مصر توظف نزوح السودانيين لفتح ملف الدعم الأوروبي للاجئين

طلب القاهرة المساعدة يتواءم مع تصاعد الأزمة الاقتصادية وزيادة النازحين.
الخميس 2023/05/11
عبء ثقيل على مصر

الأزمة السودانية ونزوح الآلاف من السودانيين إلى مصر دفعا القاهرة إلى كسر الصمت بشأن استضافتها للاجئين من مختلف الجنسيات دون دعم مالي طيلة سنوات.

القاهرة - تخلت مصر عن صمتها بشأن استضافتها أكثر من 9 ملايين لاجئ ومهاجر يقيمون على أراضيها منذ سنوات مع استمرار نزوح عشرات الآلاف من السودانيين الفارين من الصراع الدائر في الخرطوم، وهو ما كان دافعا إلى إطلاق تصريحات عديدة طالبت بشكل مباشر دول الاتحاد الأوروبي بتقديم العون والمساعدة للقاهرة، مع تزايد وتيرة اللجوء العربية الأفريقية إليها مؤخرا.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن بلاده تستضيف على أراضيها عددا كبيرا من الوافدين وتمنحهم الحرية في الإقامة والعمل والحياة وتوفر كل الخدمات لجميع المقيمين بلا تفرقة مع أحد، لكنها لا يمكن أن تتحمل الأعباء دون أن تتحمل أوروبا أيضا مسؤولياتها بما لديها من موارد تفوق الدولة المصرية.

وأوضح خلال حواره مع برنامج “على مسؤوليتي” على فضائية "صدى البلد، مساء الثلاثاء، أن مصر ملتزمة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تقتضي توفير الحماية للاجئين والنازحين نتيجة الصراع العسكري، ولابد أن تلتزم أوروبا بتعهداتها الدولية وإطارها الإنساني بشأن اللاجئين والنازحين".

أيمن نصري: الاستمرار في لعب هذا الدور كلفته باهظة لا يمكن لمصر تحملها
أيمن نصري: الاستمرار في لعب هذا الدور كلفته باهظة لا يمكن لمصر تحملها

عبرت تصريحات شكري عن رغبة مصر في توظيف توافد السودانيين عبر حدودها الجنوبية لأجل الحصول على دعم مادي ولوجستي يساعدها على تقديم الخدمات إلى اللاجئين، ويخفف الضغوط المتصاعدة على اقتصاد يعاني مشكلات جمة. وقد تكون لتوالي عمليات النزوح تأثيرات سلبية على استقرار الأوضاع الداخلية، ولم تعد القاهرة قادرة على الصمت طويلا بعد أن أضحت الكثير من المدن المصرية قبلة للفارين من صراعات متباينة في دول مختلفة.

يبدو أن القاهرة ملت من الاستمرار في استقبال اللاجئين وتأمين الحدود البحرية مع دول الاتحاد الأوروبي، بما يمنع وصول المهاجرين غير الشرعيين إليها، من المصريين أو غيرهم. وكان ضبط هذا الملف أداة أسهمت في تحسين علاقة القاهرة مع دول أوروبية عديدة لديها خلافات سياسية معها بسبب ملف حقوق الإنسان، غير أن زيادة أعداد المهاجرين بشكل سريع مؤخرا سيدفع إلى تغيير النهج المصري.

يرى مراقبون أن القاهرة وجدت أن استقبال المزيد من الفارين إليها مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية يضعاها في مشكلات عدة مع دول أوروبية متشاطئة على البحر المتوسط، بعد أن رصدت بعضها أعدادا متزايدة من المهاجرين غير الشرعيين إليها أغلبهم وصل إلى الشواطئ الأوروبية عبر الأراضي الليبية، ما تطلب الحديث عن الحاجة إلى تقديم مساعدات جديدة لاحتواء اللاجئين وتخفيف الضغط على الاقتصاد.

قال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان (حقوقي) أيمن نصري إن تصريحات سامح شكري جاءت في توقيتها مع زيادة أعداد النازحين إلى الأراضي المصرية عقب اندلاع الصراع في السودان، وبعد أن قدمت القاهرة كافة أشكال الدعم إلى اللاجئين والمهاجرين وتحملت مسؤولية حمايتهم وساهمت في التخفيف من حدة الضغوط على الدول الأوروبية، ما يجعل طلبها الحالي أكثر منطقية، ومن المتوقع أن يصيب هدفه في ظل مرور مصر بأزمة اقتصادية صعبة.

وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن الاستمرار في القيام بهذا الدور يتطلب كلفة باهظة قد لا تستطيع مصر تحملها حاليا، وأن التعامل مع اللاجئين إنسانيا يحتاج إلى تمويلات ضخمة ومشاركة جهات دولية بالمساعدة، وإبلاغ الدول الأوروبية بالحاجة إلى ذلك والتأكيد على أن مصر تقوم بدورها لتأمين الحدود، ولن يكون باستطاعتها القيام بذلك مستقبلا، ما يجعل الدول الغربية التي تعاني بعض المشكلات الاقتصادية أمام طوفان جديد من المهاجرين غير الشرعيين.

ويتنوع الدعم الذي يريده وزير الخارجية المصري بين مساعدات مالية يقدمها الاتحاد الأوروبي عبر هيئاته المنوط بها ملف اللاجئين وعبر التفاوض الثنائي مع الدول الأكثر ضررا من وصول المهاجرين غير الشرعيين إليها. وفي هذه الحالة ستكون الحكومة بحاجة إلى المزيد من التنسيق بين الجهات الداخلية في مصر ذات الارتباط المباشر بملف اللاجئين والجهات الأوروبية المعنية به.

وتتعلق المساعدات أيضا بالدعم اللوجستي الذي تنشده القاهرة لإمدادها بالأجهزة المتطورة لمراقبة الحدود وزيادة وتيرة التنسيق الأمني عبر تنفيذ تدريبات مشتركة مع خفر السواحل في الدول الأوروبية المتشاطئة، والتبادل المعلوماتي في ظل مخاوف مصرية من تسلل عناصر متطرفة إليها، تُسبب لها مشكلات أمنية وتُعيدها إلى مربع العمليات الإرهابية والمواجهات المفتوحة مع التنظيمات الإرهابية. ويعد ذلك أحد العوامل المهمة التي تعول عليها القاهرة لدفع الاتحاد الأوروبي نحو تقديم مساعدات مختلفة، بما يمنع من تصدير المشكلات الأمنية إليها.

والتقى رئيس المفوضية الأوروبية مارغريتيس شيناس وزير الخارجية المصري خلال زيارته للقاهرة مؤخرا، وشهد اللقاء تأكيدا من القاهرة على أهمية نقل ملف التعاون المشترك بين الطرفين في مجال الهجرة غير الشرعية من المستوى الفني إلى المستوى السياسي بما يلبي المصلحة المشتركة وتقاسم المسؤوليات.

◙ القاهرة ملت الاستمرار في استقبال اللاجئين وتأمين الحدود البحرية مع دول الاتحاد الأوروبي بما يمنع وصول المهاجرين غير الشرعيين إليها

وحصلت مصر على مساعدات رمزية لمكافحة تحديات الهجرة غير الشرعية، وتلقت تمويلا بقيمة 63.6 مليون يورو من صندوق الاتحاد الأوروبي للطوارئ الخاص بأفريقيا، مطلع العام الجاري. ووقع الاتحاد الأوروبي في أكتوبر الماضي اتفاقا مع مصر تمخض عنه ضمها للمرحلة الأولى من برنامج إدارة الحدود الذي يوفر 80 مليون يورو دعما، بجانب مساهمة الاتحاد الأوروبي في تمويل تطوير العمالة المصرية بشكل يدعم استيرادها بالطرق الشرعية للحد من الهجرة غير الشرعية.

وشدد نصري في حديثه لـ"العرب" على أن القاهرة توجهت إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن تراجعت مساهمات الدول الأعضاء في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي يستفيد من مساعداتها جزء بسيط للغاية من اللاجئين لمصر والمسجلين رسميا.

ويمنح تواصل مصر مباشرة بدول الاتحاد الأوروبي مرونة أكبر في الحصول على مساعدات، ولا تزال تعول على دعم مماثل لما تقدمه مفوضية الاتحاد الأوروبي لشؤون اللاجئين في الحرب الروسية – الأوكرانية، بعد أن قدمت مساعدات سخية للدول الأوروبية التي تستقبل اللاجئين مثل بولندا.

ولفت أيمن نصري إلى أهمية البعد السياسي في العلاقة بين مصر والدول الغربية، والتي تتردد كثيرا في إرسال مساعدات للدول التي ترى أن لديها قصورا في ملف حقوق الإنسان، وتعنتها أو عدم تجاوبها أحيانا مع مطالب القاهرة قد يدفع إلى عودة الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، ولن يكون ذلك نكاية في دول الاتحاد الأوروبي، لكن لأن مصر ليست لديها قدرة كافية على تأمينها مع زيادة الضغوط عليها، وفي هذه الحالة سوف تولي اهتماما بتأمين الداخل وربما تدفع نحو رفض استقبال لاجئين جدد.

وألمح شكري إلى هذه المسألة ضمنيا في تصريحاته الأخيرة، والتي أشار فيها إلى أن "أوروبا تتحدث دائما عن حقوق الإنسان وليست هناك قضية أعلى من حقوق الحياة التي تهدد مئات الآلاف من السودانيين"، في إشارة إلى امتعاض القاهرة من استمرار توجيه الانتقادات لها في الملف الحقوقي من قبل جهات ومنظمات أوروبية.

2