معرض الكاريكاتير الدولي في دمشق يحتفي بنهاد قلعي وفن المونولوج

يتابع فن الكاريكاتير حضوره في سماء الفن السوري، حيث انعقدت الدورة الثامنة عشرة للمعرض الدولي لفن الكاريكاتير في دمشق باسم الفنان السوري نهاد قلعي الذي يعتبر أحد أهم أيقونات الفن السوري المعاصر، حيث احتفى به المعرض بلوحات كاريكاتيرية عرضت بالتوازي مع حفلات موسيقية تستحضر الفلكلور السوري.
انطلقت تجربة المعرض الدولي السوري لفن الكاريكاتير عام 2005 في دمشق على يدي الفنان رائد خليل، وكان هدفه في ذلك الانطلاق بفن الكاريكاتير السوري نحو آفاق عالمية والسير قدما بتجربة هذا الفن الذي عرفته سوريا منذ مراحل مبكرة في الصحافة المحلية الساخرة.
ويتضمن المعرض مسابقة دولية يشارك فيها مئات من الفنانين على مستوى العالم، وكما في كل دورة يحضر أحد الفنانين الكبار في المعرض وتسمى الدورة باسمه، ورأينا سابقا دورة محمد الماغوط ونضال السيجري وممتاز البحرة ونزار قباني، وفي الدورة الثامنة عشرة كانت باسم الفنان نهاد قلعي الذي يكرمه المعرض من خلال حفل فني رافق فعاليات الدورة وكذلك الرسومات التي قدمها الفنانون المشاركون والتي جسد فيها هؤلاء الحالات الكوميدية التي ظهر فيها.
وفي الثاني والعشرين من الشهر الجاري انطلقت أعمال الدورة الثامنة عشرة للمعرض تحت رعاية وزارة الثقافة في سوريا في دار الأسد للثقافة والفنون (أوبرا دمشق) والتي استمرت مدة أربعة أيام.
دورة نهاد قلعي
يعتبر الفنان والكاتب السوري الكبير نهاد قلعي، الذي حملت الدورة الثامنة اسمه، أحد أهم مؤسسي الفن الحديث في سوريا. فهو من أسس المسرح القومي عام 1960، وكذلك صناعة الدراما التلفزيونية والسينمائية فيها، وكرس بكتاباته الدرامية الكوميدية شكلا محببا في الدراما السورية والعربية من خلال مسلسلات شهيرة منها مقالب غوار و”صح النوم”.
وشارك في هذه الدورة 668 فنانا من 73 دولة يعرضون 100 لوحة، وبعد التحكيم وصلت اللجنة إلى إعطاء الجائزة الأولى إلى إحسان شراخي والثانية إلى محمد حسين أكبري من إيران أما الجائزة الثالثة فكانت للفنان داركو من الجبل الأسود ومنحت اللجنة جائزة خاصة لشيماء جمال من مصرو نال الجائزة التشجيعية الفنان السوري محمد العلي.
رائد خليل: نهاد قلعي فتح للجمهور السوري آفاقا فنية كبرى
وقدمت في الحفل دروع تكريمية لكل من الفنانين دريد لحام ورياض مرعشلي وكمال سكيكر وجميل البيطار. وكانت لجنة التحكيم مؤلفة من الفنانين التشكيليين موفق مخول وعبدالله أسعد ورائد خليل وحسن إسماعيل وبشرى الحكيم وسهى غانم.
وتضمن الحفل الفني مجموعة من الفقرات الموسيقية والغنائية والسينمائية. فكانت البداية بفيلم توثيقي تناول توثيق معظم أعماله المتنوعة التي قدمها في حياته الفنية. ثم كان الحفل الموسيقي الذي قدمته أوركسترا قصيد بقيادة المايسترو جميل البيطار ومن تأليف كمال سكيكر مؤسس وقائد الأوركسترا الأساسي.
وكانت البداية مع مجموعة من الأعمال الموسيقية التي قدمت في أعمال نهاد قلعي الدرامية، فحضرت موسيقى “صح النوم” ومقالب غوار و”حمام الهنا” و”دزني” و”يامو” و”فطوم” و”يا لدن” و”لولو لو” وغيرها، كما ظهرت في الحفل من خلال فرقة الكورال شخصيات شعبية ظهرت في أعمال الراحل قلعي سابقا منها “أبوصياح” و”أبوعنتر” و”بدري بيك أبوكلبشة” و”أبورياح” و”غوار الطوشة” والباحثة الاجتماعية (صباح الجزائري).
وقدمت هذه الشخصيات تلوينات غنائية محببة للجمهور بمرافقة فرقة قصيد وكورال الحفل.
فن المونولوج ورياض مرعشلي
كان لحضور فن المونولوج نصيب خاص في البرنامج الموسيقي الذي قدم مع وجود المونولوجست رياض مرعشلي المتخصص في هذا الشكل الفني. والذي قدم في الحفل العديد من الشخصيات الشعبية.
وفن المونولوج الساخر حظي في سوريا بشعبية كبيرة في مرحلة تاريخية سابقة وراج في فترة ثلاثينات القرن العشرين وما بعدها، وهو أسلوب غنائي فردي يقدم انتقادا اجتماعيا أو سياسيا لاذعا في قالب كوميدي غالبا، وحقق شعبية كبيرة إذ كان له رواد كبار، منهم عبدالله المدرس وعلي دياب ورفقي الأفيوني وعبدالوهاب الجراح وكان أشهرهم سلامة الأغواني، الذي قدم الكثير في هذا الفن في عموم سوريا.
كذلك كان للراحل فنان الشعب رفيق سبيعي دور كبير وإسهامات شهيرة في فن المونولوج الساخر، فقدم أعمالا خالدة منها “شرم برم”، “كعب الفنجان”، “الحب تلت ألوان” و”طاسة ترن طاسة” وغيرها.
وقدم الفنان رياض مرعشلي في الحفل استحضارا للعديد من الشخصيات والأعمال منها شخصيات بدري بيك وأبوصياح وأبوعنتر وأبورياح بشكلها الشعبي المحبب سواء من حيث الغناء وكذلك بشكل زيها الشهير. فقدم شخصية بدري بيك أبوكلبشة في المونولوج الشهير “رح يجنوني” ثم قدم مجموعة أعمال للراحل رفيق سبيعي منها “طاسة ترن طاسة” و”وقفنا عالجمعيات” و”الحب تلت ألوان”. ثم قدم مرعشلي بشخصيته الحقيقية أعمالا خاصة به كان منها “صرنا ناس فوق وناس تحت” كما أهدى أغنية خاصة لفنان الكاريكاتير كانت بعنوان “ماشي عكس السير”. وفي آخر مشاركاته في الحفل قدم عددا من الأعمال للشام منها “الشام بالنور بتتوضا”. كذلك قدمت موسيقى آلية تراثية واسكتش “يلا قومو” وقدم الفنان أحمد باكير أغنية “ندمان يا ميمتي” للفنان دريد لحام مع أغنية “لولو لو”.
وفي فكرة مبتكرة قدم مرعشلي الجملة التي وردت على لسان شخصية الصحافي حسني البورطان وهي أهم شخصية قدمها الفنان الراحل. وهي “إذا أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا يجب أن تعرف ماذا في البرازيل”. فظهرت الجملة ملحنة ومغناة من مجموعة الكورال الذي قدم الحفل. كما لحن في أحد الأعمال الموجهة للشام بيتا شعريا لنزار قباني قوله “الفل يبدأ من دمشق بياضه وبعطرها تتطيب الأطياب”.
ويرى رائد خليل مؤسس ومدير المعرض والمسابقة أن “هذه الدورة هي الأكثر تميزا من حيث التحضيرات التي أسست لها إذ استمرت على مدار ستة أشهر، وكانت في معظمها مخصصة لفنان كوميدي أسس للفن السوري وكان أحد أهم الأعمدة فيه. نهاد قلعي فتح للجمهور السوري الأبواب أمام آفاق فنية كبرى، وقدم من خلال أعماله شخصيات فنية كبيرة وتاريخية وتكريمنا له هو واجب أخلاقي قبل أن يكون مهنيا”.
نهاد قلعي هو من أسس المسرح القومي وكرس بكتاباته الدرامية الكوميدية شكلا محببا في الدراما السورية والعربية
أما المونولوجست رياض مرعشلي الذي كان بطل العرض فقال إنه “بحث في تراث الفنان نهاد قلعي عن الثيمة التي يستطيع من خلالها تقديم نموذج محدد للأغنية السورية التي تتميز بنكهة خاصة، حاولت قدر الإمكان في البرنامج تقديم غناء موظف في حالة الدراما”.
وعن ظهور فن المونولوج الساخر في العرض قال “هو معادل لفن الكاريكاتير الذي هو قلب المعرض. فهذا الفن يعتمد على السخرية والانتقاد، وكذلك فن المونولوج الذي يقدم حالات إنسانية بشكل ساخر”.
ومعروف أن فن الكاريكاتير منتشر في سوريا منذ ما يقارب المئة عام، حيث بدأ مع وجود الصحافة في نهايات القرن العشرين، وتخصصت فيه مجلات وصحف، ولاقى انتشارا جماهيريا كبيرا لكنه جوبه بالكثير من الصد من قبل السلطات العثمانية ثم الفرنسية وظهر في مجلات منها حط بالخرج والراوي واسمع وسطح وجحا، وفي عهد الحكم الوطني ازدهر فن الكاريكاتير وحظي باهتمام رسمي وشعبي وصدرت العديد من المجلات والصحف المختصة به منها السهم والخازوق والعفريت والكرباج والمضحك المبكي. ثم فقد فن الكاريكاتير تألقه نتيجة ظروف سياسية ضيقت عليه بدأ من عام 1963 وظهر على فترات طويلة العديد من الفنانين الذي حققوا تطورا فيه، منهم علي فرزات وعبدالهادي الشماع وعبدالله بصمه جي وموفق قات وخالد جلل ورائد خليل، لكن الصحافة المختصة بالكاريكاتير غابت حتى تأسيس صحيفة الدومري بدمشق التي أوقفت بعد فترة غير طويلة من صدورها.