مصر تستنجد بالقانون لفرض إصلاحات جذرية تنقذ التعليم

فضلا عن أن قانون التعليم المعمول به حاليًا في مصر، صدر قبل 35 عامًا، وأضحت مواده لا تستطيع مجابهة الإشكاليات الحديثة، فإن صدور القانون الجديد يمثل بالنسبة إلى وزارة التربية والتعليم، أداة قوية لمواجهة التحديات التي كانت في حاجة ماسة إلى بنود قانونية تستند عليها، في حال أرادت اتخاذ ما يلزم من قرارات بشأن المشكلات العالقة التي أثرت سلبًا على تطوير التعليم، على غرار الدروس الخصوصية وانقطاع الطلاب عن المدارس، وتكرار حالات العنف.
تجريم الدروس الخصوصية
للمرة الأولى في تاريخ التعليم المصري، حظر القانون تقديم الدروس بمقابل مادي خارج المدرسة، ما يعني تجريم الدروس الخصوصية، التي ترهق الأسر المصرية بنحو 1.8 مليار دولار سنويًا، وعند المخالفة، يحول المعلم إلى المحكمة التأديبية وتتم معاقبته ماديًا وإداريًا. بالإضافة إلى حظر استخدام العقاب البدني ضد الطلاب في أي من المدارس الحكومية أو الخاصة.
وارتكن القانون إلى فرض جزاءات صارمة، لأجل ضبط مسار العملية التعليمية، وحدد عقوبة الإبعاد النهائي عن المدرسة لأي طالب تثبت إساءته أو تعديه هو أو ولي أمره على المعلم أو أي من العاملين بالمدرسة أو إتلاف أثاث المدرسة، مع توقيع غرامة مالية عن كل فترة يتغيب فيها من دون عذر عن الدراسة، لمواجهة ظاهرة “مدارس الأشباح”، بسبب عزوف الطلاب عنها.
وتظل الخطوة الأهم، وفقا لآراء الخبراء والتربويين، هي إنشاء مجلس قومي لتخطيط وتطوير التعليم قبل الجامعي، العام أو الفني، يتولى رسم الخطط الاستراتيجية المستقبلية للتعليم وفقًا لفترة زمنية محددة، ومتابعة آلية التنفيذ بعيدًا عن وضع نصاب الأمور في يد وزير التعليم أو فئة معيّنة من المسؤولين.
وقال محمود معروف عضو المجلس الوطني للتعليم لـ”العرب” إن موافقة البرلمان على القانون بجميع بنوده، دون تعديل، ضرورية خاصة أن جميع من لهم علاقة بالتعليم، شاركوا في إعداده، وتم التوافق المجتمعي حوله. معتبرا أن التطبيق الأمثل لمواد القانون يعني القضاء على كل مشاكل التعليم، لأن صانعي القرار كانت أيديهم مرتعشة في اتخاذ قرارات بشأن قضايا بعينها، ما سبب تراكمها واستمرارها لسنوات طويلة.
وما يمثل شعاع الأمل لإحداث نقلة كبيرة في التعليم المصري، أن مجلس التخطيط القومي الجديد، لن يكون مرتبطًا بشخص الوزير ورؤيته نحو التطوير، لأنه سيتألف من ممثلين لقطاعات المعلمين والطلاب ومجالس الأمناء والجامعات والأزهر ونقابة المهن التعليمية، ومنظمات المجتمع المدني والمراكز البحثية التابعة للوزارة والثقافة والبحث العلمي والتخطيط والمالية والاستثمار والخدمات والقوى العاملة والصناعة.. وبعض العلماء المصريين، بالداخل والخارج.
القانون الجديد يلزم الدولة بضمان حصول ذوي الاحتياجات الخاصة على الحق الكامل في التعليم دون تهميش أو إقصاء
اهتمام بذوي الاحتياجات
لأول مرة، يخصص باب كامل، للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث ألزم القانون، الدولة بضمان حصولهم على الحق الكامل في التعليم دون تهميش أو إقصاء أو حرمان من أي نظام تعليمي، مع صرف إعانة شهرية وملابس كاملة للتلاميذ لتحفيزهم على الحضور.
وقال حسين إبراهيم أمين نقابة المعلمين المستقلة، إن مسودة القانون، قضت بشكل كبير على العنف المدرسي، وأنهت عقودًا طويلة من مظاهرات المعلمين للمطالبة بحقوقهم المادية، لا سيما أن القانون أقر زيادة في رواتب المعلمين، والحفاظ على كيانهم، موضحا أنه “لا تعليم دون منح المعلم حقوقه كاملة”.
ويتراوح راتب المعلم في مصر، بين 150 دولارا كحد أدني، و600 دولار كحد أقصى، بعد الوصول إلى درجة كبير المعلمين، وهي آخر درجات الترقي وفقا للقانون الحالي، لكن القانون الجديد أقر زيادات قد تصل إلى مئة بالمئة من أساسي الراتب.
وأضاف أمين نقابة المعلمين المستقلة لـ”العرب” أن المواد التي احتوتها المسودة، تحتاج إلى صانع قرار قوي لتطبيقها، بعيدًا عن المخاوف من رد الفعل حولها، منوها أنه في حال تنفيذ القانون بحذافيره، فإن مصر ستكون في مقدمة الدول الراعية للتعليم، بدلا من أن تتذيل قائمة الدول.
على إثر ذلك، قال هاني كمال الناطق الرسمي باسم وزارة التعليم لـ”العرب” إن القانون الجديد، في مقدمة أولويات البرلمان، وهناك نواب يؤمنون بأهمية وقيمة التعليم تعهدوا بدعمه، حتى يخرج إلى النور في أسرع وقت، فالوضع لم يعد يحتمل التأخير.وأشار إلى أنه سيتم تطبيق القانون دون مهادنة، لأجل تغيير واقع التعليم، والقضاء على المشكلات المتراكمة منذ سنوات، وذلك تماشيا مع الخطط المستقبلية للدولة، مضيفًا “التغيير يحتاج إلى جرأة… ليس لدى الوزارة أي مصلحة في غض البصر عن تنفيذ بنود القانون، على أي جهة أو شخص”.
ورغم التأييد الواضح للقانون في شكله النهائي من غالبية المعلمين والتربويين والباحثين، لكن رضا مسعد أستاذ طرق ومناهج التدريس، استنكر عدم تطرق بنود القانون إلى المناهج التعليمية، التي باتت في حاجة ماسة إلى تعديل جذري، لأجل مواكبة العصر، واصفًا إمكانية تطوير التعليم دون تحديث المناهج، بأنه “ضرب في الميت”.
وأوضح لـ”العرب” أن المجلس القومي لتطوير التعليم، المقرر تشكيله عقب صدور القانون، عليه عبء كبير للبدء في وضع مناهج جديدة، تستهدف نقل الخبرات الدولية في هذا المجال وإرسال بعثات للخارج، وإلغاء نظام الحفظ والتلقين لأي منهج، بحيث تعتمد الدراسة على الفكر والفهم، مع إلغاء كافة الكتب الخارجية وأي شكل من أشكال التعليم الموازي، لاستعادة هيبة التعليم الحكومي.
وفي سابقة أولى، نصت مسودة القانون، على تحديد نسبة 1 بالمئة من ميزانية وزارة التعليم أي ما يعادل 10.5 مليار دولار، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية للبحث العلمي، لتشجيع المبتكرين.
جدير بالذكر، أن التعليم في مصر، يعاني. من تآكل المناهج وتجاهل تدريب المعلمين وغياب خطة استراتيجية حقيقية لتطوير التعليم، وتدني الاهتمام بالأنشطة التربوية.