معارك الإصلاح في البرلمان المصري.. تغيير نحو التقرب من الحكم

الجمعة 2017/03/24
الحنكة في إدارة معارك التغيير تتطلب شجاعة

القاهرة - أصبحت العلاقة بين مجلس النواب المصري وعدد من المؤسسات الرسمية متوترة إلى حد بعيد، بعدما آثر الأول فتح ملفات ظلت مغلقة لعشرات السنين، حيث لم تكن الأوضاع السياسية والاجتماعية تسمح للأنظمة المتلاحقة بالخوض فيها، ما فتح عليه النيران من اتجاهات مختلفة وأصبح محاصرًا بكمّ هائل من الخلافات الهادئة في العلن، والمشتعلة خلف الستار.

وخلال الأيام الأخيرة، دخل البرلمان المصري معارك ضارية مع كل من المؤسسة الدينية والقضائية، على خلفية سعي غالبية نوابه إلى تغيير القوانين التي تأسست عليها هذه الهيئات، سواء الأزهر أو دار الإفتاء أو حتى القضاء، في محاولة لمواءمة هذه القوانين مع العصر الحالي، وفقًا لمتغيرات الوضع في مصر، خاصة وأن غالبية القوانين يصل عمرها لخمسين عامًا وربما أكثر.

ويسعى نواب داخل البرلمان حاليًا إلى تغيير قانون الأزهر، بحيث يتم تحديد فترة لولاية شيخ الأزهر ومن ثم يرحل عن منصبه، مع تغيير طريقة اختيار هيئة كبار العلماء ليضاف إليها علماء من خارج المؤسسات الدينية، وفصل الكليات غير الدينية بالأزهر عنه نهائيًا بما يسمح للأقباط بالالتحاق بها، فضلا عن تغيير هيكل وآلية عمل دار الإفتاء بعدما تراجع دورها خلال السنوات الأخيرة.

وتعدّ المعركة الأشد شراسة هي مع القضاء، حيث يصر البرلمان على مناقشة تعديل اختيار رؤساء الهيئات القضائية بما يتيح لرئيس الجمهورية التدخل في اختيار رئيس كل هيئة من بين ثلاث شخصيات يتم ترشيحهم، بما يهدم العرف القضائي السائد منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، بأن رئيس الهيئة القضائية يكون العضو الأكبر سنًا ويختاره القضاة ويعيّنه رئيس الجمهورية فقط دون تدخل.

ويتوقّع البعض من المراقبين أن يدخل البرلمان معركة جديدة مع الإعلام، من خلال تفعيل التشريعات الصحافية والإعلامية الجديدة، لضبط الأداء الإعلامي وتطبيق قواعد صارمة على العاملين في الصحافة وطريقة تأسيس الصحف والمواقع الإلكترونية ومن المنتظر أن يتسبب التطبيق الحرفي للتشريعات الجديدة في غلق الكثير من المواقع لاشتراط القانون أن يكون الصحافي عضوًا بنقابة الصحافيين أو أن الموقع تابع لمؤسسة صحافية، وهذا غير موجود على أرض الواقع، وغلقها هو ما تتمناه الحكومة تقريبًا.

ويرى متابعون أن معارك البرلمان مع المؤسسات المهمة ومساعيه نحو إعادة تقويم الأمور بداخلها يهدف إلى الإصلاح ورسم طريق جديد لمسارها، غير أنها لا تخلو من أبعاد سياسية خفيّة، إما لإرضاء بعض دوائر الحكم بهدم كل ما هو قديم “مثل قانون الأزهر” وإما لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، على غرار تعديل طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية.

ويقول هؤلاء إن مساعِي البرلمان نحو تغيير الأوضاع القديمة داخل البعض من المؤسسات التي كان غير مسموح بالاقتراب منها، تبدو متوافقة مع جهات لها نفوذ في صناعة القرار المصري، لا سيما وأن أكثرية النواب الداعين لمثل هذا النوع من المعارك أعلنوا مرارًا أنهم بمثابة الظهير السياسي للنظام داخل البرلمان، للحفاظ على الاستقرار والعبور بالبلاد من هذه المرحلة الحرجة، ولم يجر تحجيمهم بأيّ شكل عن مناقشة مثل هذه الملفات أو فتحها تحت قبة البرلمان.

وتبدو معارك مجلس النواب وكأنها تسير وفق خطة وسيناريو محكمين، فقد بدأت أولًا مع رجل الشارع، بالموافقة على خطة الحكومة نحو الإصلاح الاقتصادي، بتحريك أسعار السلع الأساسية، وأهمها مشتقات البترول والأدوية والكهرباء ومياه الشرب، وتعويم الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وكلها أمور كان الخوض فيها ومناقشتها بجرأة والموافقة عليها شبه مستحيل.

وما إن انتهت هذه المعركة مع المواطنين حوّل البرلمان دفّة معاركه إلى المؤسسات، وبدأها مع إقرار قانون بناء الكنائس المعلّق منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث كان الخوض في قضية الكنائس وطرق تأسيسها وتوسعتها أمرًا بالغ الحساسية، إما لتجنب غضب الأقباط ببنود بعينها، وإما لإثارة حفيظة الإسلاميين المتشددين.

وترى البعض من الدوائر السياسية أن مجلس النواب يتحرك في كل معركة يخوضها مع مختلف الجهات والمؤسسات، بالنيابة عن الحكومة أو النظام بشكل عام، لتجنيبه، أو تجنيبهما الحرج في فتح ملفات شائكة بحيث يكون، أو يكونا هما في صدارة المشهد، مستغلًا في ذلك نفوذه التشريعي والرقابي الذي كفله له الدستور، خاصة وأن المعارك إذا جاءت من الحكومة سوف يكون مطعونًا في أهدافها وتوجهاتها.

وقال مصدر برلماني من ائتلاف دعم مصر لـ”العرب” إن دخول مجلس النواب في معارك هنا وهناك مع البعض من المؤسسات، يهدف إلى فتح الملفات المسكوت عنها لسنوات ولم يكن يٌسمح بالاقتراب منها وهذا سبب رئيسي لما يمكن وصفه بـالمعركة.

وأضاف المصدر ذاته “هذه المعارك ليست موجّهة بالمعني الحرفي، لكن أصبح الدخول فيها ملحًا، فالأزهر يتعامل على أنه جهة مقدّسة، ودار الإفتاء كمثل، والقضاء يريد أن يحكم نفسه بشخصيات يختارها بطريقته، وبالتالي فإن إعادة هيكلة الوضع داخل الدولة يتطلب شجاعة استثنائية.

وترى جهات سياسية أن غياب الحكمة لدى بعض النواب وعدم امتلاك آلية معالجة الوضع وتقويم الأمور داخل بعض المؤسسات، قد يقحم البرلمان في صدامات مع جهات ما كان لأحد الاقتراب منها، لأن تغيير أوضاع قائمة منذ سنوات والدخول في مناطق محظورة يتطلب قدرًا من الحرفية التشريعية حتى لا يُفهم ذلك على أنه توجيه من الحكومة للبرلمان ما قد يضعف حجته في عبور المعركة بنجاح.

كاتب مصري

6