مصر تتجه إلى غاز قبرص تحسبا من وقف إسرائيل إمداداتها

التوترات لا تعيق جهود القاهرة لجلب الاستثمارات في الطاقة.
الخميس 2025/02/20
تنويع الشراكات شعار المرحلة في مصر

تسارع مصر إلى سد الثغرات التي من الممكن أن تستثمرها إسرائيل في الضغط عليها سياسيا لنزع تنازلات منها في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومن بين تلك الثغرات ملف الغاز.

القاهرة - أكد اتفاق مصر وقبرص بشأن نقل الغاز الطبيعي من حقول الثانية إلى محطات الإسالة في الأولى أن القاهرة تتحسب من انعكاس تشعب التوترات في منطقة الشرق الأوسط على علاقاتها بإسرائيل، والتي هي مورد رئيسي للطاقة لمصر.

ويدعم الاتفاق الجديد بين مصر وقبرص توجهات القاهرة الرامية إلى تنويع الحصول على مصادر الطاقة كي لا تكون أزمات نقص الغاز وانقطاعات الكهرباء في البلاد مدخلاً للضغط عليها في ملفات سياسية وأمنية معقدة من جانب إسرائيل.

أحمد قنديل: ما يحدث من توتر لن يثني جهود الحفاظ على الاستقرار
أحمد قنديل: ما يحدث من توتر لن يثني جهود الحفاظ على الاستقرار

ووقعت شركتا “شيفرون” و”إيني”، الاثنين، بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره القبرصي نيكوس خريستودوليدس، اتفاقيتي تعاون لنقل الغاز الطبيعي بالحقول القبرصية “أفروديت” و”كرونوس” إلى مصر، واستخدام بنيتها التحتية لمعالجة وتسييل الغاز، بما يسمح بتصديره إلى أوروبا.

 وكشفت شركة “شيفرون” التي تدير حقلَي غاز رئيسيين في إسرائيل أن الإنتاج فيهما سيرتفع بنسبة 25 في المئة العامين المقبلين، وبنحو 50 في المئة بحلول عام 2030.

وتسعى القاهرة إلى  إرساء مبادئ تعاون مشترك مع دول دشنت معها شراكات على مستوى إمدادات الطاقة، وترفض توظيف إسرائيل ذلك في القضية الفلسطينية.

وقال رئيس وحدة العلاقات الدولية وبرنامج الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد قنديل إن مصر وقبرص عضوان بارزان في منتدى غاز شرق المتوسط، وحريصتان على أهمية التعاون في مجال الطاقة للحفاظ على موارد الغاز المستكشف في الحقول القبرصية وتوظيفه بالقدر الأمثل لسد احتياجات السوق المصري أو تصديره للخارج.

وأضاف قنديل في تصريح لـ”العرب” أن للاتفاق دلائل مهمة، فرغم عدم الاستقرار في غزة واستمرار التوتر في لبنان، ومحاولات اليمين الإسرائيلي تقويض السلام وتوسيع دوائر الصراع في المنطقة، إلا أن هناك رغبة من جانب مصر ودول أخرى لإرساء قواعد السلام، وما يحدث من توتر لن يثني جهود الحفاظ على أطر عامة للاستقرار.

بشير عبدالفتاح: القاهرة تخشى من استخدام الطاقة كأداة ضغط عليها
بشير عبدالفتاح: القاهرة تخشى من استخدام الطاقة كأداة ضغط عليها

وأشار إلى أن مصر تؤكد وجود ثقة من العالم باستقرار أمنها، وهو ما عكسته مشاركة شركات كبيرة في الطاقة العالمية في الاتفاقيات الجديدة وسط التوترات الحالية والأعمال العدائية، مع طرح قضية التهجير التي قد تؤدي إلى تقليص دعائم السلام.

كما أن انفتاح القاهرة على قبرص يشير إلى أن إمدادات الغاز من إسرائيل لا تشكل ضغطا عليها، فليس أمام تل أبيب من بديل لإسالة الغاز وتصديره سوى عبر مروره إلى مصر.

ويوجد في مصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول في إدكو، شمال البلاد، وتملكه الشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، ويضم وحدتين للإسالة بطاقة استيعابية تصل إلى نحو 1.35 مليار قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي، والآخر في دمياط (شمال البلاد أيضا) وتملكه شركة “إيني” الإيطالية والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”، وهيئة البترول، ويضم وحدة واحدة فقط بطاقة تصل إلى نحو 750 مليون قدم مكعبة يومياً.

وتوفر مصر احتياجاتها من الغاز الطبيعي عبر ثلاثة مصادر، الأول: إنتاج حقول الغاز المصرية، والثاني: إمدادات الغاز الطبيعي من إسرائيل وتأتي عبر أنابيب، والثالث من خلال التوسع في الغاز القبرصي.

وأكد الخبير في العلاقات الدولية بشير عبدالفتاح أن الاتفاق مع قبرص يصب في صالح استكمال مسيرة للتعاون بين البلدين بدأت منذ عشر سنوات، ومن غير المستبعد أن تنشط القاهرة حركة تعاونها مع دول أخرى لتنويع مصادر الطاقة كأسلوب دفاعي مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تحدث فيها عن تغيير وجه الشرق الأوسط بما يتعارض مع أسس الأمن القومي المصري.

رمضان أبوالعلا: الإمكانيات اللوجيستية تجعل مصر قادرة على تنويع مصادر الطاقة
رمضان أبوالعلا: الإمكانيات اللوجيستية تجعل مصر قادرة على تنويع مصادر الطاقة

وأوضح عبدالفتاح في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تخشى من استخدام الطاقة كأداة ضغط عليها وتسعى لتوفير احتياجات كبيرة خاصة من الغاز الطبيعي دون أن تجد نفسها مرغمة للاعتماد على الغاز الإسرائيلي، الأرخص مقارنة بمصادر توريد غاز من دول أخرى، وتستوجب دواعي أمن الطاقة التعامل مع تصاعد حدة التوترات.

وتلتزم القاهرة بمبادئ القانون الدولي وتتبع منهجا دبلوماسيا رشيدا في سياساتها الخارجية، وقد تسير في مسارات خشنة لحماية أمنها القومي، في ظل اتجاهات متسارعة تستهدف تقويض النظام القائم في المنطقة، ما يجعلها تبحث عن التنوع في مصادر الطاقة والتسليح والغذاء كي تستطيع التعايش مع الواقع الجديد.

وتمكن الاتفاقية الأولى التي وقعتها مصر مع قبرص وتتعلق بحقل “كرونوس” من نقل الغاز إلى محطات معالجة الغاز الموجودة بحقل “ظهر” في شرق البحر المتوسط وتُشغله “إيني”، وسيتم نقل الغاز لاحقًا إلى محطة “دمياط” للإسالة، تمهيدًا لتصديره.

وتتعلق الاتفاقية الثانية بحقل “أفروديت”، وتشمل توجيه الغاز إلى مصر للاستخدام محليًا أو إعادة توجيهه مُسالًا إلى أوروبا، لكن الإنتاج الفعلي من حقل “أفروديت” لن يبدأ قبل فترة تتراوح بين أربع إلى خمس سنوات، وهي المدة اللازمة لبناء البنية التحتية لإنتاج الغاز، حسب تقديرات معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

وذكر خبير الطاقة الدولي رمضان أبوالعلا أن الإمكانيات اللوجيستية لدى مصر تجعلها قادرة على تنويع مصادر الطاقة، ولا توجد وسيلة لتصدير الغاز المستخرج من مياه شرق المتوسط إلى أوروبا سوى عبر محطات الإسالة المصرية حاليا، وهناك مكاسب مشتركة بين القاهرة ونيقوسيا، فالثانية تستطيع تصديره عبر إسالته في محطات مصرية ثم نقله عبر المحطات العملاقة إلى أوروبا، والأولى تحصل على نسبة مقابل المرور عبر أراضيها ورسوم التسييل، ويعزز في النهاية من ثقة شركات الطاقة الدولية للعمل في مجالات اكتشافات البترول والطاقة داخل مصر.

ولفت أبوالعلا في تصريح لـ”العرب” إلى أن وجود مصادر طاقة متعددة ينطوي على رسالة لإسرائيل قد تمنعها من تقليص إمداداتها لمصر، والتي لا تريد الوقوع مرة أخرى في مشكلات شح الطاقة، كما حدث العام الماضي بعد أن أخذت خطوات مهمة نحو تسديد ديون الشركات الأجنبية العاملة على أراضيها واسترجاع معدلات الإنتاج اليومي من حقل ظهر، حيث هبطت بنسبة 40 في المئة نتيجة لتعرضه لمشكلات تقنية.

2