مصر تستعين بالمناهج التعليمية لوقف أزمة الانفجار السكاني

تدريس الصحة الإنجابية يقضي على سلوك توارثته الأجيال السابقة.
الاثنين 2021/07/12
تنظيم النسل بات ضرورة

لم تفلح الفتاوى الدينية التي تبيح تنظيم النسل ولا الحملات الدعائية التي تحث الناس على خفض الإنجاب، ولا حتى خفض الدعم للأسر التي لا تلتزم بإنجاب طفلين فقط، في إقناع الأهالي بخطورة الزيادة السكانية، ما جعل الحكومة المصرية تفكر في الاستعانة بالمناهج التعليمية لوقف أزمة الانفجار السكاني. وسيمكن تدريس الصحة الإنجابية الشباب من التخلي عن فكرتي “العزوة” والتعامل مع كثرة الإنجاب باعتباره بابا للرزق والمكسب المادي.

القاهرة – أظهر اتجاه مجلس النواب المصري لإقرار مقترح يقضي باستحداث مناهج خاصة بالصحة الإنجابية ضمن محاولات السيطرة على الزيادة السكانية أن الحكومة أخفقت في اختراق الجمود الفكري الذي يعتري عددا كبيرا من الأسر، ورفضها التماهي مع خطط خفض معدلات الإنجاب للحفاظ على ما تحقق من أهداف تنموية ومشروعات قومية تتآكل تدريجيا أمام الانفجار السكاني.

ولم تترك الحكومة بابا إلا طرقته، فهي التي استعانت بالفتاوى الدينية التي تبيح تنظيم النسل وأطلقت حملات دعائية لحث الناس على خفض الإنجاب ولوّحت بورقة خفض الدعم للأسر التي لا تلتزم بإنجاب طفلين فقط، ودربت ما يسمى بـ”الرائدات الريفيات” لإقناع الأهالي بخطورة الزيادة السكانية، لكن كل هذه المسارات لم تحقق الغرض منها إلا بنسب ضئيلة.

يبدو أن الاستعانة بالمؤسسات التعليمية سوف تكون السلاح الأهم في يد الحكومة بإصلاح أفكار أرباب أسر المستقبل، وهم الطلاب تجاه فكرة الإنجاب، بعدما أثبتت التجارب أن هناك صعوبات بالغة في إقناع الآباء والأمهات والأجداد بحتمية الاكتفاء بعدد محدود من الأبناء والتخلي عن فكرة “العزوة” والتعامل مع كثرة الإنجاب باعتباره بابا للرزق والمكسب المادي.

وظل إدراج الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية فكرة مطروحة للنقاش منذ فترة، لكن بعض دوائر صناعة القرار لم تحبذ تطبيقها لأسباب ترتبط بإبعاد المؤسسات التعليمية عن إقحام نفسها في التخديم على خطط الحكومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومع غياب البدائل جرى فتح الملف وسط تأييد من أعضاء البرلمان.

وتستهدف الحكومة من وراء الخطوة أن يتم إدراج منهج تعليمي يختص بتثقيف المراهقين والشباب حول الإنجاب وتعريفهم بأن السعادة ليست بكثرة الأبناء، بل إن الاكتفاء بعدد محدود (اثنان أو ثلاثة) أحد أهم أركان الحياة الأسرية المستقرة، بحيث تكون لدى الأب والأم القدرات والإمكانيات لتربية أولادهما وتعليمهم وتلبية احتياجاتهم بعيدا عن العوز وقلة الحيلة.

الاستعانة بالمؤسسات التعليمية، السلاح الأهم في يد الحكومة لإصلاح أفكار أرباب أسر المستقبل تجاه فكرة الإنجاب

ويظل الهدف الأهم من الخطوة أن يحصل أرباب أسر المستقبل على معلوماتهم بشأن الإنجاب بعيدا عن الأفكار القديمة التي يزرعها الآباء في الأبناء بحثهم على زيادة النسل وترك الأرزاق على الخالق، وأن تنظيم الأسرة من المحرمات، والأخطر مطالبتهم باستمرار الإنجاب لحين وصول “الابن الذكر” الذي يحمل اسم والده ويحافظ على نفوذ وسمعة العائلة.

ويرى مؤيدو الخطوة أن تزويد المراهقين والشباب بمعلومات عصرية حول الإنجاب سيكون كفيلا بتمردهم على الواقع الذي قد يفرضه الآباء والأجداد عليهم، لأن زيادة المواليد غالبا ما تكون مفروضة على الأبناء، خاصة في البيئات الريفية والشعبية والمناطق التي تبالغ في التمسك بالعادات والتقاليد، ويبدو نفوذ الأسرة فيها مرتبطا بعدد الأولاد، الذكور تحديدا.

وقال عمرو حسن مقرر المجلس القومي للسكان بمصر سابقا، إن عدم التزام الكثير من الأسر بتنظيم الأسرة يرتبط بارتفاع منسوب الأمية المجتمعية بين السكان، وهنا تأتي ميزة المنهج التعليمي المتخصص في شرح أبعاد الإنجاب والأسس العلمية التي يقوم عليها، ولماذا يجب الاكتفاء بعدد معقول من الأبناء عبر ذكر أسانيد مقنعة وأدلة تتناسب مع عقلية المراهقين.

وأضاف لـ”العرب” أن ميزة التثقيف المبكر للشباب بشأن الإنجاب أنه يقطع الطريق على المتشددين الذين زرعوا في أذهان الناس أن تنظيم الأسرة من الكبائر، وهو اعتداء على إرادة الخالق، وهذه مفاهيم خاطئة، ومازال قطاع كبير من الأهالي غير مقتنع بأن خفض معدلات الإنجاب مع زيادة الفقر يقي الصغار مغبة الحرمان من حقوقهم.

ويعتمد دعاة التحريض على خفض معدلات الإنجاب على زيادة نسبة الأمية، لكنهم يجدون صعوبة بالغة في التأثير على الشريحة المتعلمة بشكل عصري، والمشكلة أن خطاب المؤسسات الدينية بات ضعيفا في التأثير على قرارات الناس بشأن تنظيم الأسرة، في حين أن شيوخ السلفية ومن على شاكلتهم لديهم طريقة في الإقناع تجعل الناس يثقون في آرائهم دون تفكير.

عمرو حسن: تثقيف الشباب بشأن الإنجاب يقطع الطريق على المتشددين
عمرو حسن: تثقيف الشباب بشأن الإنجاب يقطع الطريق على المتشددين

وسبق لمنظمة الصحة العالمية عندما تطرقت إلى أزمة الزيادة السكانية المطردة في مصر أن حذرت من استمرار تعامل الكثير من الأسر مع القضية من منظور عقائدي، وذكرت أن هناك شريحة تعزف عن استخدام وسائل منع الحمل والالتزام بتنظيم الأسر في تحديد النسل، استنادا لموروثات دينية قديمة صارت جزءا من تقاليد الناس.

ورأت بثينة عبدالرؤوف عضو معهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة سابقا أن تطرق المناهج التعليمية للقضايا الأسرية الملحة صار ضرورة حتمية، حتى لا تتحول قناعات الآباء القدامى إلى دستور يسري على كل الأبناء مستقبلا، من حيث الفكر والعادات والتقاليد والموروثات، في حين أن المناهج بإمكانها توسيع مدارك المراهقين والشباب وتأهيلهم لتكوين أسرة مستقرة.

وأوضحت لـ”العرب” أن ثقافة ما يوصف بـ”العزوة” بين الكثير من الأسر المصرية تصعب مواجهتها بخطاب إعلامي أو فتوى دينية بعيدا عن دحضها بفكر عصري، من خلال منهج تعليمي متحضر يحاول تغيير قناعات الشباب حيالها مع التصدي للنظر إلى إنجاب الفتيات باعتباره نكبة أسرية، وهذا أيضا بحاجة إلى تثقيف الأجيال المعاصرة والمستقبلية بفكرة المساواة بين الجنسين.

وبعيدا عن هذه المزايا، فالتأهيل المبكر للمراهقين بشأن وسائل الإنجاب والتعامل مع هذه القضية من منظور إنساني عصري بحت يحرر الأجيال الصاعدة من أن تستمر أسيرة لعادات بالية، لأن أغلب الشباب يحصلون على معلوماتهم بشأن الصحة الإنجابية بطريقة عشوائية من الأقارب والأصدقاء ومن لهم تجارب سابقة دون مراعاة لاختلاف الظروف والزمان.

ويؤسس التعامل بحكمة مع الإنجاب وتنظيم الأسرة لعلاقة زوجية ناجحة خالية من الضغوط والأزمات والصراعات حول التربية والمتطلبات اليومية وغيرها، ويمد أرباب أسر المستقبل من خلال المناهج بمعارف ومهارات ومفاهيم يصعب الحصول عليها بشكل علمي سليم، والوصول لسن الزواج مع الجهل بالحياة الأسرية السليمة يؤسس لعلاقة هشة.

ولفت حسن إلى أن الفتاة التي تتثقف بتعمق حول الإنجاب خلال فترة تعليمها لن تقبل الخضوع لرغبات عائلتها، بل ستحدد عدد الأبناء وفق ظروفها وحياتها الزوجية وخصوصية علاقتها بشريك حياتها والشاب كذلك لن ينصاع لضغوط والديه وسيكون قادرا على تحديد شكل وتكوين عائلته بناء على توافق تام مع زوجته، بشكل علمي ومدروس.

ومهما كان محتوى المنهج التعليمي الخاص بالصحة الإنجابية فسيكون قادرا ولو بشكل نسبي على انتقال دفة التربية والنصائح من الأسرة إلى المؤسسة التربوية لتصبح المدارس بمثابة الكيان التوعوي الذي يصحح الأفكار العقيمة التي تتوارثها الأجيال عن جهل وتطبقها بحذافيرها، ما يوفر على الحكومة الوقت والجهد في تغيير قناعات من يقدسون العزوة.

21