مطالب نسوية مغربية بتوسيع حالات السماح بالإجهاض

مشروع القانون الجنائي الجديد يجرم الإجهاض الطبي في الحالات العادية.
الخميس 2021/12/16
القانون لا يحمي الأطباء الذين يقومون بالإجهاض السري

طالبت أعداد من الجمعيات النسوية في المغرب بتوسيع حالات السماح بالإجهاض ضمن مشروع القانون الجنائي الجديد، بما يعزز حقوق النساء في الصحة الإنجابية. ويفتح مشروع القانون الباب أمام إمكانية اللجوء إلى الإجهاض في حالة ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية غير قابلة للعلاج. وأبقت التعديلات الواردة على المقتضيات المتعلقة بالإجهاض في المشروع الجديد على المبدأ العام المتمثل في تجريم الإجهاض الطبي، واكتفت بالتنصيص على استثناءات جديدة قليلة.

الرباط ـ قررت الحكومة المغربية سحب القانون الجنائي من البرلمان لأجل إدخال تعديلات على بعض مقتضياته، ما جعل الجمعيات النسائية تغتنم الفرصة لإعادة مطالبها بتوسيع حالات السماح بالإجهاض، على اعتبار أنها قليلة ولا تعكس واقع مجموع الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى الإجهاض.

 ويشترط مشروع القانون الجنائي أن يقوم بالإجهاض طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك. كما أن العملية تتم قبل اليوم التسعين من الحمل، وبخصوص السماح بالإجهاض في حالة إصابة الحامل بخلل عقلي، فإن المشروع نص على تحديد لائحة الأمراض العقلية بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالصحة.

وأكدت نورة المنعم، العضو بفيدرالية رابطة حقوق النساء، في تصريح لـ”العرب”، أن الفيدرالية طالبت سابقا بالقيام بمراجعة جذرية لقانون المسطرة الجنائية قصد مواءمته مع المواثيق الدولية والدستور والتزامات الدولة وخياراتها، وخصوصا محاربة العنف القائم على النوع بلا هوادة وفق استراتيجية جنائية متكاملة، استباقية وحمائية، ردعية ووقائية ومنصفة.

وفتح مشروع القانون الباب أمام إمكانية اللجوء إلى الإجهاض في حالة ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، بواسطة شهادة طبية تسلمها لجنة طبية يعينها وزير الصحة بكل جهة من الجهات، على أن يتم ذلك قبل مرور 120 يوما على الحمل، وسيتم تحديد لائحة الأمراض الجينية الحادة أو التشوهات الخلقية الخطيرة غير القابلة للعلاج وقت التشخيص بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالصحة.

نورة المنعم: وجوب القيام بمراجعة جذرية لقانون المسطرة الجنائية

ولفتت المنعم إلى أن الفيدرالية تلاحظ أن التعديلات الواردة على المقتضيات المتعلقة بالإجهاض في المشروع الجديد أبقت على المبدأ العام المتمثل في تجريم الإجهاض الطبي، واكتفت بالتنصيص على استثناءات جديدة تسمح به وفق إجراءات مسطرية معينة.

ومن المنتظر أن يخضع مشروع القانون الجنائي لبعض التعديلات، قبل إحالته من جديد لدراسته والمصادقة عليه، من طرف البرلمان، ويتضمن المشروع مجموعة من المواد منها المتعلقة بالإجهاض.

ودعت “الشبكة الخاصة بحق المرأة وتمكينها من الوصول إلى الإجهاض الآمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في تقرير جديد، إلى تقنين الإجهاض الآمن في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتمهيد الطريق للمزيد من الأطر القانونية والصحية الملائمة لضمان حصول كل امرأة على خدمات الإجهاض الآمن، في إطار خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.

ويجرم القانون الجنائي المغربي الإجهاض العادي والإجهاض المرفق بظروف التشديد، وتتراوح عقوبته بين 6 أشهر و5 سنوات سجنا، وأيضا معاقبة التحريض على الإجهاض بالخطب وبالدعاية له أو بتقديم أو ترويج المطبوعات أو الشعارات أو الصور.

ولا تقتصر العقوبة في القانون الجنائي فقط على المرأة التي أجهضت، بل يعاقب أيضا الأطباء والصيادلة والممرضين، ومن في حكمهم الذين يرشدون إلى وسائل الإجهاض، أو ينصحون باستعمالها، أو يباشرونها.

وقالت المنعم إن مشروع قانون 16.10 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، عوض الانطلاق من معالجة موضوع الإجهاض من زاوية حماية الحقوق والحريات الفردية والحقوق الإنسانية للنساء، واعتماد مقاربة النوع للتعامل مع إشكالية الإيقاف الطبي للحمل غير المرغوب فيه، باعتباره حادثة تستدعي المعالجة الطبية (لأن الإجهاض ليس وسيلة لمنع الحمل)، مع احترام مدة الحمل المتعارف عليها دوليا، سلك اتجاه الوصاية على النساء وعلى التقرير في الحالات التي يسمح بها الإجهاض الطبي مع نوع من اللبس.

وتابعت “هذا المسلك فتح باب الحفاظ على التجريم بحصر مفهوم الصحة في ما هو بدني ( كأن المرأة جسد أو “وعاء” مفصول عن الذات وعن المحيط)، وفي تنكر تام للمرجعية الدولية لمفهوم الصحة المحدد من طرف منظمة الصحة العالمية، والذي يتضمن الصحة البدنية والنفسية و الاجتماعية للمرأة.

وتؤكد فيدرالية رابطة حقوق النساء أن معالجة قضية الإجهاض السري، لا يمكن أن تخرج عن دائرة مقاربة النوع الاجتماعي ومحاربة العنف المبني على النوع، في استحضار لكرامة المرأة وإرادتها واستقلالها وإنسانيتها ككيان قائم وليس كأداة للإنجاب، مثلما أن أي معالجة لن تروم النجاعة إلا بالتجاوب مع إشكالات المجتمع بشجاعة وليس بالتغاضي عنها.

وأكدت “الشبكة الخاصة بحق المرأة وتمكينها من الوصول إلى الإجهاض الآمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أن القوانين التي ترسخ ضعف مكانة المرأة مقارنة بالرجل وتتدخل في وصول المرأة إلى الخدمات الصحية، تمثل خطرا حقيقيا على كل المجهودات الهادفة إلى تحسين صحة المرأة.

وأشارت المنعم إلى أن فيدرالية رابطة حقوق النساء ظلت تتابع بانشغال عميق ملف الإجهاض من منطلق وعيها بخطورة تجريم الإجهاض الطبي، وآثاره الوخيمة على صحة المرأة والطفل والمعاناة والمآسي الاجتماعية المزدوجة التي تنتجها.

Thumbnail

وأكدت أن منظمات نسائية أخرى لا توافق على المس بما تم الوصول إليه في هذا المجال، لأنه كان نتاجا لحوارات ومشاورات واسعة وطويلة.

كما دعا المجلس العلمي الأعلى بالمغرب (أعلى هيئة دينية) إلى عدم تعديل مشروع القانون الجنائي الخاصة بـالإجهاض، إلا بقدر ما تستدعيه المصلحة ويسمح به الاجتهاد، وأنه يمكن لكل جهة مخولة أن تعيد رأيها في الموضوع بالطابع الذي يخوله القانون.

وسجل تقرير جديد أعدته “الشبكة الخاصة بحق المرأة وتمكينها من الوصول إلى الإجهاض الآمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أنه “يصعب الوصول إلى الإجهاض الآمن في المنطقة بشكل عام، كما أصبح ذلك أكثر صعوبة مع تفشي الجائحة ونقص اللوازم الضرورية للإجهاض الآمن في بعض الأحيان”.

وقالت الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري إن المغرب يعرف أكثر من 800 حالة إجهاض في اليوم الواحد، 200 من الحالات تتم بطرق عشوائية، واصفة هذه الأرقام بالمخيفة، وترى الجمعية أن وزارة العدل اقتصرت فقط على تعديل المادة 446 من القانون الجنائي والمقدمة في مشروع القانون 13 – 103 في شقه المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء.

وحسب ذات الجمعية يهدف تنظيم الإيقاف الطبي للحمل، إلى حماية المرأة الحامل ومن خلالها الأسرة ووضعهما في جوهر المنظومة القانونية المنظمة للصحة، في استحضار تام للتحولات العلمية التي يشهدها المجال الطبي، ولتطلعات المهنيين والقوى الحية المناضلة والملتزمة بالقضايا العادلة والمنصفة للمجتمع.

وتشير إحصائيات قدمتها جمعيات نسوية إلى أن  نحو 153 طفلا يولدون يوميا خارج إطار الزواج، وأنّ 30 ألفا من الأمهات العازبات ينجبن سنويا خارج إطار الزواج في المغرب، 10 في المئة منهنّ في الدار البيضاء.

وتطالب الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، بالحدّ من المضاعفات الخطيرة للإجهاض السريّ الذي يُجرى في عيادات خاصة وفي ظروف غير آمنة، ويقول مختصون إنّ الأخطار التي تتعرض لها النسوة الراغبات في الإجهاض تتمثل في أماكن العمليات غير المعقّمة ومن دون مخدر ومن قبل أطباء غير متخصصين، إضافة إلى عمليات الإجهاض التقليدية وبأدوات حادة أو تناول أعشاب خاصة.

وخلصت المنعم في تصريح إلى أن أي معالجة لقضية الإجهاض لا مناص لها، لكي تنفذ إلى عمق الظاهرة بشكل شمولي، من الاندراج في إطار إحقاق الحقوق الإنسانية للنساء ومحاربة كافة أشكال العنف والحيف المسلط عليهن، بما في ذلك عنف وإكراه وإجبار المقتضيات القانونية أحيانا، بما يضمن كرامتهن وحق المرأة وحريتها في شخصها وقرارها وخيارها واستعدادها للحمل والأمومة من عدمه، في استحضار وتناغم مع التزامات المغرب الدولية في ذات السياق وتجسيدا للمبادئ المقررة دستوريا.

17