقا جديدا تتقاطع فيه التكنولوجيا مع الخيال فيما تقود عين الفنان العملية الإبداعية في كل تفاصيلها عبر إتقان الأدوات. وهل الفن الفوتوغرافي إلا هذا التوحد الذي يشبه الصلاة أو العبادة بين العين والعدسة، بين الخيال الخلاق وما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا لخدمته؟ يقدم لنا فن الفوتوغراف فسحة أخرى بعيدة عن الصورة في بعدها الوظيفي حيث حين ترى العين الفضاء الفوتوغرافي تسافر في احتمالات جمالية بلا نهاية.
مشاركات مختلفة
يضيف إسبر “على صعيد آخر وفي إطار نشاطات المعرض العام في بالم بيتش تقيم صالة هولدن لونتز معرضا خاصا عند مدخل المعرض للمصور الشهير ديفيد يارو، حيث يعرض سلسلة من صوره التي تجسد جمال الحياة البرية والمناظر الطبيعية ورواية القصص الإنسانية بأسلوب سينمائي واهتمام دقيق بالتفاصيل. تتجاوز أعماله حدود التصوير التقليدي للحياة البرية، مقدمة منظورا فريدا يجمع بين الفن ورواية القصص والحفاظ على البيئة. سيخصص هذا المعرض الخاص لدعم منظمة تاسك، وهي منظمة رائدة في مجال الحفاظ على البيئة بخبرة تمتد لأكثر من 30 عاما، وتطلق مبادرات مبتكرة وفعالة لحماية الحياة البرية في أفريقيا ودعم التنمية المجتمعية المستدامة.”
وتشارك صالة لونغ شارب من إنديانابوليس بمنحوتة ضخمة للفنان جيسون مايرز، ستعرض في الهواء الطلق عند المدخل الشمالي لمركز المؤتمرات. كما تقدم صالة لونغ شارب معرض “الخط”، الذي يستكشف كيفية تتبع تطور الخط من خلال الفن والأزياء والتصميم، باعتباره عنصرا أساسيا في الرسم والتلوين.
كما تنظم صالة أفانت لقاء مفتوحا مع الفنان ماركوس أنزياني (مواليد 1984) وهو فنان ولد في جمهورية الدومينيكان، ونشأ في برونكس، ويعيش ويعمل حاليا في كونيتيكت. تجمع لوحاته بين التجريدية الشعرية والتعبيرية في ضربات لونية كبيرة وإيمائية. وكما يقول الفنان، فإن طاقة اللون المبهرة مقيدة بالسياق والخط. تنبثق من هذه التقنية صور متعددة الألوان للأشخاص والأشياء، منتجة لوحات حيوية تتراقص على القماش.
وهكذا يؤكد معرض بالم بيتش للفن العالمي الحديث والمعاصر من خلال تنوعه ونشاطه السنوي على أهمية الفن التشكيلي والنحت والفوتوغراف وفن الخط في حياتنا ورسالة الفن التي تؤكد على تعميق فسحتنا الإنسانية وكانت المشاركة السورية في هذا الفن دليلا على قدرة الفونوغراف على مخاطبة جمهور عالمي رغم الحواجز الثقافية.