مصر تعدل النظام الداخلي لدراسة الطب تفاديا لعدم الاعتراف الدولي

القاهرة - قررت الحكومة المصرية تخفيض مدة الدراسة في كليات الطب من 6 إلى 5 سنوات فقط، إضافة إلى عامي امتياز بدلا من سنة واحدة، لتكون الدراسة بنظام الساعات المعتمدة أو النقاط، في أول تعديل يجري على نظام دراسة الطب بمصر منذ العام 1911، ليصبح التعليم الطبي يعتمد على استخدام نظام التكامل، وهو المعمول به في أكثر دول العالم.
ولم يتحرك المجلس الأعلى للجامعات بمصر تجاه هذه الخطوة بشكل اختياري، لكنه وجد نفسه مجبرا عليها، لأن المجلس العالمي للتعليم الطبي قال إن عام 2023 سوف يكون آخر فرصة لتخريج طلاب من كليات الطب وعلى بلدانهم اتباع نظام الدراسة الجديد، وإلا فلن يتم الاعتراف بهم كأطباء.
ومن المقرر أن يتم تطبيق النظام الجديد على الطلاب بعد إقراره من الحكومة المصرية بدءا من العام الدراسي الجديد في سبتمبر المقبل، أي أن هؤلاء سوف يتخرجون من الجامعة عام 2023، وهي الفرصة الأخيرة التي منحتها الهيئة العالمية للطب، لتخريج أطباء بنظام الساعات المعتمدة أو النقاط لمدة خمس سنوات.
وأقرت وزارة التعليم العالي بأن أكثر بلدان العالم لا تعترف بكليات الطب المصرية، لأن نظام دراستها ومقرراتها وطرق تقييمها أصبحت لا تتماشى مع التطور العالمي في مجال التعلم الطبي، وكان الطلاب يلجأون إلى نظام معادلة الشهائد، سواء منها الأميركية أو الإنكليزية، كخيار وحيد لممارسة المهنة خارج البلاد.
واعترضت نقابة الأطباء على زيادة فترة الامتياز من عام إلى عامين في المنظومة الجديدة، وبرّرت ذلك بضعف مستوى التدريب العملي للطبيب حديث التخرج، وأنه خلال فترة الامتياز يتم تسخير الأطباء للقيام بأعمال بعيدة عن التدريب الحرفي على مزاولة تخصصاتهم.
وتقول الحكومة إن النظام الجديد يأتي في إطار تطوير منظومة التعليم الطبي بالجامعات، وإعداد كوادر مؤهلة وتخريج أطباء أكفاء ومدرّبين بشكل جيد، لا سيما وأنه يعتمد على قصر مدة الدراسة النظرية وزيادة فترة التدريب، فضلا على أنه يسعى لتحويل الطبيب من كونه يتعامل مع حالات طبية نظرية إلى التعامل مع شخص مريض.
ويتيح النظام الجديد للطالب أو الطالبة حرية أكثر لأنه يوفر له مواد إلزامية واختيارية، كما يوفر له أكثر من أستاذ للمادة الواحدة، مع فرصة التعرض المبكر للمرضى، فالطالب يمكنه الذهاب إلى المستشفى منذ السنة الأولى، بعكس النظام القديم الذي كان يسمح بالتعامل مع المرضى ابتداء من السنة الرابعة للدراسة.
وقال حسين خالد، رئيس القطاع الطبي بالمجلس الأعلى للجامعات، إن أهم ما يميز النظام الجديد هو أنه يطبق منظومة التداخل في المقررات، بمعنى أن الطالب أو الطالبة سوف يدرس المواد النظرية والإكلينيكية ويمارس التدريب على مزاولة المهنة في آن واحد، ومنذ السنة الأولى في الكلية.
وكان النظام القديم يعتمد على تقسيم دراسة الطب على ثلاث مراحل، الأولى يدرس فيها الطالب المواد الأكاديمية وفسيولوجيا وظائف الأعضاء خلال الثلاث سنوات الأولى، ومثلها للدراسة الإكلينيكية مثل الجراحة، وأخيرا سنة امتياز للتدريب على مزاولة المهنة بالعمل في المستشفيات الحكومية.
وأضاف حسين خالد لـ“العرب”، وهو أيضا وزير التعليم العالي سابقا، أن نظام الدراسة الجديد في كليات الطب يدمج الإكلينيكي مع النظري، بحيث يدرس الطالب ويتدرب بالاختلاط مع المرضى، لأن النظام القديم لم يكن يسمح بدخول المستشفيات ومعاينة الحالات المرضية مع طبيعة ما درسه الطالب قبل مرور ثلاث سنوات بالكلية.
ويحظى النظام الجديد بتأييد واسع بين طلاب كليات الطب والأساتذة، لا سيما وأن الساعات المعتمدة سوف تكون بديلة عن المحاضرات الإلزامية بمواعيد ويحددها أستاذ المادة ولا يستطيع الطالب التغيّب عنها. والساعات المعتمدة عبارة عن وحدة قياس للمقررات الدراسية التي يجب على الطالب دراستها في العام الدراسي لكل مادة، بحيث يكون للمنهج عدد يوازيه من الساعات، بحد أدنى 220 وأقصاه 245 ساعة، ويقوم كل طالب وطالبة بتقسيم الساعات أسبوعيا حسب الأولويات.
ويرى أكاديميون أن تحقيق الهدف المأمول من النظام الجديد يتطلب أن تكون هناك طفرة طبية بمصر، فيما يتطلب إعداد طبيب مؤهل لسوق العمل تحسين مستوى وجودة العملية التعليمية وطرق التدريب والتدريس بالكليات وإعادة النظر في المناهج الدراسية والبدء الفوري في تطويرها.
وقال هؤلاء، إن تدريب الطلاب من السنوات الأولى يحتاج إلى مضاعفة أعداد الأساتذة، لأن التوسع في التدريب توازيه زيادة في عدد المعنيين بمتابعة الطلاب وتوجيههم ومرافقتهم في تحركاتهم بالمستشفيات، مع زيادة عدد كليات الطب نفسها، بشكل يحد من تكدس الطلاب.
وتضطر أكثر كليات الطب في مصر إلى قبول طلاب فوق طاقتها الاستيعابية، لأنه لا توجد سوى 23 كلية طب، بينها 3 كليات خاصة، ما يمثل تحديا كبيرا أمام تحقيق طفرة نوعية في دراسة الطب.
وتقول دراسات تربوية، إن مصر ضمن قائمة الدول الأقل إنفاقا على طلاب كليات الطب في العالم، إذ لا يتخطى الإنفاق السنوي على الطالب والطالبة سبعة آلاف جنيه (نحو 400 دولار) في حين أن دولا مثل الولايات المتحدة تصل تكلفة الإنفاق على الطالب فيها 25 ألف دولار.
ورأى خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بكلية الطب جامعة عين شمس بالقاهرة في تصريحات لـ“العرب”، أن “مصر أصبحت بحاجة إلى زيادة أعداد الأساتذة، باعتبار أن النظام الجديد قائم بالأساس على توفر إشراف أكاديمي، بمعنى أن كل أستاذ سوف يكون مسؤولا عن مجموعة من الطلاب طوال العام الدراسي لمساعدتهم على التدريب وتوجيههم”.
وأوضح سمير، وهو أيضا أمين نقابة الأطباء السابق، أن هذه الخطوة تمثل فرصة ثمينة لبناء علاقات قوية بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، فنظام المحاضرات والحفظ والتلقين التقليدي خلص إلى إقرار نظام جديد، لأن الدراسة سوف تتحول بشكل تدريجي إلى نظام بحثي وتدريبي يهدف إلى إكساب الطلاب مهارات وجمع معارف ومعلومات، ويكون المنهج بالنسبة إليهم مجرد نقاط أساسية يتحركون من خلالها.
ومن شأن تفعيل النظام الجديد بكليات الطب أن يسهم في تغيير نظام التقييم باعتباره يعتمد على التدريب والبحث بشكل أكبر، بمعنى أن الامتحانات لن تعتمد على النواحي النظرية والإجابات النموذجية وفق الأجزاء التي حفظها الطالب، وسوف تكون الأسئلة عبارة عن أجزاء تقيس مهارات الطلاب والخبرات المكتسبة لديهم نظريا وعمليا.
وأكد أمين نقابة الأطباء السابق، أن نظام التقييم في المنظومة الجديدة، يقضي على المجاملات والمحاباة في الاختبارات الشفاهية التي كان يجريها الأساتذة للطلاب دون رقابة أو سيطرة، وكانت تتم إضافة درجات لطلاب بعينهم لرفع تصنيفهم، لكن هذه الاختبارات لن تكون أساسية في عملية التقييم ابتداء من العام الدراسي الجديد، بل ستكون “وسيلة للتقييم المتتابع كل فترة” ولن تضاف إلى مجموعه النهائي.