معرض القاهرة للكتاب قبلة الباحثين عن القراءة بأسعار مخفضة

ارتفاع تكاليف الطباعة يزيد مخاوف دور النشر من الكتاب الإلكتروني.
الأربعاء 2024/01/17
الميزانية المحدودة للقارئ لا تخفي حركية المعرض

ينتظر الملايين من المصريين انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يتزامن كل عام مع بدء إجازة نصف العام الدراسي. ويعتبر فرصة للباحثين عن الثقافة والمعرفة وفقًا لما يتماشى مع أوضاعهم المادية الصعبة والارتفاع الكبير في تكاليف الطباعة والنشر، ما يجعل التخفيضات التي تقدمها دور النشر في صدارة مشهد المعرض الذي يرتاده سنويا أكثر من ثلاثة ملايين زائر.

القاهرة - أعلنت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني تفاصيل الدورة الخامسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب خلال الفترة من الرابع والعشرين من يناير الجاري وحتى السادس من فبراير المقبل، وتحمل هذه الدورة عنوان “نصنع المعرفة.. نصون الكلمة”، والذي يعبر عن المكانة الثقافية لمصر في الحضارات القديمة ودورها في تكوين الوعي الإنساني على مر التاريخ.

يشارك في المعرض هذا العام 1200 دار نشر، يمثلون 70 دولة، ويصل عدد العارضين نحو 5 آلاف و250 عارضا، وتأمل القاهرة أن تكون هذه الدورة علامة في تاريخه بعد أن سخرّت الدولة إمكانياتها لنجاحه تقديراً لمكانة الثقافة والكتب.

قبل انطلاق المعرض، انتابت شريحة من الناشرين المصريين مخاوف تكررت في دورات سابقة نتيجة تأثير الأوضاع الاقتصادية على اتجاهات القراء وقراراتهم بشأن اقتناء الكتب، والخوف من عدم تحقيق المعرض العائد المادي المنتظر لأصحاب دور النشر، حيث يعتمدون عليه بشكل كبير لرسم خطط العام الجديد بالنسبة إلى حجم النشر وطباعة الكتب، والخشية من تأثير انصراف قطاعات كانت تولي اهتماماً بالقراءة على حجم المبيعات.

تحقق دور النشر مكاسب جيدة جراء تواجدها في معرض القاهرة للكتاب وغيره من المعارض العربية التي تأخذ في التمدد والانتشار، وتشكل رواجا يظهر بشكل واضح على المنصات الرقمية بسبب عمليات التسويق لعناوين تعبر عن حجم الثقة في الفعالية المصرية التي تجذب زائرين من دول عربية عدة، وهو أمر تصاعد أخيراً مع انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، ما أوجد فرصة لجنسيات مختلفة للتوافد على القاهرة لشراء الكتب بأسعار زهيدة.

طفرات في الأسعار

◙ حركية نشيطة هذا العام
◙ حركية نشيطة هذا العام 

وتقول ميرنا عماد، وهي مسؤولة عن عملية التسويق الرقمي للكتب في دور نشر مختلفة، إن أسعار الكتب هذ العام ارتفعت بصورة غير مسبوقة، وتتراوح الزيادة بين 300 في المئة إلى 400 في المئة بسبب الارتفاع الهائل في تكاليف الطباعة، ما دفع فئات كانت تعول على شراء الكتب وتوظيف التخفيضات التي تقدمها دور النشر لتعيد النظر في اتجاهها، فميزانياتها لن تكفي لاقتناء نصف ما كان يمكن شراؤه سابقا.

وتضيف في تصريح لـ"العرب" أن الكتب والروايات التي يكون عليها الإقبال الأكبر من الجمهور، وتتراوح أسعارها بين 50 جنيها (1.6 سنتا) إلى 70 جنيهاً (دولاران) وصلت الآن إلى 300 جنيه (عشرة دولارات)، فيما وصلت أسعار الكتب التاريخية والمراجع التي يقدم عليها الباحثون والدارسون بصورة كبيرة إلى ألف جنيه (30 دولارا) قد تصل إلى ألفي جنيه (60 دولارا) للمرجع الواحد، وهي أسعار لم يعتد عليها جمهور معرض الكتاب، لكن هذا العام ستكون حاضرة لانخفاض قيمة الجنيه.

وتوقعت ميرنا أن تتأثر المبيعات هذا العام بمعدل الزيادة الذي أخذ في التصاعد لدى المنصات الرقمية التي تتيح الكتب باشتراكات سنوية رمزية، خاصة تطبيق “أبجد” الذي يلجأ إليه بعض المصريين، وبإمكان القراء دفع اشتراك سنوي لا يزيد عن 30 سنتا مقابل توفير عدد هائل من الكتب والمؤلفات الحديثة، فقد أضحت دور النشر أكثر إدركاً لأهمية وجودها على المنصة مع الإقبال الكبير عليها.

قد تختلف سلوكيات القراء هذا العام، لاسيما من المثقفين الذين لديهم اهتمامات باقتناء عدد كبير من الكتب، لأنه بإمكانهم الاطلاع على الكتب الموجودة على التطبيقات واختيار احتياجاتهم من شراء المطبوعة منها، وقد يبحث آخرون عن العناوين غير الموجودة إلكترونيا، في وقت لا تقدم فيه بعض دور النشر على إتاحة جميع عناوينها رقميًا وتترك بعض العناوين ترى أنها سوف تحقق لها مكاسب مع بيعها ورقيًا.

شريف بكر: صناعة النشر تواجه طفرات كبيرة في تكاليف الطباعة
شريف بكر: صناعة النشر تواجه طفرات كبيرة في تكاليف الطباعة

وتشير إحصاءات أعلن عنها اتحاد الناشرين المصريين إلى أن أسعار الكتب ارتفعت العام الماضي أربعة أضعاف، وتبقى أسعار الكتب المطبوعة قديما كما هي، وما تتم طباعته حاليا يزيد بنسبة 20 في المئة عن تكاليف الطباعة العام الماضي، ما أثر سلبًا على إنتاج وطباعة الكتب الجديدة.

يؤكد صاحب ومدير دار العربي للنشر شريف بكر لـ”العرب” أن صناعة النشر تواجه طفرات سريعة وكبيرة في أسعار تكاليف طباعة الكتب عموما، خاصة الكتاب المترجم الذي يحتاج إلى عملات أجنبية للحصول على حقوق الترجمة، بجانب ارتفاع أسعار الورق والطباعة، مع ذلك يعد معرض القاهرة الدولي مناسبة مواتية للحصول على سيولة مالية للإنفاق على المشاريع المستقبلية وجني بعض الأرباح، ما يدفع نحو تقديم أكبر قدر من التخفيضات لجذب القراء.

ويوضح أن ميزانية القارئ لا تزال محدودة، ومع ارتفاع الأسعار يتراجع قيامه باقتناء عدد كبير من الكتب، بما يصل إلى أكثر من النصف أحيانا، وربما يتجه للبحث عن شراء الكتب المقرصنة التي يتم بيعها بأسعار زهيدة، والاتجاه الآن يميل لصالح المنصات الرقمية التي توفر بدائل شرعية، لكنها لا تخدم دور النشر مقارنة بالكتاب المطبوع، فما تحققه دور النشر من مكاسب مع وضع العناوين على بعض المنصات لا يتجاوز 15 في المئة من إجمالي ما يحققه بيع الكتاب المطبوع.

ويلفت شريف بكر في حديثه لـ”العرب” إلى أن فرص الوصول إلى عوائد مادية من خلال التطبيقات الرقمية تتزايد حال كان هناك إقبال على قراءة عنوان أو أكثر، لكن غالبا لا يكون الإقبال لافتا، وما يوجد مخاطرة بشأن تقديم جميع عناوين الكتب التي تقدمها دور النشر، ويبقى الصراع حول من يستحق إتاحته إلكترونيًا والأجدر أن يبقى ورقيًا، ولا تزال دور النشر في مرحلة التجربة التي على أساسها يمكن المفاضلة أو اتخاذ قرار بشأن الكتب الورقية والرقمية.

يتفق أصحاب دور النشر على أن قيمة معرض القاهرة الدولي للكتاب حاضرة في الوجدان العام، وقد تتغير الصورة من عام لآخر، ويظل أحد عناصر الجذب المهمة لشراء الكتب بأسعار مخفضة، ويتصدر اهتمامات دور النشر المصرية التي على الرغم من كثافة تمثيلها في معارض الكتب العربية ترى أن فرصتها أكبر في القاهرة، لعدم وجود أذرع تسويقية تروج للكتب في بعض الدول العربية على مدار العام، بعيداً عن المعارض، بالتالي يبدو الإقبال ضعيفا أثناء تنظيم الفعاليات، علاوة على بيعها في القاهرة بأسعار أقل، وما يساعد على ذلك انخفاض قيمة الجنيه.

يكشف شريف بكر أن بعض المثقفين العرب الذين يتفاعلون مع أصحاب دور النشر المصرية خلال تواجدهم في المعارض العربية قد لا يقبلون على شراء الكتب أثناء عرضها في بلدانهم، ويقررون زيارة القاهرة في الشتاء والتخطيط لزيارة المعرض، مؤكدا أن تراجع قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الكتب في المعارض العربية، انعكس على معرض القاهرة للكتاب، ليجعل هناك فرصة مواتية للسياحة الثقافية وزيارة المعرض.

أدوات تسويقية مبتكرة

◙ المعرض يحتاج إلى رسم صورة ذهنية تجعله أكثر قدرة على جذب ضيوفه
◙ المعرض يحتاج إلى رسم صورة ذهنية تجعله أكثر قدرة على جذب ضيوفه 

يحتاج معرض القاهرة الدولي إلى أدوات تسويقية مبتكرة، ورسم صورة ذهنية تجعله أكثر قدرة على جذب ضيوفه من دول عربية عدة، وإذا كانت المخاوف تساور دور النشر من تراجع القيمة الشرائية لدى المصريين فذلك يمكن تعويضه بالتسويق الجيد وتوظيف الحالة التي يخلقها معرض القاهرة، باعتباره منطقة للترفيه والتسلية لجذب عدد أكبر من الزوار والمثقفين من الدول العربية المختلفة.

وأعلن أحمد بهي الدين العساسي، رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب، الجهة المنظمة والمشرفة على المعرض، أن الدورة الجديدة تقام في 5 صالات عرض على مساحة 80 ألف متر مربع بمركز المعارض الدولية بضاحية التجمع الخامس شرق القاهرة.

وأوضح العساسي أن برنامج المعرض يضم ما يقرب من 550 فعالية، واستحدث محوراً جديداً هذا العام بعنوان (مؤتمر اليوم الواحد)، ويضم 6 مؤتمرات، منها مؤتمر عن تقنيات الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع جامعة مصر المعلوماتية، وآخر عن الترجمة العربية كجسر للحضارة بمشاركة وزارتي الثقافة والأوقاف وعدد من المؤسسات المصرية والعربية، ومؤتمر عن الملكية الفكرية، فضلا عن مؤتمري طه حسين، ونازك الملائكة.

أسامة إبراهيم: انتقال مقر المعرض أضفى روحا جديدة تجذب الجمهور
أسامة إبراهيم: انتقال مقر المعرض أضفى روحا جديدة تجذب الجمهور

ذكر صاحب ومدير دار النخبة العربية أسامة إبراهيم أن انتقال معرض القاهرة للكتاب إلى مقره الحالي في شرق القاهرة أضفى روحا جديدة أسهمت في جذب الجمهور إليه، وأن غياب العشوائية السابقة جعله أكثر قدرة على استقطاب قطاعات من المصريين والعرب، وهي مسألة انعكست إيجاباً على دور النشر التي استفادت من تحقيق العدالة في اختيار أماكن عروضها بعد أن أصبح اختيار الأماكن قائماً على القرعة العلنية.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن المشكلة الضاغطة على دور النشر تتمثل في ارتفاع تكاليف الطباعة وزيادة الأسعار عن العام الماضي بصورة كبيرة، فطن الورق الذي كان سعره العام الماضي 500 دولار بات الآن ألفي دولار، ولذلك فالناشرون أمام تحد لاستمالة المقبلين على القراءة مع ارتفاع التكلفة، وربما تؤثر التخفيضات الكبيرة سلبا على أصحاب دور النشر.

ورأى أسامة إبراهيم أن ما يعوض خسائر الناشرين ويجعل المعرض قبلة بالنسبة إليهم هو كثافة الجمهور الذي يقدم على شراء الكتاب مقارنة بعدد السكان، وإذا كان عدد سكان مصر حوالي 110 مليون مواطن واتخذ 5 في المئة منهم فقط قرار شراء الكتب فذلك يشكل عملية مهمة لدور النشر التي قد لا تجد هذا الإقبال خارج مصر.

ويظل الإقبال في معرض الكتاب لافتا على مكتبات سور الأزبكية الشهير الذي يبيع الكتب بأسعار زهيدة، وتتواجد فيها الكثير من النسخ والكتب النادرة، بجانب الهيئات التابعة لوزارة الثقافة المدعومة، وفي مقدمتها الهيئة العامة للكتاب، وتستحوذ هذه المنافذ على جزء كبير من مبيعات المعرض.

يعد معرض القاهرة للكتاب الأكبر من حيث عدد الزوار، إذ بلغ عدد رواده في الدورة السابقة أكثر من ثلاثة ملايين شخص، قامت ببيع ما يقرب من 500 ألف نسخة. وأعلن اتحاد الناشرين العرب هذا العام عن مبادرة تحمل عنوان "الجميع يقرأ في معرض القاهرة الدولي للكتاب"، تقدم من خلالها تخفيضات تتراوح بين 50 في المئة إلى 80 في المئة على أسعار الكتب التي تقدمها دور النشر التابعة للاتحاد.

12