مصر تسّوق لحقوق الإنسان من بوابتي التشريعات والحوار الوطني

قوانين الإجراءات الجنائية واللجوء والعمل الأهلي لتحسين السجل الحقوقي.
الأحد 2024/12/08
تشريعات جديدة لتحسين السجل الحقوقي

المسؤولون المصريون يجدون في تغير الظروف الداخلية والخارجية وتخفيف الانتقادات الحقوقية فرصة لتنفيذ إصلاحات لاسترضاء الجهات الحقوقية الدولية، ولو في صورة قرار حر ودون ضغوط، من ذلك إدخال تعديلات على قانون تنظيم السجون، وقانون الجنسية، وقانون لجوء الأجانب.

القاهرة - تنشط دوائر حكومية وحقوقية في مصر استعدادا للاستعراض الدوري الشامل أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان الشهر المقبل، وتستهدف التسويق إلى الخطوات التي اتخذتها الحكومة منذ أن تلقت أكثر من مئتي توصية خلال المراجعة السابقة لتحسين سجلها الحقوقي.

ومع تراجع الضغوط الأمنية باتت هناك فرصة لاتخاذ مجموعة من القرارات وتعديل بعض التشريعات التي تصب في صالح الاستجابة للمطالب الدولية، إلى جانب خطوات الانفتاح على قوى سياسية معارضة من خلال الحوار الوطني.

ونظمت البعثة المصرية الدائمة في جنيف، الخميس، لقاء حضره عدد من المسؤولين الحكوميين، في حضور عدد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وبعثات الدول المشاركة في المراجعة الدورية الشاملة، بهدف تسليط الضوء على التجربة المصرية في مجالي الحقوق المدنية والسياسية، وتعزيز التفاعل الإيجابي مع الشركاء الدوليين.

وركز وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي محمود فوزي على قانون الإجراءات الجنائية الذي يناقشه البرلمان حاليا، ومن المتوقع تمريره الأيام المقبلة. وقال إنه جرى تعديل القانون بما يتيح الطعن على الأحكام الصادرة من محاكم الجنايات، وتحدث عن تقليص القانون ذاته للحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطي وتوسيع نطاق تطبيق بدائله، وضمان الحق في التعويض عن الحبس الاحتياطي.

وتطرق الوزير المصري إلى تعديلات قانون تنظيم السجون، وقانون الجنسية المصرية الذي يضمن المساواة بين الجنسين، ونهاية بقانون لجوء الأجانب الذي أقره البرلمان، ويضمن حقوقا لهم ويمنع ترحيلهم القسري أو إعادتهم إلى دول يواجهون فيها خطرا، وكفالته حقهم في التعليم والتملك والرعاية الصحية وممارسة الشعائر الدينية.

أيمن عقيل: تنظيم البعثة المصرية لاجتماع مسبق قبل المراجعة الدورية خطوة مهمة غابت عن المراجعات السابقة
أيمن عقيل: تنظيم البعثة المصرية لاجتماع مسبق قبل المراجعة الدورية خطوة مهمة غابت عن المراجعات السابقة

واستجابت القاهرة لتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي بإدخال تعديلات على قانون العمل الأهلي ونهاية بوضع لائحته التنفيذية قبل ثلاث سنوات، واعتبرت الحكومة أن تحديث التشريعات “نهج أساسي تتبناه مصر، ارتباطاً بالتزاماتها الدولية وبتنفيذ التوصيات التي قبلتها خلال مراجعة ملف حقوق الإنسان الخاص بها أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل“.

وتشارك الحكومة المصرية هذه المرة في المراجعة الدورية الشاملة بعد أن تخلصت من ضغوط قوية كانت تمارس عليها دوليا منذ عام 2013، واستمر ذلك الأمر إلى حين آخر مراجعة دورية، وهذه المرة تستفيد من حالة الاستقرار الداخلي وما ترتب عليها من اتخاذ جملة من الخطوات التي ترى أنها أحدثت تقدما في سجلها الحقوقي، على مستوى إطلاق سراح الآلاف من السجناء، واجتماعات الحوار الوطني.

ولم يعد الرأي العام المحلي خاضعا لتأثيرات التقارير الحقوقية التي توجّه بين الحين والآخر انتقادات للحكومة في ملفات مختلفة، ما مكن دوائر رسمية من السير في الطرق التي تراها مناسبة بشأن تحسين السجل الحقوقي دون أن يصطحب ضغوطا، كما أن تطورات الأوضاع في المنطقة وما تعرض له الفلسطينيون من جرائم إبادة جماعية يجعل الدخول في تفاصيل الملف الحقوقي أمرا هامشيا مع قناعة قطاعات من المواطنين بأن الملف تحركه المواقف السياسية ولا يخضع لمبادئ متفق عليها.

وأكد رئيس “مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان” أيمن عقيل أن تنظيم البعثة المصرية لاجتماع مسبق قبل المراجعة الدورية خطوة مهمة غابت عن المراجعات السابقة، وهدفت إلى أن تكون جزءا من المعلومات المقدمة إلى البعثات الدولية المشاركة في المراجعة من منظمات حقوقية مختلفة أو مفوضيات تعاقدية معنية بأوضاع حقوق الإنسان، لتحسين صورة السجل الحقوقي للدولة قبل المراجعة التي سوف يسفر عنها إصدار توصيات للدولة المصرية في 28 يناير 2025 واعتمادها بشكل نهائي في 31 منه.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الاستعراض الدوري الشامل لا يتوقف فقط على مراجعة التشريعات، والأهم يتمثل في الممارسات ومدى التزام الدولة بتعهداتها السابقة مع صدور توصيات العام 2019، مشيرا إلى أن ملف العمال اللاجئين على الأراضي المصرية كان ضمن توصيات سابقة تحولت إلى تعهد بقبول الحكومة لهذه التوصية.

وأشار إلى أن الأيام الماضية كانت شاهدة على قيام عدد من المنظمات الحقوقية المحلية بإصدار توصيات للدولة قبل انعقاد المراجعة الدورية، بينها توصيات صادرة عن تحالف حقوقي مكون من 38 منظمة محلية تضمنت بضرورة تنفيذ مجموعة من الممارسات على أرض الواقع بينها صدور تشريع موحد لمكافحة العنف ضد المرأة وإنشاء مفوضية مكافحة التمييز باعتبارها التزاما دستوريا، والمطالبة بإصدار قانون تداول المعلومات ووضع المزيد من الضمانات للحد من استخدام عقوبة الإعدام وتقليص عدد الجرائم التي تؤول إليه.

◙ مع تراجع الضغوط الأمنية باتت هناك فرصة لاتخاذ مجموعة من القرارات وتعديل تشريعات تصب في صالح الاستجابة للمطالب الدولية

ويعد الاستعراض الدوري الشامل من أهم الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان غير أنه ليس لديه سلطة على إجبار أي دولة على تنفيذ توصياتها، لكن في حال قبلت الدولة التوصيات الموجهة إليها بشكل كامل فإن ذلك يحول التوصية إلى تعهد ويبقى هناك واجب أخلاقي ودبلوماسي على الدولة كي تنفذ ما قبلت به من توصيات، وأن تنفيذها يعبّر عن تعزيز التعاون بين تلك الدولة والمجلس الدولي لحقوق الإنسان.

وشدد عقيل في حديثه لـ”العرب” على أن القاهرة سيكون لها عديد من النقاط الإيجابية التي سوف تستعرضها أثناء عرض ملفها الحقوقي، وأن الأجواء الدولية قبل المراجعة الدورية تشير إلى المزيد من التراجع على مستوى الاهتمام بتفاصيل الملف الحقوقي، مع الاقتناع الدولي بأن ما حدث من جرائم بحق المدنيين الأبرياء في منطقة الشرق الأوسط أكبر انتهاك حقوقي وأن التعامل معها يجب أن يبقى مسبقا على التوصيات.

وسوّق الوزير محمود فوزي خلال الندوة التي عقدتها البعثة المصرية لمبادرة رئيس الجمهورية بشأن إطلاق الحوار الوطني، كونها جاءت لتعزيز المشاركة السياسية لتحقيق التنمية المستدامة، “انطلاقاً من القناعة بأهمية بناء حوار سياسي شامل، يمكن من خلاله لجميع شركاء الوطن، التعبير عن آرائهم بحرية والمساهمة في صياغة السياسات الوطنية وترتيب أولويات العمل الوطني“.

وذكر المقرر المساعد للجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطني أحمد راغب لـ”العرب” أن تسليط الضوء على التشريعات والإجراءات السياسية ممثلة في الحوار الوطني تساهم في تحسين السجل الحقوقي المصري، وأن المراجعة الدورية الشاملة ترتبط بالسياسات التي اتخذتها الدولة وآليات تنفيذها، وهما ذراعان في أيّ عملية تقييم لسجل حقوق الإنسان، ويمكن ضرب مثال على ذلك بصدور توصية سابقة في المراجعة السابقة بالمساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق المرأة ولتنفيذ ذلك يبقى الأمر في حاجة إلى تشريع يكافح التمييز عبر مفوضية مكافحة التمييز التي لم يتم تشكيلها.

وأوضح أن الحوار الوطني كإجراء يعبّر عن سياسة حكومية غير أن تنفيذ ما خرج عنه من توصيات يعبر الآليات التنفيذية التي اتخذتها الحكومة، لافتا إلى أن جهات حكومية تهدف للاستعداد الجيد للمراجعة لتكون لديها مصداقية دولية والتأكيد على حدوث متغيرات عديدة مقارنة بوضع مصر الحقوقي قبل أربع سنوات، والتأكيد على وجود معوقات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية في تنفيذ بعض التوصيات السابقة.

ولفت إلى أن الانتقادات الموجهة لسجل مصر الحقوقي لها تأثير على طبيعة ما يدور من نقاشات أثناء المراجعة الدورية، لكن تسليط الضوء على المشكلات يهدف إلى إصلاحها، وخفض تصنيف مجلس حقوق الإنسان الحكومي له تأثير سلبي على الملف المصري، إذ أنها آلية وطنية مستقلة لها معايير معينة يجب أن تحافظ على استقلاليتها وعلى الحكومة مراجعة دور المجلس بما يخدم مصالحها.

3