مصر تغلّظ عقوبة التحرش الإلكتروني لتصبح جريمة جنائية

العقوبات والغرامات المشددة عاملان إيجابيان في التعديلات الجديدة.
الخميس 2021/07/08
التحرش الإلكتروني في حاجة إلى خطـوات فعالة للتعامل معه

يستعد البرلمان المصري لمناقشة تعديلات قانون العقوبات الخاص بالتحرش الجنسي وسيصنف القانون التحرش عبر وسائل الاتصالات الإلكترونية كجريمة جنائية. ويغلظ القانون الجديد العقوبات الموقعة ضد المتحرشين، سواء كان التحرش لفظيا أو بتلميحات جنسية. وشكل عدم تطرق قانون العقوبات إلى هذا النوع من الجرائم ثغرة استغلها دفاع المتهمين في قضايا التحرش الإلكتروني، ذلك أن الكثير من البلاغات التي تصل إلى القضاء بشأنها لا يجري توقيع عقوبات على مرتكبيها.

القاهرة - استجاب البرلمان المصري لنداءات ضحايا التحرش والمنظمات الحقوقية المطالبين بضرورة سن تشريع يواجه التحرش الإلكتروني على منصات التواصل الاجتماعي، ويستعد حاليا لمناقشة تعديلات قانون العقوبات الخاص بالتحرش الجنسي الذي يشمل تحديد عقوبات جنائية للمتحرشين عبر وسائل الاتصالات الإلكترونية.

يغلظ القانون الجديد العقوبات الموقعة ضد المتحرشين، سواء كان التحرش لفظيا أو بتلميحات جنسية، بالحبس مدة تتراوح بين عامين إلى أربعة أعوام مع غرامة أقلها 100 ألف جنيه مصري (6369 دولارا) ولا تزيد عن 200 ألف جنيه مصري (13 ألف دولار).

والتفت البرلمان المصري إلى ظاهرة التحرش الإلكتروني ضمن مساعيه للتعامل مع الجريمة الإلكترونية التي أضحت تشكل تهديدا أمنيا وبحاجة إلى خطوات فعالة للتعامل معها. ووجد المشرع أن الكثير من البلاغات التي تصل إلى القضاء بشأن قضايا تحرش إلكترونية لا يجري توقيع عقوبات على مرتكبيها لأن المادة 306 من قانون العقوبات لم تتطرق إلى هذا النوع، وهو ما شكل ثغرة استغلها دفاع المتهمين.

جانيت عبدالعليم: توقيع العقوبة كحل منفرد لا يكفي للتعامل مع المشكلة

ووجدت دوائر حكومية أن تزايد الحملات التي شنتها منظمات حقوقية وناشطات نسوية على مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة التحرش مؤشر على حتمية التجاوب مع المئات من الوقائع المنشورة على هذه الحملات بشكل يومي والتي تحولت إلى منصات اتهام متبادلة ووسيلة تشهير أكثر من كونها صفحات تواجه المتحرشين دون أن يكون هناك دور للقانون.

ويرى حقوقيون أن الحكومة اتجهت إلى السبيل الأسهل بتوقيع عقوبات مغلظة على المتحرشين، لأن الأمر بحاجة إلى تعامل نفسي أولا معهم، حيث تختلف سماتهم الشخصية عن غيرهم ممن يمارسون التحرش المباشر، وهم في الغالب أشخاص يخشون مواجهة الآخر فيتحرشون بأشخاص لا يعرفونهم للبعد عما يخشونه.

وتنتشر جريمة التحرش بكثرة بين الشخصيات المنغلقة التي لا تتمتع بالحريات، أو أشخاص يشعرون بسعادة لمجرد تحدثهم بكلمات فيها إيحاءات جنسية على الإنترنت، ويثارون من هذا وقد تزداد سعادتهم عندما تقابل أحاديثهم بالرفض أو الإهانة.

وأكدت الناشطة النسوية جانيت عبدالعليم أن توقيع العقوبة كحل منفرد لمواجهة التحرش الإلكتروني لا يكفي للتعامل مع المشكلة، لأن الكثير من الفتيات لا يعرفن الشخص الذي يقوم بالتحرش بهن، كما أنه قد يكون في دولة أخرى، علاوة على أن العقلية الذكورية في أقسام الشرطة لا تتعامل بجدية مع بلاغات التحرش الإلكتروني.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن وضع المتهمين في سجون بين متهمين جنائيين وفقا للتصنيف الجديد للعقوبة يؤدي إلى خروج مجرمين جدد للمجتمع، لأن السجون في مصر قد تكون بيئة جيدة لخلق مجرمين وليس تهذيبهم وإصلاحهم، ما يجعل هناك ضرورة لتكون العقوبة تصاعدية، حسب الفعل والسن، وذلك أفيد من التغليظ.

ونصت التعديلات على أنه في حال تكرر الفعل من خلال الملاحقة والتتبع، تصبح العقوبة الحبس ثلاث سنوات على الأقل ولا تتجاوز الخمس سنوات مع غرامة لا تزيد عن 300 ألف جنيه (20 ألف دولار تقريبا) وإذا كان للمتحرش نفوذ وسلطة أسرية دراسية أو وظيفية على المجني عليه فسوف تضاعف العقوبة لتصل إلى الحبس مدة سبع سنوات وغرامة لا تزيد عن 500 ألف جنيه (33 ألف دولار تقريبا).

التحرش الإلكتروني الجريمة الأكثر انتشارا على منصات التواصل الاجتماعي
التحرش الإلكتروني الجريمة الأكثر انتشارا على منصات التواصل الاجتماعي

وشددت عبدالعليم على أن العقوبات الاجتماعية والغرامات المشددة قد تكون عاملا إيجابيا في التعديلات الجديدة مع ضرورة ألا يجري التوسع في عقوبة السجن لسنوات طويلة، لأن ذلك يضاعف من الضغوط على الضحايا لدفعهم نحو التنازل عن القضايا، ويزيد من إمكانية انتقام المتهم وأهله من الضحية حتى مع إقرار قانون حماية البيانات الشخصية للمجني عليه في الجرائم التي تتصل بهتك العرض والتعرض للغير والتحرش.

ودائما ما تكون معلومات القضية بيد عدد من أمناء الشرطة أو الموظفين الصغار داخل المحاكم ولا تكون هناك صعوبة بالغة في الوصول إلى بيانات المتقدمين بالبلاغات، ما يدفع لمطالبات بأهمية إعادة تأهيل الإدارات التي تقوم بتنظيم القضايا والبلاغات الخاصة بالتحرش.

وقال محمد اليماني، وهو مسؤول عن إدارة صفحة “قاوم” المختصة بمواجهة جرائم التحرش الإلكتروني على فيسبوك، إن تحديد العقوبة في القانون خطوة إيجابية، لكنها غير كافية في مواجهة تطور الجرائم المرتكبة إلكترونيا بحق الفتيات، وستكون هناك حاجة لتنسيق الجهود بين المؤسسات الحكومية والمبادرات المدنية التي تتعامل مع هذه الجرائم لتدشين حملات قومية كبيرة للتوعية بكيفية التعامل مع المتحرشين عبر وسائل التواصل.

وأشار لـ”العرب” إلى أن الجزء الأكبر من الجرائم يكون من خلال موقع “تليغرام”، من خلال سرقة أرقام الفتيات ونشرها على جروبات بين الشباب ليكون هناك ما يشبه الجريمة المنظمة يقوم بها مجموعة من الأفراد ضد الفتاة، ودائما ما ننصح الفتيات بإخفاء صورهن الخاصة وحساباتهن وأرقامهن من على هذه المنصة.

والجريمة الأكثر انتشارا على صفحة حملة “قاوم” ترتبط بالابتزاز الجنسي، ويقوم بها أشخاص قد لا يكونون معروفين بالنسبة إلى الضحية.

وأوضح اليماني، الذي يعمل معه 200 متطوع للتعامل مع شكاوى التحرش الإلكتروني، أن القائمين على الصفحة تواجههم مشكلة عدم معرفة  الضحية لمن يقوم بابتزازها وغالبية المشكلات تكون نتيجة بيع الهواتف النقالة وقدرة الهاكرز على استعادة الصور الشخصية الموجودة عليه.

جريمة التحرش تنتشر بكثرة بين الشخصيات المنغلقة التي لا تتمتع بالحريات، أو أشخاص يشعرون بسعادة لمجرد تحدثهم بكلمات فيها إيحاءات جنسية على الإنترنت

ولم تحدد التعديلات المقترحة الفارق بين التحرش الجنسي الذي يجري على نطاق واسع عبر حسابات مزيفة على مواقع التواصل وبين الابتزاز الذي تتعرض له الفتيات من خلال اختراق خصوصياتهن والوصول إلى الصور الشخصية الخاصة بهن واستغلالها في الضغط عليهن.

وتشكل أزمة التعامل مع الابتزاز الإلكتروني مشكلة دولية، ومع تصاعد الانتهاكات والملاحقات وقعت منصات التواصل الاجتماعي العملاقة “فيسبوك” و”تويتر” و”تيك توك” على تعهد مشترك تقوده مؤسسة الشبكة العنكبوتية العالمية للتصدي لممارسات العنف التي ترتكب استنادا إلى النوع وتستهدف المرأة.

وقررت إضفاء المزيد من إعدادات الضبط التي تساعد النساء في منع الأفراد من التعليق والرد على المنشورات من دون اللجوء إلى الحظر تماما أو السماح لهن بتحجيم مشاركة منشورات معينة، وتعهدت في ما يتعلق بالإبلاغ عن الانتهاكات والإساءات بتوفير ميزة تتبع البلاغات بمجرد تقديمها، إلى جانب القدرة على حظر السياق واللغة التي قد تغير كيفية تفسير محتوى أو منشور خاص.

وبالنظر إلى الواقع المصري فإن العديد من المنظمات العاملة في مجال المرأة في مصر ترفض الفصل بين تطور أدوات وأساليب التحرش وانتشاره على نطاق واسع وبين الثقافة المجتمعية التي تدعم التحرش في ظل غياب مبادرات التوعية بالمساواة بين الجنسين واحترام حقوق الآخر.

ولعل ذلك ما ظهر مؤخرا على صفحة “دار الإفتاء” المصرية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حينما أصدرت فتوى حرمت فيها التحرش الجنسي، وكان الرد عليها عبر الآلاف من الردود التي انتقدت الفتوى واعتبرتها تساعد الفتيات على التبرج، وهو ما دفع إدارة الصفحة إلى حذف عدد كبير من التعليقات المسيئة.

21