مصر تمهد لإنعاش الملاحة في قناة السويس

جهود السلطات نحو تحقيق الأهداف عقب هدنة غزة تصطدم بمواقف شركات الشحن الكبرى.
الأربعاء 2025/02/05
مسار آمن وغير مكلف

تتزايد رهانات السلطات المصرية على استمرار الهدنة في غزة والتزامات الحوثيين بعدم التعرض لسفن الشحن في البحر الأحمر، بما يتيح عودة تدريجية لنشاط الملاحة عبر قناة السويس، التي تضررت بشكل غير مباشر من الحرب لتنخفض عوائدها بشكل غير مسبوق في العام الماضي.

القاهرة – أصدرت هيئة قناة السويس الاثنين الخرائط الملاحية الجديدة للقناة بعد إضافة تحديثات خاصة بمشروع تطوير القطاع الجنوبي، والذي يزيد من الطاقة الاستيعابية للقناة بما يتراوح بين ست وثماني سفن يوميا.

وجاء ذلك بعد أن قام رئيس الهيئة أسامة ربيع باستكشاف إمكانية تغيير وجهة سفن الشحن نحو القناة بعد سريان الهدنة في غزة، ما يشير إلى أن القاهرة تستعجل إنعاشها إثر فقدان جزء كبير من عوائدها العام الماضي بعد هجمات الحوثيين ضد الملاحة في البحر الأحمر.

والتقى رئيس الهيئة بممثلي 23 جهة ملاحية عالمية من الخطوط والتوكيلات الملاحية الكبرى أخيرا، مؤكدا أن الظروف مهيأة لبدء عودة النشاط تدريجيا، ومعلنا جاهزية القناة للعمل بكل طاقتها لاستقبال خدمات الخطوط الملاحية الكبرى.

أحمد سلطان: المسارات القصيرة تحقق نموا أكبر لشركات الشحن
أحمد سلطان: المسارات القصيرة تحقق نموا أكبر لشركات الشحن

وتشهد الأوضاع في البحر الأحمر مؤشرات إيجابية على بدء عودة الاستقرار إلى المنطقة، ما يجعل الفرصة سانحة لاتخاذ إجراءات تنفيذية نحو تعديل الجداول الملاحية، تمهيدا لعودتها إلى مسارها الطبيعي.

وتبرهن تحركات القاهرة في وقت ما زالت فيه هدنة غزة في مرحلتها الأولى ووجود شكوك حول عوائق تصطدم بالمرحلة التالية، على أنها بحاجة إلى تأكيد أن الممر الملاحي حاضر ضمن خيارات شركات التجارة والشحن.

وتهدف أيضا إلى التشديد على أن استمرار الحرب لـ15 شهرا واتجاه الشركات الكبرى نحو طريق رأس الرجاء الصالح لا يعنيان أن القناة ليست قادرة على استعادة مكانتها، حيث تدرك القاهرة أن التنافس على جذب حركة التجارة قد يتخذ بعدا أكثر صعوبة الفترة المقبلة.

وتصطدم الرغبة في تسريع استعادة حركة الملاحة بصعوبة الحصول على تعهدات من الحوثيين بوقف استهداف السفن، ورهن حركة التجارة بالأوضاع الجيوسياسية، ولها تأثير على قرارات شركات الشحن والتأمين التي تخشى تعرضها لخسائر حال حدثت تطورات أمنية غير متوقعة.

وتواجه المساعي المصرية بمواقف شركات كبرى مشغلة للحاويات في العالم والتي أكدت أنها لن تعيد سفنها إلى البحر الأحمر، بسبب خشيتها من عدم استقرار الأوضاع في غزة.

ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن ثلاث شركات كبرى وهي ميدتيريان شيبينج ومارسك وسي.أم.أي – سي.جي.أم أنها ستواصل اتخاذ مسارات أخرى بعيدا عن البحر الأحمر بسبب “الوضع غير المتوقع في غزة والتوترات الأوسع في الشرق الأوسط”.

ويرى خبير النقل البحري واقتصاديات النقل واللوجستيات أحمد سلطان أن ما تقوم به هيئة قناة السويس من جهود عملية مهمة لتشجيع شركات الملاحة على إعادة المرور من القناة، غير أن النتائج غير معروفة.

6.2

مليار دولار إيرادات القناة في 2024 نزولا من نحو 10.2 مليار دولار في العام السابق

وقال لـ”العرب” إن “الأمر لا يرتبط بإدارة القناة، إنما يتعلق بالأوضاع الجيوسياسية وغيرها من التحديات الإقليمية المؤثرة. أراد رئيس القناة منح تطمينات للخطوط الملاحية وتحفيزها على العودة، لكن القرار له أبعاد سياسية وأمنية.”

وأشار إلى أن شركات النقل تسعى لترى انعكاس الهدنة على استقرار الأوضاع السياسية والأمنية، كما أن الأمر لا يتعلق فقط بالحرب بين إسرائيل وحماس، فهناك توتر بالقرن الأفريقي له تأثير، ومدى الثقة في تعهدات الحوثيين بعدم استهداف السفن.

وتعهد الحوثيون باستئناف الهجمات إذا واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية في الضفة الغربية بعد الالتزام بوقف تلك الهجمات إثر سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وشدد سلطان على أن ما يخدم القاهرة هو أن الطرق البعيدة مكلفة للغاية وتركت تأثيرها الاقتصادي على دول العالم، وإذا لمست الشركات حالة الاستقرار ستعود بكثافة كما كان الوضع في السابق.

وقال “المسارات القصيرة تحقق معدلات نمو أكبر لشركات الشحن شريطة أن يرتبط ذلك باستقرار الأوضاع في القرن الأفريقي أيضا.”

وعادت السفن البريطانية والأميركية بحذر إلى البحر الأحمر مؤخرا بعد أن تعهد الحوثيون بوقف الهجمات على السفن المرتبطة بالبلدين، ما يشير إلى عودة حركة الملاحة في أحد أهم طرق التجارة العالمية إلى طبيعتها قريبا.

يحيى الكدواني: هناك ثقة في عودة القناة إلى العمل بلا تهديد من الحوثيين
يحيى الكدواني: هناك ثقة في عودة القناة إلى العمل بلا تهديد من الحوثيين

وتعاني شركات الشحن من زيادة معدلات استهلاك الوقود منذ أن قررت السير عبر رأس الرجاء الصالح، وتشير الأرقام إلى استهلاك ربع طن وقود داخل البحر الأحمر في الميل الواحد، وثلاثة أطنان في طريق غير ممهد ويشبه العبور من خلاله كالسير في مناطق جبلية وعرة.

وتشهد حركة الملاحة في فبراير مرورا بطيئا لارتباطه بالعطلات الصينية، لكن مصر تجهز لاستقبال عدد من السفن في النصف الثاني من مارس المقبل.

وتدرك السلطات أن تعاقدات شركات الملاحة سنوية وليس من السهل أن تأتي إليها مرة واحدة، وتعمل على إعادة التسويق للقناة للتعريف بما تحقق من إصلاحات مؤخرا.

واستحدثت هيئة القناة حزمة من الخدمات التي لم تكن متاحة من قبل، مثل الإنقاذ والإسعاف ومكافحة التلوث وصيانة السفن والتزود بالوقود وخدمة تبديل الأطقم البحرية.

وتحرص إدارة القناة على التعامل بمرونة بتثبيت السياسات التسعيرية لكافة أنواع السفن، كما كانت عليه قبل الأزمة، ومد العمل بمنشورات التخفيضات، انتهاء بمشروع تطوير القطاع الجنوبي وبدء تشغيله الفعلي خلال الفترة المقبلة.

وأوضح وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان يحيى الكدواني أن الالتزام بالهدنة يشير إلى أن الحوثيين سيوقفون هجماتهم في البحر الأحمر، ما يعد بشرى لتسعى الهيئة إلى استعادة حركة الملاحة، وتأكيد أن القناة جاهزة لاستقبال الشاحنات ومعها المزيد من التدابير التأمينية.

وذكر لـ”العرب” أن مصر والولايات المتحدة وقطر تبذل جهودا قوية لمنع حدوث انتكاسة بشأن وقف إطلاق النار في غزة، ما يجعل هناك ثقة في أن القناة يمكن أن تعود إلى العمل بلا تهديد من الحوثيين، والاستفادة من حاجة الشركات التي لديها الرغبة في تقليص التكاليف.

وبلغت إيرادات القناة في عام 2023 حوالي 10.2 مليار دولار، بينما كان من المتوقع أن ترتفع إلى 12.4 مليار دولار العام الماضي، غير أنها تراجعت إلى 4 مليارات دولار، مسجلة انخفاضا غير مسبوق بقيمة 6.2 مليار دولار خلال عام واحد.

10