مصر منفتحة على مطالب الحد من استخدام عقوبة الإعدام لتحسين سجلها الحقوقي

برزت مؤشرات عن استعداد القاهرة لإعادة النظر في استخدام عقوبة الإعدام، بالحد منها وحصرها في القضايا الجنائية الأشد خطورة، فيما بدا رغبة منها في تحسين سجلها الحقوقي مع اقتراب موعد العرض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان.
القاهرة - تصدرت مطالب الحد من استخدام عقوبة الإعدام في مصر نقاشات حقوقية، مع تنظيم ثلاث ورش عمل شارك فيها صندوق الأمم المتحدة لدعم تفعيل توصيات الاستعراض الدوري الشامل المقرر في يناير المقبل أمام مجلس حقوق الإنسان العالمي.
وعقد مجلس حقوق الإنسان الحكومي مؤتمرا حث فيه السلطات المصرية بقصر تطبيق هذه العقوبة على الجرائم الأشد خطورة وفقا للمعايير الدولية.
وشاركت منظمات حقوقية مصرية وعربية في ورشة عمل اختتمت أعمالها، الأحد، نظمها صندوق الأمم المتحدة بالتعاون مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وتبنى المشاركون مقترحات من شأنها تفعيل الالتزام بالحد من عقوبة الإعدام في المنطقة، وقصرها على أشد الجرائم غلظة، ووضع توصيات لتطوير المنظومة العقابية.
وانقسم المشاركون حول الدعوة إلى إلغاء العقوبة بشكل كامل، وجرى تسليط الضوء على بعض التجارب العربية التي علقت العمل بعقوبة الإعدام وفق سياقاتها، والاسترشاد بها في بناء تجارب محلية لكل بلد يتجه إلى الحد الطوعي لتطبيق عقوبة الإعدام وتقليص العمل بها لأقصى حد ممكن، مثل تونس والمغرب والجزائر ولبنان.
وترفض مصر دائما توصيات المجلس الدولي لحقوق الإنسان بشأن إلغاء عقوبة الإعدام، ويبدو الانفتاح نحو الاستماع إلى آراء لتقليص استخدامها خطوة ضمن مساعيها لإقناع المجتمع الدولي بسيرها نحو تحسين سجلها الحقوقي، بما يمكن أن ينعكس في شكل قرارات تساهم في تحسين الخطوات الإجرائية أثناء المحاكمات.
ويأتي ذلك تزامنا مع مناقشة البرلمان إقرار قانون جديد للإجراءات الجنائية، وفتح الباب لتعديل قوانين العقوبات وتصاعد المطالب للحد من استخدام عقوبة الإعدام.
ورغم أن البعض من الحقوقيين لا يعولون على اتخاذ إجراءات مصرية في هذا السياق، إلا أنهم يعتبرون تبني مجلس حقوق الإنسان (حكومي) مطالب الحد من استخدام العقوبة، إلا في حالات أشد الجرائم غلظة، وهو تغير نوعي في تعامل القاهرة مع هذه المطالب التي تواجه بالرفض التام من جانبها.
ويشير ذلك إلى وجود دوائر حكومية تدرك خطورة خفض تصنيف المجلس مؤخراً بما يدفع نحو اتخاذه مواقف أكثر حسما تجاه قضايا حقوقية لا تستجيب لها الحكومة وقد تشكل قضية الإعدام بوابة مهمة لتحسين الصورة الحقوقية بوجه عام.
وأكد رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري أن إلغاء عقوبة الإعدام كانت ضمن التوصيات التي رفضتها القاهرة خلال العرض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان عام 2019، وقبلت وقتها 270 توصية بشكل كامل ورفضت 31 بشكل جزئي، واعتبرت أن هناك 15 توصية خاطئة من وجهة نظرها، إلى جانب رفض توصيتين لا تخضعان لمهام مجلس حقوق الإنسان، وهما: إلغاء عقوبة الإعدام والاعتراف بحقوق المثليين.
مطالب مجلس حقوق الإنسان الدولي لا تلقى صدى واسعا في مصر بعد أن وقف العالم أجمع يتفرج على جرائم إعدام الفلسطينيين بلا قانون
وأضاف نصري في تصريح لـ”العرب” أن الأسابيع التي تسبق انعقاد العرض الدوري الشامل تشهد حراكا حقوقيا بشأن مجموعة من التوصيات، في مقدمتها إلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها تتنافى مع حقوق الإنسان، غير أن الوتيرة ذاتها تخفت بعد الانتهاء من العرض الدوري مع رفض الدولة المصرية للقبول بتوصية إلغائها، وترى بأن هناك دولا تنفذ العقوبة، بينها الولايات المتحدة، وتطبق العقوبة داخل بعض الولايات.
وأشار إلى أن مصر تضع مبرراتها بأن هذا المطلب لا يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحدد التشريع وفقا للدستور، كما أن ثمة جرائم تتفشى في المجتمع في حاجة إلى عقوبة رادعة، مثل القتل العمد والاتجار في المخدرات وجرائم الاغتصاب، وحال إلغاء العقوبة سوف تأخذ في الانتشار على نحو أكبر، ما يجعل التعويل على الاستجابة ضعيفا، وهذا لا ينفي وجود حراك حول التقليل من استخدام العقوبة.
وأصدرت المحاكم المصرية أحكاما بالإعدام على 348 شخصا (بينهم 16 في قضايا سياسية)، وتأييد محاكم النقض لأحكام الإعدام على 27 شخصا (بينهم 3 أشخاص في قضايا سياسية)، ونفذت السلطات أحكام الإعدام على 8 أشخاص في قضايا جنائية خلال العام 2021، وهو رقم صغير مقارنة بتنفيذ الحكم بحق 126 شخصا في العام 2020.
وجاءت أرقام العام الماضي ضئيلة مقارنة بعام 2022، والذي صدرت فيه 538 حكما بالإعدام، قامت السلطات بتنفيذ أحكام 30 شخصا، وفيما يخص إصدار محاكم النقض لأحكام نهائية بالإعدام فقد تم رصد تأييد 39 حكمًا، مقارنة بتأييد 27 حكما العام الماضي.
وأكد عضو اللجنة الدستورية والتشريعية بالبرلمان المصري ضياء الدين داوود أن الحد من استخدام عقوبة الإعدام يتطلب إدخال تعديلات تشريعية على قانون العقوبات، وهو ليس محل نقاش الآن، وتدور النقاشات حاليا حول وضع قانون جديد للإجراءات الجنائية يضمن المزيد من القرارات الإجرائية لعدم التوسع في الإعدام، ويتيح التقاضي لأكثر من درجة بعد أن كانت القضايا الجنائية مرتبطة بدرجة تقاضي واحدة.
وذكر داوود في تصريح لـ”العرب” أن قانون الإجراءات الجنائية يتعلق بكيفية إجراء الأحكام وطرق تنفيذها، وأن المحكمة لديها الحرية في اتخاذ الحكم الصادر سواء أكان بالحبس البسيط أو السجن المشدد أو السجن المؤبد ونهاية بالإعدام، وفقا لتدرج العقوبات المقررة في قانون العقوبات، والتزام الدستور بأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع يجعل من المستحيل إلغاء العقوبة، غير أن التعديلات الحالية على القانون تضع المزيد من الضمانات بالنسبة إلى المتهم كي يضمن أن يكون أمام محاكمة عادلة وبدرجات تقاضي بها فرصة لتخفيف الأحكام، وتتراجع تلقائيا قرارات الإعدام أو تنفيذها.
ولفت إلى أن مطالب مجلس حقوق الإنسان الدولي لا تلقى صدى واسعا في مصر بعد أن وقف العالم أجمع يتفرج على جرائم إعدام الفلسطينيين بلا قانون وعبر استخدام كافة أدوات الإبادة الجماعية، وأن مصر وإن كانت تنفتح على مطالب تقليص استخدام العقوبة لن ترضخ لإلغائها بشكل كامل، وهناك قناعة بأن الغرب عليه أن يصمت في ظل استمرار جرائم إسرائيل حاليا.
وطالبت ورش العمل التي عقدت في مصر مؤخرا بتشجيع السلطة التنفيذية على اتخاذ خطوات جدية نحو تخفيض عقوبة الإعدام على المحكوم عليهم، من المدانين بالجرائم التي لا يتم تنفيذ العقوبة فيها، وتشجيع القيادات السياسية في الدول العربية على المبادرة لتشكيل لجان قانونية تضم الحقوقيين والقضاة والمحامين وأساتذة القانون وعلماء الاجتماع لدراسة الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية القاضي بإلغاء عقوبة الإعدام.