مصر تعزز استقرار سيناء باحتفالات تمحو صورة الإرهاب

القاهرة- أطلقت الحكومة المصرية حزمة من الفعاليات والاحتفالات غير المسبوقة لرفع الروح المعنوية في الشارع بشأن الأوضاع بسيناء، في خطوة راهنت عليها السلطة لإقناع الداخل والخارج بأن الإرهاب الذي ضرب سيناء على مدار سنوات انتهى واختفت التنظيمات المسلحة التي كانت تعهدت بتحويل المنطقة إلى بؤرة للإرهاب.
وأحيا الفنان المصري محمد منير حفلا غنائيا ضخما بمدينة العريش في سيناء الجمعة، وهو الأول من نوعه في مدينة كانت معقلا للتكفيريين، ومركزا رئيسيا لتخفّي العناصر المسلحة وسط المناطق السكنية، وشهدت العديد من المواجهات الدموية بين الجيش والشرطة وبين المنتمين إلى تيارات متشددة.
وأقيم الحفل الذي نظمه ما يسمى بـ”مجلس قبائل العائلات المصرية في سيناء” بحضور خمسة آلاف شخص من سيناء ومحافظات أخرى، وشاركت في تنظيمه وزارات الثقافة، والشباب والرياضة، والتضامن الاجتماعي والتنمية المحلية، ضمن فعاليات حكومية مختلفة للاحتفال بالذكرى الحادية والأربعين لتحرير سيناء تماما من بقايا الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت ذكرى تحرير سيناء تمر كل عام بشكل تقليدي، ولا يتجاوز الأمر كلمة متلفزة للرئيس عبدالفتاح السيسي يتعهد خلالها بالقضاء على الإرهاب وعدم التفريط فيها، لكن هذه المرة بدت الرسالة الأمنية والسياسية مختلفة في طريقة الاحتفال بتحرير سيناء لتزامن الذكرى هذا العام مع تطهيرها من الإرهاب وعودة الحياة إلى طبيعتها.ر لاحقا.
وترى دوائر سياسية أن الاحتفالات الفنية والثقافية والتجمعات الجماهيرية التي أصبحت الحكومة تنظمها في سيناء محاولة لإشاعة أجواء من التفاؤل في الشارع المصري، وتؤكد من خلالها أنها نجحت في هزيمة الإرهاب، وأن ما تروج له من مشروعات تنموية على الأرض أبعد من مجرد دعاية سياسية.
وسجلت فعاليات سباق الهجن الدولي بشمال سيناء أخيرا أكبر حضور جماهيري من نوعه في تاريخ سباقات الهجن، حيث جاء الحضور من محافظات مصرية مختلفة للمشاركة في هذه الرياضة التراثية التي عادت إلى سيناء بعد فترة توقف استمرت نحو اثني عشر عاما على وقع الإرهاب والتوترات الأمنية.
وشهد اليوم قبل الأخير من شهر رمضان المنقضي تنظيم أضخم حفل إفطار جماعي لسكان سيناء على شاطئ مدينة العريش على البحر المتوسط، وصل طوله إلى خمسة كيلومترات، وذلك لأول مرة منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، في رسالة من الأهالي بأن الأوضاع الأمنية تغيرت إلى الأفضل، ولم يعد هناك ما يخشونه من خطر.
وقال أهال يعيشون في سيناء لـ”العرب” إن الحواجز الأمنية التي وضعتها قوات الجيش في بعض الطرقات تمت إزالتها، وعاد السكان الذين تركوا منازلهم إلى ديارهم، والجنود الموجودون على الأرض إنما يقومون بحصر الأضرار التي لحقت ببيوت البعض تمهيدا لترميمها أو منح أصحابها منازل أخرى كتعويض عن خسائر الإرهاب.
وافتتح رضا حجازي وزير التربية والتعليم السبت، عددا من المدارس الحكومية الجديدة التي تم إنشاؤها عبر الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة ضمن مشروعات خدمية وتنموية تتوسع فيها الحكومة لتأكيد اقتلاع الإرهاب من سيناء، وعودة الجزء الشمالي الذي شهد توترات مكانا مستقرا، ولا توجد موانع للانتقال والعيش فيه.
وأكد الخبير العسكري اللواء حمدي بخيت لـ”العرب” أن ما يجري في سيناء رسالة من الدولة لأي مستثمر محلي أو أجنبي تفيد بأن الأوضاع تحت السيطرة، وهذا توجه محوري لا يمكن أن يتحقق دون تثبيت عنصر الأمن في منطقة شاسعة، والتجمعات الفنية والجماهيرية الضخمة كفيلة بتوصيل الرسالة.
ويؤمن الرئيس السيسي بأن الشارع يحتاج طوال الوقت إلى نسيان تجاهل سيناء لفترة طويلة، ولا يمكن التفريط فيها لتنظيمات مسلحة أو صفقات مع أطراف أجنبية لارتباطها إستراتيجيا بالأمن القومي، وأي إنجاز يتحقق على أرضها تجني الحكومة من ورائه مكاسب عديدة.
ويرى خبراء عسكريون أن الفعاليات الجماهيرية في سيناء أبعد من محاولة لتوصيل رسائل سياسية بأن هذه المنطقة تحت السيطرة الكاملة للدولة، لكنها تستهدف تغيير الصورة الذهنية عنها في العقلية المصرية، وبدلا من أنها كانت بيئة للصراع بين مصر وإسرائيل عسكريا، أو مسرحا للمعارك بين الأمن والإرهابيين، يمكن أن تصبح منطقة جذب ثقافي وفني وسياحي، ما يخدم خطط الحكومة لتنميتها بشريا.
وفرضت العوامل الجيوستراتيجية لسيناء على الحكومة التعامل مع تكريس الأمن فيها بطريقة مبتكرة، لأن المصريين بحاجة إلى براهين وأدلة تفوق التصريحات الرسمية نحو تثبيت الأمن، وهو ما أدركته الحكومة وبدأت العمل عليه بتوسيع دائرة الاحتفالات والتجمعات الضخمة، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون فرض السيطرة على الأرض.
وظل العبور إلى سيناء، أي من غرب قناة السويس إلى شرقها حيث تقع سيناء، حتى وقت قريب مغامرة غير محسوبة العواقب لقطاع كبير من المواطنين، ويشترط عناصر الأمن على من يريد دخولها أن يحتفظ ببطاقة هوية تثبت أنه من سكان سيناء أو يحمل تصريح مرور أمني للمصريين أو نسخة من وثيقة حجز في أحد الفنادق إذا كان العابر من السياح أو الأجانب، أي أن دخول سيناء يحتاج إلى ما يبدو كأنه “تأشيرة”.
وأوضح رئيس جهاز الاستطلاع بالجيش المصري سابقا اللواء نصر سالم أن التحركات الحكومية الجديدة تعكس السيطرة الأمنية الكاملة على سيناء، لأنه لا يمكن المغامرة بتواجد كل هذه التجمعات الجماهيرية في مكان تحيطه توترات أمنية.
◙ الاحتفالات الفنية والتجمعات الجماهيرية التي تنظمها الحكومة في سيناء محاولة لإشاعة أجواء من التفاؤل في الشارع المصري
وأضاف لـ”العرب” أن ما يحدث من تنمية في سيناء لم تشهده من قبل، وهذا لم يكن ليتحقق إلا بإرادة سياسية مدفوعة بخطط أمنية وعسكرية نجحت في هزيمة الإرهاب، واحتضان أهالي وقبائل المحافظة، خاصة أن الشارع المصري كان بحاجة إلى مشاهدة فعاليات تؤكد الاستقرار، بما يدفع الكثيرين للانتقال والعيش فيها.
وتخطط الحكومة المصرية لتوطين الملايين من المواطنين في سيناء من سكان محافظات أخرى، وخصصت لذلك جملة من المزايا والحوافز، لكنها تعاني من ثبات الصورة الذهنية السلبية في أذهان الناس حول سيناء كمنطقة ملتهبة تعج بالإرهابيين وغير آمنة، ويصعب لرب الأسرة المغامرة بأبنائه للعيش في بيئة لا تنعم بالاستقرار.
وتحمل الاحتفالات والتحركات التنموية المتسارعة في سيناء انتكاسة لجماعة الإخوان التي ظلت تعيش على أمل عدم توقف التوتر ليبدو النظام المصري عاجزا عن توفير الهدوء، فالمخاطر الأمنية في سيناء كانت ترخي بظلالها على عموم مصر.
ويخشى خبراء أمنيون أن يكون تصوير المشاهد الاحتفالية والتجمعات الضخمة للجماهير على أنه إعلان لسيناء خالية تماما من الإرهاب، لأن ذلك خطر، فالتحديات الأمنية لن تنتهي بسهولة والتعامل مع الحفلات وزيارات كبار المسؤولين كدليل على ذلك ربما يدفع المتطرفين إلى التفكير في إيجاد ثغرات تحرج القاهرة.
ومن الصعوبة أن يستمر الهدوء في سيناء دون توافر مردودات مباشرة للتنمية على السكان تعزز طريق القضاء على الإرهاب، وهذه مهمة تتطلب إرادة حكومية كبيرة، فسيناء بها مقومات عديدة للتنمية، لكن الأهم توطين الناس ليكون هناك خط مقاومة في مواجهة التهديدات عبر تشكيل قرى دفاعية ضد أيّ عناصر متطرفة تظه