مصر تشرع في منافسة المغرب على تصنيع السيارات

مساع حكومية حثيثة لتوطين صناعة المركبات بعيدا عن الاعتماد على مجالي التجميع والتركيب.

السبت 2021/10/09
تركيز الجهود على عملية تطوير القطاع

تعتزم مصر توطين صناعة المركبات بالبلاد دون الاقتصار على تجميع الأجزاء المستوردة الذي انتهجته منذ تأسيس شركة النصر لصناعة السيارات قبل ستة عقود، وخطت الدولة خطوة نوعية بعد إعلان ثلاث من كبريات الشركات العالمية ضخ استثمارات جديدة في منطقة شرق بورسعيد، في شمال شرق القاهرة، أملا في منافسة المغرب كبلد رائد بالمنطقة في هذا المجال.

القاهرة – عززت مصر خطواتها نحو تأسيس قاعدة استثمارية كبيرة في قطاع صناعة وتجميع وتركيب السيارات في المنطقة بترجمة جهودها إلى تدشين مشروعات جديدة تنفذها شركات، هي سكودا التشيكية ونيسان اليابانية وبوش الألمانية، بعد أقل من شهر ونصف الشهر من إعلان جنرال موتورز تطوير مصنعها في البلاد والدخول في توسعات جديدة.

وتسعى القاهرة لاستقطاب الخبرات العالمية في هذه الصناعة، ما يسمح بالمزيد من النهوض بالقطاع ونقل التكنولوجيا وتوفير يد عاملة مدربة بصورة أكبر وإعطاء الوجهة الاستثمارية مقومات التنافسية والجاذبية بالمنطقة العربية في السنوات المقبلة في ظل المنافسة الشرسة التي يتزعمها المغرب.

حسين مصطفى: يجب عقد تحالفات مع كيانات عالمية بالقطاع لنقل التكنولوجيا
حسين مصطفى: يجب عقد تحالفات مع كيانات عالمية بالقطاع لنقل التكنولوجيا

وتتزامن الفورة الاستثمارية المرتقبة بالقطاع مع استعداد القاهرة لإطلاق استراتيجية صناعة السيارات رسميا بعد توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكومة بإعداد استراتيجية متكاملة لتوطينها والصناعات المغذية لها، والعمل على نقل التكنولوجيا المتطورة إلى أكبر نسبة ممكنة من المكونات المحلية لجذب المزيد من رؤوس الأموال.

وأكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي خلال لقائه مسؤولي شركات السيارات العالمية مؤخرا أن بلده يريد التحول إلى مركز إقليمي واعد لتصدير المركبات إلى السوق العالمية، لاسيما الدول الأفريقية.

وأشار حينها إلى أن القاهرة قطعت شوطا كبيرا في مسار دعم هذه الصناعة، بدءًا من مبادرة إحلال المركبات المتقادمة للعمل بالغاز الطبيعي وإقرار الحافز النقدي للسيارات الكهربائية وإطلاق البرنامج التحفيزي لرد أعباء صادرات السيارات.

واتخذت القاهرة خطوة استباقية قبل الإنتاج الفعلي المرتقب للشركات العالمية، إذ دشنت الحكومة محطة عملاقة لدحرجة السيارات (تخزينها في سفن شحن عملاقة تمهيدًا لتصديرها) بالمنطقة الاقتصادية في قناة السويس عبر ميناء شرق بورسعيد وتدشين منطقة تخزين بطاقة استيعابية تصل إلى نحو 800 ألف سيارة سنويًا.

وتراهن الحكومة على الموقع الجغرافي الفريد لمنطقة شرق بورسعيد في توطين هذه الصناعة، إذ تضم 3 مناطق لوجستية تقدر مساحتها بأكثر من 25 كيلومترا مربعا ملاصقة للمنطقة الصناعية والميناء البحري التجاري والممر الملاحي لقناة السويس، بجانب توافر الأنفاق لعبور السيارات والشاحنات والبدء في تدشين خط للسكك الحديدية لتسهيل نقل البضائع من وإلى المنطقة.

كما تحوي منطقة ترانزيت وتجارة عالمية بهدف إعادة التصدير والتوزيع في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا وشرق الولايات المتحدة.

ويعد ميناء شرق بورسعيد من أهم موانئ البحر المتوسط، ويضم رصيف حاويات بطول 2400 متر ومحطة لتداول الحاويات على مساحة 1.1 كيلومتر مربع، وتتم حاليا زيادة الأرصفة بطول 4650 مترا.

وتمتلك مصر مقومات توطين صناعة السيارات، وفي مقدمتها توافر العمالة الفنية والهندسية المدربة والرخيصة مقارنة بالأسواق الأخرى، فضلاً عن توفير الموردين المحليين لإمداد المصانع بالمكونات والخامات الضرورية.

سكودا ونيسان وبوش دشنت مشاريع لها في مصر مؤخرا بعد وقت وجيز من بدء جنرال موتورز توسيع أعمالها بالبلاد

وهناك منظومة لوجستيات تعزز سهولة دخول وخروج البضائع مع تطوير أسطول النقل البحري والموانئ على البحرين الأحمر والمتوسط، ويتم إنشاء أخرى جديدة تعزز همزة الوصل بين الشرق والغرب، فضلاً عن سهولة النقل البري عبر شبكة الطرق التي دشنت أخيرًا وتربط بين المحافظات المختلفة.

ويلعب الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد وتطوير البنية التشريعية المحفزة من قوانين الصناعة والجمارك والاستثمار دورا حيويا في توطين صناعة المركبات حيث تمنح القوانين حوافز ضريبية وجمركية خاصة للاستثمار في منطقة محور قناة السويس ومنها شرق بورسعيد.

ويعترض تحول مصر إلى مركز إقليمي لتصدير السيارات عدد من المطبات، منها القدرة على استمرار جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة باستقطاب الشركات العالمية لتدشين مصانع كبيرة ومتطورة وذات إنتاج كمي ضخم بهدف التصدير، علاوة على تلبية متطلبات السوق المحلية لاتخاذ الكثير منها المغرب قبلة استثمارية خلال الفترة الأخيرة.

وأبرمت الرباط عددا من الاتفاقيات هذا العام لإقامة 4 مصانع جديدة للسيارات مع المجموعتين اليابانيتين يازاكي وسوميتومو باستثمارات تبلغ قيمتها 103 ملايين دولار، إذ تشيد الأولى ثلاثة مصانع بينما الثانية تشيد مصنعا جديدا، بجانب أربعة أخرى قائمة.

كما وقعت الحكومة المغربية اتفاقيات لإنشاء مصانع أخرى، منها المصنع الأميركي “أدينت” لإقامة وحدة إنتاج أغشية المقاعد، وإطلاق منظومة صناعية للموردين ومركز تقني وهندسي، بنحو 19 مليون دولار، وتحقيق رقم معاملات خاص بالتصدير بنحو 73 مليون دولار، إلى جانب مصانع إنتاج شركات رينو وبي.سي.أي وبيجو.

ويأتي قطاع السيارات في مقدمة الصادرات المغربية خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت قيمة الإيرادات قرابة 4.7 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري.

وأكد تقرير حديث صادر عن معهد دراسات الشرق الأوسط أن المغرب سبق مصر في تصنيع السيارات الكهربائية، بعد توقيع الأول عقدا مع شركة أوبل الألمانية لإنتاج السيارات الكهربائية قد يكون أوائل العام المقبل، بينما يبدأ التصنيع بمصر في يوليو 2022.

فؤاد ثابت: البنية التحتية بشرق بورسعيد تحتاج إلى تطوير لجذب الاستثمار
فؤاد ثابت: البنية التحتية بشرق بورسعيد تحتاج إلى تطوير لجذب الاستثمار

وأشار التقرير إلى أن الاتفاق يعزز قدرة المغرب على إنتاج أكثر من 700 ألف سيارة سنويًا، وهذا العدد يجعله “ملك صناعة السيارات في شمال أفريقيا”، بينما في مصر قد يصل العدد إلى 25 ألف سيارة في العام.

وأكد حسين مصطفى مدير رابطة مصنعي السيارات بمصر سابقا أن التكنولوجيا تظل تحديًا أمام توطين صناعة السيارات، ويمكن التغلب على ذلك بإقامة تحالفات مع شركات تكنولوجية كبرى لتصنيع مكونات السيارات والإشراف عليها ولنقل الخبرات وفتح أسواق جديدة تستوعب الإنتاج الجديد بالتعاون مع الشركاء العالميين.

وينبغي أن تتحالف القاهرة مع الدول ذات مراكز الأبحاث المتطورة في مجال صناعة السيارات لاكتساب المهارات، ما يعزز تطوير مدخلات السيارات والسبائك ومعدلات الأمان فيها، ويدعم زيادة معدلات الرفاهية بالمركبات سواء في السيارات العاملة بالوقود التقليدي أو السيارات الكهربائية المتوقع أن تسود العالم خلال ثلاثة عقود.

وأشار مصطفى لـ”العرب” إلى أن “تكنولوجيا السيارات المتطورة والتي يجب أن تتعامل مصر معها تتركز في الدول الغربية مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وفي آسيا بدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، ثم الصين التي تطورت بقوة في معدل إنتاج السيارات والأبحاث التكنولوجية”.

وترتهن قدرة مصر على منافسة المغرب في هذه الصناعة وتحولها إلى مركز إقليمي للتصدير بالانتهاء من تدشين المصانع الكبرى التي تعلن عنها الحكومة، وعقد شراكات مع كبريات الشركات العالمية تؤسس لوجود صناعة حديثة، وهذا يستغرق عدة سنوات يمكن تقديرها مع بدء إنتاج المصانع، وبخلاف ذلك لا يمكن المنافسة.

وأوضح فؤاد ثابت عضو جمعية مستثمري بورسعيد أن منطقة شرق بورسعيد رغم موقعها الجغرافي الاستراتيجي لتصنيع السيارات وتصديرها، إلا أنها تتطلب تأهيلاً أكبر للبنية التحتية، حيث لا يتوافر التيار الكهربائي في أنحاء المنطقة حتى الآن، فضلاً عن استمرار انقطاع المياه، ما يحتاج إلى بذل جهود حكومية كبرى لجذب الاستثمارات.

وذكر لـ”العرب” أنه “يوجد مصنع إطارات للسيارات في المنطقة يعتمد على تيار كهربائي عن طريق المولدات الكهربائية”، لافتا إلى أن الحكومة تستهدف تطوير المنطقة لجذب شركات السيارات العالمية إليها، وأن مصر تستورد نحو 800 سيارة شهريا من المغرب، وأن ما حققته المملكة يأتي نتيجة لسهولة إجراءات الاستثمار التي منحتها للمستثمرين الأجانب.

10