مطالب بالتنصيص في مدونة الأسرة على حق الأطفال لأمهات عازبات في النسب

أثار إقصاء الأمهات العازبات وأطفالهن من مدونة الأسرة جدلا في المغرب، فبينما رفض المجلس العلمي الأعلى الإجراء المتمثل في الفحص الجيني لإثبات نسب الأطفال المولودين خارج إطار الزواج باعتباره يؤسس لأسر بديلة، دعت مؤسسات حقوقية إلى اعتماد هذا الإجراء لأنه يعطي للطفل الحق في الحصول على هوية ونسب ويقضي على التمييز الذي تتعرض له الأمهات العازبات.
الرباط - ولد رفض المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة دينية حكومية) مقترح استخدام فحص الحمض النووي، لإثبات نسب الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج في المغرب، اختلافا في وجهات النظر، بين من اعتبر أن القرار يعكس تشبثا بمبادئ الشريعة الإسلامية وإطار الزواج الشرعي كأساس لضمان النسب، وبين من رأى في القرار تجاهلا للتطورات العلمية الحديثة والفعالة، حيث يطالب الائتلاف الجمعوي للدفاع عن حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن، في بلاغ له، بالتنصيص بشكل واضح في مدونة الأسرة على حق الطفل المولود خارج مؤسسة الزواج في الهوية والنسب لوالده البيولوجي، واعتماد الفحص الجيني كوسيلة إلزامية ومجانية للحسم في تأكيد ذلك.
ويدافع الائتلاف عن حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن كمكوّنات أسرية قائمة الذات، منتقدا إقصاء هذه الفئة كأسر معتبرا ذلك يتعارض مع المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل، مركزا على رفضه استبعاد الفحص الجيني كدليل على إثبات النسب، معتبرًا ذلك تراجعًا عن ضمان المصلحة الفضلى للأطفال، التي ينص عليها الدستور المغربي.
وكان المجلس العلمي الأعلى الذي يضم علماء المغرب، قد رفض مقترح اعتماد تحليل الحمض النووي لإثبات نسب الأبناء الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج، والذي كان من بين المقترحات التي كانت محل نقاش مستفيض وحاد لكنها لم تقبل. لكن وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، أوضح في وقت لاحق أن القانون المرتقب سيتيح استخدام فحص الـ”دي إن ايه” لتحديد المسؤول عن الحمل وفرض النفقة عليه، الهدف من الإجراء وفق المسؤول الحكومي ضمان حقوق الأمهات والأطفال في حالات مثل هذه.
وطالبت بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي والمساواة، في تصريح لـ”العرب”، بإعادة النظر في المقترح الذي رفضه المجلس العلمي الأعلى، والذي يتعلق باستخدام الفحص الجيني لإثبات النسب، أي إثبات نسب الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج، في أقرب الآجال، معتبرة ذلك أمرا ضروريا، ويخدم مستقبل أسرة منسجمة ومتماسكة بكل مكوناتها، وذلك لن يتحقق إلا بتمتع كل أفرادها بكافة حقوقهم.
ومن الناحية الشرعية، كان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، واضحا عندما قال إن رفض لجنة الإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى إجراء فحص الحمض النووي لإثبات نسب الأبناء خارج الزواج لمخالفته الشرع ودرءا لنشوء أسر بديلة، غير الأسر السائدة بالمجتمع المغربي. واستدرك وزير الأوقاف قائلا إن “هناك ثلاث مسائل أعطت اللجنة حلولا بديلة عنها توافق الشرع وتحقق المطلوب، ومن الأفضل الأخذ بها، ويتعلق الأمر بنسب الولد خارج الزواج، أي تحميل الأب مثل الأم المسؤولية عن حاجيات الولد دون إثبات النسب، لأن ثبوت النسب يخالف الشرع والدستور ويؤدي إلى هدم مؤسسة الأسرة وخلق أسر بديلة.”
وبصفته عضوا بالمجلس العلمي الأعلى، أبرز الوزير إمكان موافقة البعض الآخر من الحلول لمقتضى الشريعة، مبينا أن ثلاثا منها تتعلق بنصوص قطعية لا تُجيز الاجتهاد فيها، وهي المرتبطة بـ”استعمال الفحص الجيني لإثبات النسب.
كما اعتبر عضو المجلس العلمي الأعلى لحسن السكنفل، في تصريح لـ”العرب”، أن النسب يتم إثباته بالإقرار أو شهادة الشهود في حال انتفاء وثيقة الزواج، وبأن فتح الباب أمام الفحص الطبي، سيتسبب في وجود أنواع من الأسر لا يعترف بها الإسلام، وأن علماء الأمة قديما في بعض الحالات التي فيها شبهة بإلحاق مجهول النسب إلى من كان سببا في وجوده في ظروف يتم تمحيصها حتى لا نقع في إلحاق نسب من كان نتيجة للزنا والبغاء والسفاح.
وطالبت نبيلة منيب، البرلمانية والرئيسة السابقة لحزب الاشتراكي الموحد، بفتح نقاش عميق بين العلماء والفقهاء حول مسألة استخدام الحمض النووي لإثبات النسب، حيث اعتبرت أن رفض المجلس العلمي الأعلى لهذا الأمر يستدعي إجراء نقاشات موسعة لتحقيق مشروع ينصف الأسرة المغربية في مختلف جوانبها، مشيرة إلى الدور البارز الذي لعبته الحركة النسائية في النضال من أجل تعديل قانون الأسرة، مشددة على أهمية ضمان المسؤولية المشتركة بين الزوجين داخل الأسرة.
◙ الائتلاف الجمعوي يدافع عن حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن كمكوّنات أسرية قائمة الذات، منتقدا إقصاءهم
وعلى هذا الأساس جدد الائتلاف مطالبته بضرورة التنصيص على حق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج في الهوية والنسب البيولوجي، واعتماد الفحص الجيني كوسيلة إلزامية ومجانية لهذا الغرض، كما دعا إلى إعادة النظر في مفهوم الأسرة ليشمل الأسر أحادية الوالد، مع توفير حماية قانونية واجتماعية متساوية لجميع الأطفال بغض النظر عن وضعهم العائلي.
وشدد البيان على أهمية حماية الأطفال من الوصم الاجتماعي، وضمان حقوق الأمهات العازبات في الرعاية الصحية والمادية خلال فترة الحمل والولادة، مع تحميل الآباء البيولوجيين مسؤولية هذه التكاليف، داعيا إلى تنظيم لقاءات تواصلية مع الأطفال المتخلّى عنهم والأمهات العازبات، لضمان صياغة قانون عادل وواضح يحقق الكرامة والمساواة لجميع أفراد المجتمع.
وتماشيا مع رأي المجلس الأعلى، أوضح مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي الجهوي لجهة الشرق، أن النسب الشرعي يعتمد على العلاقة الزوجية التي تتم وفق عقد زواج شرعي، وأن أي علاقة خارج هذا الإطار تُعتبر سفاحًا ولا يمكن أن تُبنى عليها حقوق النسب، ولهذا فإن فحص الحمض النووي يثبت فقط العلاقة البيولوجية، لكنه لا يوفر الإطار الشرعي الذي ينظم الأسرة ويمنحها استقرارها الاجتماعي والقانوني.