مصر تُوظف العقوبات لإنجاح مسار هيكلة نظام الدعم

الحكومة تختار اللجوء إلى ملاحقة المعتدين على الأراضي الزراعية ومصادرة عقارات المخالفين.
الثلاثاء 2022/02/22
بطاقتك التموينية بها رصيد.. خذ حصتك من الخبز

تتجه مصر إلى تطبيق عقوبة إلغاء كافة أشكال الدعم عن المتورطين في جرائم التعدي على الأراضي الزراعية، في سابقة هي الأولى من نوعها التي تلجأ فيها إلى هذا الخيار الذي ينسجم مع رؤيتها لإعادة هيكلة هذا البند، ودراسة تحويله من العيني إلى النقدي بالنسبة إلى السلع الأساسية وبينها الخبز.

القاهرة – تصاعد الحديث في مصر حول تقليص مخصصات دعم السلع الرئيسية مع بدء استعدادات الحكومة لوضع خطط الموازنة العامة تمهيدا لتمريرها من جانب البرلمان وتطبيقها بشكل فعلي مطلع يوليو المقبل، ما يعني أنها بحاجة لحسم الملف الشائك الأسابيع المقبلة.

وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال اجتماعه الأسبوعي مع أعضاء الحكومة الأربعاء الماضي وجود نية للتعامل بقرارات سريعة لإيقاف ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية بالإزالة الفورية وإلغاء كل صور الدعم لكل متعد، بخلاف القانون الذي يتم إعداده لتجريم هذه المخالفة كجريمة مُخِلة بالشرف.

وتستهدف الحكومة ضرب عدة عصافير بحجر واحد، بعدما وجدت أن قوانين التصالح في مخالفات البناء وقرارات وقف البناء لم تحقق هدفها ما دفعها لتصعيد العقوبة لتصل إلى حد مصادرة العقار المخالف. ولأنها تدرك أنها لن تستطيع تطبيق تلك العقوبة بسهولة، فضلت اللجوء إلى عقوبة اقتصادية واجتماعية كتهديد قبل المصادرة النهائية.

محمد سامي: لا يمكن تعميم استخدام أداة عدالة اجتماعية كعقوبة

وتحدث مدبولي عن وجود تقارير تؤكد عودة بعض التعديات على الأراضي الزراعية رغم أن الدولة نفذت حملات الإزالة واستثمرت في منظومة رصد التغيرات المكانية التي يجب الاستفادة منها للتعامل مع أي مخالفة.

وتريد الحكومة من وراء قرارها وضع مبدأ جديد لم يكن متعارفا عند حكومات سابقة يرتبط بتقديم الدعم المشروط وحرمان المواطنين منه في حالة المخالفات والجرائم ذات الصلة بالتعدي على الممتلكات الحكومية أو الإضرار بها.

وقد اتخذت عدة خطوات لتنقية قوائم المستحقين للدعم في السنوات الأخيرة، ووضعت وزارة التموين عدة معايير تعني عدم أحقية صاحبها في الدعم، مثل تقاضي أكثر من سبعة آلاف جنيه (445 دولارا)، أو دفع فاتورة كهرباء تبدأ من 1200 جنيه (76 دولارا).

وأعلن وزير التموين علي المصيحلي أن تلك المعايير أدت إلى حذف نحو 10 ملايين مواطن غير مستحق للدعم، ما يعني توفير مبالغ مالية طائلة كانت تضيع على الدولة.

ووفق موازنة الدولة للعام المالي الحالي الذي ينتهي أواخر يونيو المقبل، فإن الحكومة خصصت قرابة 88 مليار جنيه (نحو 5.5 مليار دولار) لصالح دعم السلع الغذائية، منها 2.36 مليار دولار لدعم السلع الغذائية والباقي لدعم الخبز.

وتلعب الحكومة على وتر التأييد العام لقرارات وقف البناء على الأراضي الزراعية بعد أن خسرت أكثر من 1.2 مليون فدان منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى العام 2015 بسبب التعديلات.

كما أن لديها قناعة بأن الرأي العام يؤيد لإعادة هيكلة الدعم بشكل عام، ما يجعلها تمضي في ترسيخ مبادئ جديدة تمحو شعار “لا مساس بالدعم” الذي رفعته أنظمة مصرية سابقة.

وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة محمد سامي إن “عمليات التعدي السابقة أمر من المستحيل قبوله أو إيجاد مبررات سياسية له من جانب المعارضة، والعقوبات التي وضعتها الحكومة مع حجم الأخطار التي تسببها جريمة التعدي على المستوى الاقتصادي”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن استخدام إحدى أدوات العدالة الاجتماعية كعقوبة أمر مقبول في حالة التعدي على الأراضي أو الجرائم المرتكبة بحق الخدمات العامة، لكن لا يمكن التعميم، فالتجاوز والخطأ لا بد من الوقوف أمامهما والتعامل معهما بإجراءات قانونية طبيعية.

ويؤكد خبراء أن المخاوف التي تحيط بمسألة رفع أسعار الخبز أو التحول من الدعم العيني إلى النقدي وتقليص فاتورة مخصصاته والاتجاه نحو إرجاء الخطوة في ظل حالة من الغضب المكتوم تدفع للبحث عن وسائل غير مباشرة تحقق الأهداف نفسها التي ترمي إليها الحكومة.

حسن سلامة: استحداث العقوبة يعني أن الدعم لم يعد محصنا كما كان

وكشفت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن البرلمان سيدفع لتأجيل مناقشة رفع أسعار الخبز التي كان من المقرر لها هذا الشهر وأن الارتفاعات المستمرة في أسعار العديد من السلع والخدمات وزيادة معدلات التضخم تجعل ثمة ضرورة سياسية لإرجاء الخطوة.

وتعتقد المصادر أن القرار النهائي ينتظر حسمه من جانب أجهزة تقوم بدراسة مدى تقبل المجتمع للخطوة من عدمه.

وأشار المصيلحي في تصريحات سابقة إلى وجود مسارين للتحول، الأول هو التحول إلى الدعم النقدي المشروط مع تحرير أسعار القمح والدقيق، والثاني رفع سعر رغيف الخبز تدريجيا مع تحديد الفئات الأكثر احتياجا. ولفت إلى موعد تطبيق القرار بقوله إن “الأمور سوف تتضح بصورة أفضل في مارس المقبل، بالتزامن مع وضع الميزانية الجديدة”.

ويتم تبرير تحويل الدعم العيني للخبز إلى نقدي مشروط برفع كفاءة الدعم وترشيده والوصول إلى مستحقيه، بذريعة أن المواطن لا يقدر حجم دعم رغيف “العيش” الذي تقدمه الحكومة له بخمسة قروش.

وتشير التقديرات إلى أن تكلفته الفعلية وصلت إلى 65 قرشا بإجمالي 50 مليار جنيه (3.2 مليار دولار) ويستفيد منه 70 مليون مواطن.

وذكر أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة أن الرسالة التي توجهها الحكومة وراء استحداث العقوبة يتمثل في أن الدعم لم يعد محصنا كما كان.

وأشار لـ”العرب” إلى أن رفعه بشكل كامل على الخدمات المختلفة التي تقدمها الحكومة من صحة وتعليم وماء وكهرباء وسلع وخبز سوف تجري إعادة هيكلته بصورة تختلف عما هو موجود حاليا من دون أن تكون مثل هذه العقوبات هي الأساس في التعامل مع أي جرائم أو تعديات على الممتلكات الحكومية.

وأكد سلامة أن الحكومة تمضي في اتجاه تقليص الدعم إلى الحد الأدنى ولن تستطيع استخدامه كعقوبة لأنها ستكون تخلصت من فاتورتها التي تذهب لغير المستحقين، وفي حال نجحت في إعادة هيكلة الدعم لن تحتاج إلى اللجوء لطرق ملتوية لتقليصه.

ولا يخلو التعامل مع حالات التعدي على الأراضي الزراعية عبر عقوبات عدة من أهداف سياسية لأن تقلص الرقعة الزراعية يجعل القرار رهن قوى خارجية تستورد منها الجزء الأكبر من احتياجاتها الغذائية. ويأتي ذلك بينما تحاول القاهرة تحاشي التأثير على توجهاتها وأن تحقيق الاستقرار الداخلي يبدأ بالتخلص من التبعية للخارج.

11