مصر تستبدل حالة الطوارئ بتعديلات في قانون الإرهاب

القاهرة - أدخل البرلمان المصري مجموعة من التعديلات على قوانين مكافحة الإرهاب وحماية المنشآت الحيوية بعد أسبوع من إلغاء حالة الطوارئ في البلاد، ما يعني أن هناك مخاوف أمنية من تهديد التنظيمات المتطرفة التي هدأت عملياتها الأشهر الماضية، وعبرت التعديلات الجديدة عن إمكانية فرض إجراءات استثنائية.
ومنحت تعديلات قانون مكافحة الإرهاب التي وافق عليها مجلس النواب الاثنين رئيس الدولة “الحق في اتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تتجاوز ستة أشهر في حال وجود خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتبت عليها كوارث بيئية”.
وقالت مصادر أمنية لـ”العرب” إن التعديلات وسيلة لتحصين المكتسبات الأمنية في سيناء والحفاظ على حالة الهدوء، على الرغم من استمرار عوامل التهديد التي تجعل هناك فرصة لعودة نشاط التنظيمات المتطرفة التي يتطلب التعامل معها خطوات صارمة تمنح الحق لأجهزة الأمن اتخاذ ما يلزم، وتعطي إشارات على أن إلغاء حالة الطوارئ لن يكون على حساب فاعلية المواجهة مع الجماعات الإرهابية.
وأوضحت المصادر ذاتها أن سرعة إقرار التعديلات هي خطوة استباقية بناء على معلومات أكدت استمرار الدعم الخارجي للعناصر الخاملة في سيناء، كذلك الوضع على الحدود الغربية مع ليبيا.
وطالت التعديلات “قانون تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية” التي أتاحت لقوات الجيش مشاركة عناصر الشرطة تأمين محطات وشبكات الكهرباء وخطوط الغاز والبترول وغيرها من المنشآت العامة، بصورة دائمة ودون التقيد بفترة زمنية محددة، على أن تخضع “كافة الجرائم التي ترتكب في تلك المنشآت وما يدخل في حكمها تأمينا فعليا لاختصاص القضاء العسكري”.
وواجه هذا التعديل اعتراضا من جانب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض)، وطالب بتواجد القوات المسلحة مؤقتا لحين زوال أسباب الخطر، وشدد على أن تأمين المنشآت لا بد أن يكون من اختصاص الشرطة المدنية، لأن التعديلات تتناقض مع حالة الاستقرار الأمني التي تشهدها البلاد وتعطي صورة سلبية غير حقيقية عن الأوضاع في البلاد.
ويتخوف حقوقيون من أن يكون إطلاق لفظ المنشآت العامة دون تحديدها قد يمهد لمحاكمة مدنيين أمام القضاء العسكري حال حدثت مشكلات على الطرق العامة أو داخل محطات الوقود، ويقر التعديل هذا الوضع بصفة دائمة بعد أن كان مؤقتا لمدة عامين ثم خمسة أعوام، والآن تريد الحكومة إقراره بصفة دائمة.
وبدت الهواجس الأمنية مسيطرة على توجهات الحكومة وأن مساعي الانفتاح والتخلص من تقييد الحريات العامة تثير مخاوف أجهزة اعتادت على أن تعمل وفق إجراءات استثنائية، وقد لا تكون قادرة على الانتقال إلى الحالة الطبيعية، وتعبر عن توجهات عامة تسير نحو الانفتاح ببطء خشية حدوث مشكلات أمنية مفاجئة.
وقال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري، اللواء يحيى الكدواني إن البرلمان تعامل مع الوضع الطبيعي الذي تكون فيه مواجهة الإرهاب من خلال القوانين المدنية العادية، ما يتماشى مع حالة الاستنفار الأمني التي تشهدها البلاد في اتجاهات استراتيجية مختلفة، ويفرض تذبذب الأوضاع الأمنية في بعض المناطق اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تسهل التعامل مع التنظيمات الإرهابية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة لديها رغبة في تحصين خطواتها التنموية وتحقيق الانتقال السلس نحو تدشين العاصمة الإدارية الجديدة، وجاءت التعديلات ضمن حزمة قوانين مرتبطة بضبط الأوضاع في الشارع، بينها قانون المرور، في ظل مخاوف من استغلال عناصر جنائية أو متطرفة رفع حالة الطوارئ.
واستجابت القاهرة لضغوط مارستها منظمات حقوقية وقوى دولية لإلغاء حالة الطوارئ، وليس لديها موانع ضد المزيد من الحريات على مستوى الممارسة السياسية في ظل ضعف المعارضة التي لا تشكل خطرا.
وترفض أن تقدم تنازلات على مستوى خطواتها الأمنية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وتدرك أن المعركة لها أبعاد إقليمية، وهو ما يفسر الحجم الهائل من القوانين والمواد المرتبطة بالكيانات الإرهابية ومكافحة الإرهاب.
ومن المتوقع أن تواجه الحكومة انتقادات على مستوى المنظمات الحقوقية الدولية التي طالما اعتبرت قانون مكافحة الإرهاب يؤدي إلى تآكل إضافي لحقوق الإنسان وزيادة الاعتقالات وقمع أوسع لحرية التعبير وتكوين الجمعيات الأهلية والتجمع السلمي.
وتحاول القاهرة أن تسير في خطوات متوازية بين فسح المجال أمام الأحزاب المدنية المعارضة للتواجد على نحو أكبر وإتاحة حرية الحركة أمام كوادرها وبين تشديد إجراءات مواجهة العنف المحتمل والحفاظ على الحالة الأمنية التي تمكنها من ضبط الأوضاع حال وجود انفلات أو فوضى في الشارع.
وعقدت أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، وتضم أربعة أحزاب معارضة، التي جمدت أعمالها منذ نحو عامين، أول اجتماع لها السبت الماضي وطالبت باستكمال إخلاء سبيل معارضين وتعديل قوانين الحبس الاحتياطي وفتح المجال العام.
وشددت على ضرورة تصفية الأوضاع والتدابير الاستثنائية التي تتناقض مع المعايير المتعارف عليها للمجتمع الديمقراطي، القائم على الحق في التعددية والتنوع.
وأوضح رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان في جنيف أيمن نصري لـ”العرب” أن توجه البرلمان يشير إلى أن الهدف الأمني يتمثل في الحفاظ على هدوء المناطق المضطربة وغير المستقرة نسبيا حتى الآن، مع إتاحة المجال على نحو أكبر للعمل المدني، ومهمة تأمين الداخل تمت بنجاح بإلغاء حالة الطوارئ لكن هناك مخاوف من أخطار مازالت تشكل تهديدا في المناطق الساخنة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن التعديلات لا تشكل تحايلا على إلغاء حالة الطوارئ لأن الدولة لديها الحق في تأمين عناصرها المسؤولة عن فرض الأمن، وتحمي المكتسبات التي تحققت في جزء كبير من سيناء.
وتعبر هذه المسألة في الوقت ذاته عن أن الدولة لم تصل إلى الحالة الأمنية المستقرة بنسبة مئة في المئة ومازالت الدولة بحاجة لتدابير احترازية من دون العودة لحالة الطوارئ لأن التعديلات تحمل صفة الاستمرارية ما يعني الاعتماد عليها إلى حين حصول تقدم أمني أكبر يدفع للتخفيف منها.