مصر تحيل التوك توك على التقاعد وسط مخاوف من صدام مع العاطلين

القاهرة - تعمل الحكومة المصرية على التخلص من التوك توك لدواع أمنية وتنظيمية وهو القرار الذي رحب به الكثير من المصريين، لكنه يشكل مشكلة للعاطلين الذين اتخذوا من التوك توك مصدر رزق لهم طيلة السنوات الماضية.
وشكّلت وزارة التجارة والصناعة لجنة تعمل على إعداد مشروع يقضي باستبدال التوك توك بسيارات صغيرة تعمل بالغاز الطبيعي، على أن يتم الانتهاء من الخطة خلال شهرين، بعدها تبدأ الحكومة اتخاذ خطوات فعلية للتطبيق.
وأصبحت مركبات التوك توك جزءا من حياة عدد كبير من المصريين والوسيلة الأسهل لتنقلات البسطاء في الشوارع التي يصعب على السيارات التقليدية الوصول إليها، وتمثل سياقتها بالنسبة إلى الأسر الفقيرة الوظيفة المثالية لأبنائها القابعين في البيوت دون عمل.
ويرى مراقبون أن التحرك الحكومي تجاه هذه المركبات يتطلب قدرا من الحكمة السياسية والمرونة في التطبيق، لأن المجازفة بالصدام الذي لا يتأسس على أرضية من الإقناع مع شريحة كبيرة لا تمتلك البديل المناسب قد تكون لها تداعيات خطيرة.
3
ملايين مركبة توك توك تعمل في المدن المصرية أغلب سائقيها من المراهقين
ولخّص شاب عشريني يعمل سائق توك توك ويدعى محمد عباس مخاطر القضاء على المركبة في أن ذلك يتسبب في زيادة أزمة البطالة وبحث بعض الشباب عن مصادر دخل بطريقة غير شرعية، معترفا بأن عمل الصبية أضر بصورة سائقي “التكاتك” وجعلهم في نظر الناس خارجين عن القانون وتجار مخدرات ولصوصا وبلطجية.
وقال عباس في تصريح لـ”العرب” “إنهم (يقصد المسؤولين ومؤسسات الحكومة) تركونا نعمل بشكل عشوائي لسنوات، والآن يحاولون القضاء علينا، والمشكلة ليست في التوك توك بل تكمن في طريقة إدارته من جانبهم، حيث يسير به الأطفال أمام أعين الشرطة”.
وترى الحكومة أن مركبات التوك توك الآن تعكس حالة الفوضى والعشوائية والخروج عن القانون، وهي مظاهر تسعى للقضاء عليها بسبب تداعياتها السلبية على صورة الحكومة وقدرتها على الضبط والنظام.
وتوجد في مصر قرابة ثلاثة ملايين مركبة توك توك وأغلب سائقيها من المراهقين، ويشكل هؤلاء أزمة أمنية واجتماعية؛ فالكثير من جرائم السرقة والقتل والاغتصاب والحوادث المرورية المروعة يتم ارتكابها من خلال هذه المركبات.
ودخلت مركبة التوك توك مصر قادمة من الهند في أواخر نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث كانت الحكومة آنذاك تبحث عن مخرج لحل أزمة البطالة، وبمرور الوقت صارت المركبة المصدر الأول لتوظيف مئات الآلاف من الشباب، فهي زهيدة السعر مقابل عائد شهري يتجاوز 200 دولار.

وقالت المعلمة نادية محمد إن بعض الطلاب المسجّلين في المدرسة التي تباشر فيها التدريس في المرحلة الإعدادية يعملون سائقي توك توك، وعندما سألت أحدهم ذات يوم عن السبب أجابها بطريقة أثارت صدمتها إذ قال “لأن محصلاتي الشهرية أكثر من راتبك، لماذا أرهق نفسي في التعليم لسنوات لأتقاضى نفس المبلغ”.
ويحصل المعلم الذي يعمل في الجهاز الإداري للدولة لمدة 15 عاما على 2500 جنيه شهريا (حوالي 170 دولارا)، وهناك الكثير من الوظائف الحكومية التي يتقاضى شاغلوها رواتب قريبة من هذا المبلغ، ما أصاب شريحة كبيرة من الشباب بالإحباط وعدم الاهتمام بفكرة التعليم أو حتى إرهاق النفس في امتهان حرفة.
وتحدث مصطفى مدبولي رئيس الحكومة المصرية عن شكوى أصحاب المصانع والشركات من غياب العمالة ورفض الشباب التقدم إلى المهن الحرفية، وهي حقيقة يكشف عنها تفضيل مئات الآلاف من الشباب للتوك توك عن العمل في القطاع الخاص والمهن اليدوية.
وتغذي الكثير من الأسر البسيطة هذه القناعات، وتدبر لأولادها ثمن شراء التوك توك حتى لو تطلب الأمر الاقتراض والاستدانة، بحيث تمثل هذه المركبة للابن العاطل أو المتكاسل امتهان حرفة، وذلك من خلال إنشاء مشروع خاص يمكّنه من الإنفاق على نفسه وأسرته.
وقال اللواء محمد نورالدين مساعد وزير الداخلية الأسبق إن “التوك توك وصمة في جبين الدولة، ويعكس مظاهر الفوضى والارتباك، ويشكل وسيلة ضغط غير عادية على أجهزة الأمن بسبب الجرائم التي ترتكب من خلاله”.
ولفت نورالدين في تصريح لـ”العرب” إلى أن “هذه المركبة كرست لدى شريحة كبيرة من الشباب فكرة التواكل وسرعة المكسب وعدم إرهاق النفس في الالتحاق بفرصة عمل أو امتهان حرفة، ما انعكس سلبا على التنمية وعشوائية الاقتصاد، فأي أسرة لديها توك توك تجمع ثمنه في عام واحد، حتى أصبح مشروعا مهما للكادحين”.
ويصعب فصل الهجمة الحكومية على أسراب “التكاتك” عن اختراقها الحاجز المسموح لها بالعمل في مناطق شعبية غير ممهدة وانتشارها في أحياء راقية تجاهد الدولة لعدم إصابتها بوباء العشوائية.
وأخفقت وزارة المالية في إخضاع مركبات التوك توك للضريبة ضمن محاولاتها إخضاع أي اقتصاد غير رسمي لها، ما يعني أن إشهار البطاقة الحمراء في وجه التوك توك لأهداف اجتماعية وأمنية لا ينفصل عن وجود أبعاد اقتصادية.