"مشوار الونش" يعيد إنتاج قضايا اهتمت بها الدراما المصرية

تكشف المسلسلات المصرية المنتجة في الفترة الأخيرة أن الدراما تشكو من ضعف القصص والسيناريوهات، حيث يضطر المنتجون لإعادة تقديم أعمال ومواضيع قديمة لطالما تطرقت إليها الدراما المصرية بمعالجة جديدة، لا تقدم الإضافة وإنما تسلط الضوء على مدى الضعف والتشتت اللذين أضرا بهذا القطاع.
القاهرة - تدور الدراما المصرية في فلك أعمال اجتماعية تحظى بنسب متابعة مرتفعة حققت نجاحاً وتتماشى مع حركة سوق إنتاج تولي اهتماماً بالأعمال التجارية، ما يحقق أهدافا عدة، لكن الاستغراق فيها بلا أفق لمناقشة أزمات تشغل تفكير شريحة كبيرة من المواطنين يجعل البعض منها أشبه باستنساخه من أعمال سابقة.
ويسلّط مسلسل “مشوار الونش” المعروض حاليا على قناة “الحياة” المصرية الضوء على هذه المشكلة، لأن قصته التي تدور حول مشكلات تجابه رجل أعمال عصامي بعد أن حقق نجاحاً اقتصاديًا اصطدم بأزمات متباينة، جرت معالجتها في أعمال تناولت قصصا مماثلة، ولا يكاد يخلو محتوى من شخصيات شبيهة ضمن الحبكة الدرامية.
ويثير تكرار القضايا وزوايا النقاش التي تركز غالبا على عقبات تجابه رجال الأعمال دون اهتمام بالمشكلات التي واجهتهم في أثناء رحلة صعودهم تساؤلات حول أسباب إعادة إنتاج هذه القصص، وما إذا كان هناك توجيه محدد نحو التركيز على قضايا بعينها دون أخرى يعج بها المجتمع المصري، مع حدوث اختلاف كبير في التركيبة السكانية التي هي بحاجة إلى رؤى فينة جديدة تقدم لها معالجات تُثري الدراما.
ينتمي المسلسل الاجتماعي – الكوميدي “مشوار الونش” إلى نوعية الأعمال الطويلة، فهو ذو 45 حلقة، ويدور حول رجل أعمال يتاجر في الأدوات الصحية ويدخل في صراعات مع الآخرين في العمل ويتعرض لمحاولة اغتيال ومشكلات بشأن كيفية إدارة علاقاته الأسرية التي تتمخض عنها مشكلات زوجية عديدة.
يبدو العمل مقتبسا في فكرته الرئيسية من مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي” بطولة الراحل نور الشريف. فشخصية “حسن” التي يجسدها محمد رجب الذي بدأ عمله من الصفر بلا مساعدة من أحد وحصل على شهادة متوسطة، بينما زوجته “كاميليا” وتجسدها الفنانة منة فضالي طبيبة تجميل جميلة ومشهورة تنتقد طريقة كلامه وملابسه، وتشعر بأنها كانت تستحق زوجًا أفضل منه.
يشير تسلسل الأحداث إلى أن “كاميليا” اضطرت للزواج من “حسن” لأنه أنقذها من حالة الفقر التي عاشتها، حيث كان والدها يعمل معه، وبينما هي طالبة في كلية الطب ساعدها حسن في دفع مصاريف تعليمها، وكان وسيلتها للانتقال إلى مستوى مادي مرتفع.
مرت بهما الحياة وأنجبا طفلة، ثم أصبحت العلاقة بينهما متأرجحة، في أوقات يسود الرضا والحب والسكينة، وفى أوقات أخرى تدب الخلافات والمشاكل والشكوك.
يشارك في بطولة العمل محمود عبدالمغني، وميرهان حسين، ودانا حلبي، ومحسن منصور، وإيهاب فهمي، ومحمد أبوداود، وميمي جمال، وهاجر الشرنوبي، وحنان سليمان، وعدد من الفنانين والفنانات، وهو من تأليف أحمد عبدالفتاح وإخراج إسماعيل فاروق.
ولا تعاني الدراما من توجيه محدد في القضايا أو الموضوعات المطروحة، لكن الأزمة تتمثل في وجود محددات تتحكم في السوق، في القلب منها طريقة اختيار الأعمال المقدمة التي تخضع لتوجهات النجوم وأبطال العمل الذين يختارون مناطق آمنة يتحركون فيها لتقديم أعمالهم، بجانب البحث عن قضايا تقدمهم للجمهور بالصورة التي يرغبون فيها.
وكانت القضايا المثارة في السابق حول أعمال غاصت في أزمات العشوائيات تعرضت لانتقادات، كما هو الحال في الزوبعة التي أثارها فيلم “ريش” قبل عامين، أو كما حدث مع مسلسلات جرى تحميلها مسؤولية انتشار أعمال العنف والبلطجة، ما جعل البعض من القائمين على الأعمال الحالية أكثر ميلا إلى أعمال اجتماعية مأمونة ويمكن وصفها بأنها تقليدية، وتعيد إنتاج مشكلات قدمتها الدراما من قبل.
يمكن القياس على ذلك بالمسلسلات التي تناقش قضايا المرأة ومشكلاتها والتي أخذت في التوسع بشكل كبير العام المنقضي من خلال مجموعة من الأعمال أبرزها: “إلا أنا” بحكاياته المختلفة، و”وراء كل باب”، و”ليه لأ”، وناقشت قضايا الطلاق والتنمر وتأخر سن الزواج وتبني الأطفال والخيانة الزوجية، وكلها أعمال سلطت الضوء على مشكلات لم تكن حاضرة في المحتوى الدرامي، لكن الاستغراق فيها وإعادة تقديمها بقوالب متباينة أفضى بها إلى التكرار والندرة على مستوى الأفكار.
وأوضح الناقد المصري سمير الجمل أن ظاهرة التكرار أو الاستنساخ ليست جديدة وتعاني منها الدراما منذ فترة، مع غياب عدد من كبار المؤلفين وإعداد البدائل لهم والاعتماد على وجوه تفتقر إلى الجودة والقيمة الفنية ذاتها التي تمتع بها مؤلفو فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ما أسهم في انتشار مصطلحات جديدة على الدراما منها إعادة إنتاج أعمال أجنبية وتقديمها بما يتماشى مع الدراما المصرية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تعريف الفن يغيب عن كثير من صُناعه، والبعض يعمل على تقديم الواقع في قضايا معينة بينما الفن يمثل إعادة صياغة الواقع، والفارق بينهما كبير، لأن الأساس الابتكار والإبداع والتنوع، وهو أمر يحدث من خلال ثقافة وخيال وفهم جيد للواقع، والتي أدى عدم وجودها إلى انتشار “ورش الكتابة” المصطنعة.
وتابع الجمل قائلاً “مع غياب كبار المؤلفين جرى الاعتماد على مؤلفين يفتقرون إلى الإمكانيات، ونتيجة الرغبة في تقديم أعمال عدة في توقيت قصير وتراجع الكفاءات كان الحل في الورش التي حولت إنتاج المسلسلات من الإبداع القائم على الدقة إلى صناعة سريعة قائمة على أفكار مختلفة غير متجانسة في العمل الواحد”.
وتختلف بنية العمل الدرامي الذي يقوم على ما يقدمه المؤلف من إبداعات وعرضها على أبطال العمل لتقديمها، وأصبح البطل/ البطلة المتحكم الأول في المؤلف وفي قصة العمل وتوجيهها، بالتالي تضخمت مسألة اعتماد ممثلين بعينهم على مؤلفين ومخرجين محددين للخروج بخلطة تخدم الفنان البطل وليس الإبداع الدرامي.
الدراما لا تعاني من توجيه محدد في القضايا أو الموضوعات المطروحة، لكن الأزمة تتمثل في وجود محددات تتحكم في السوق
تسبب التعامل مع إدارة العملية الدرامية بحس تجاري في انتشار ظاهرة التكرار، وأن بعض شركات الإنتاج أصبحت توفر الجزء الأكبر من ميزانية العمل لأجور الفنانين، وتبحث عن مؤلفين ليست لديهم خبرات كافية لتمنحهم أجورا زهيدة.
وأكد الناقد الفني مدحت بشاي أن الدراما المصرية تتراجع، وأعمال المؤلف عبدالرحيم كمال الوحيدة القادرة على تقديم ابتكار فني، وهو يحظى باهتمام رسمي بما يقدمه من أعمال بما يشير إلى وجود مشكلة على مستوى الكتابة وتقديم نصوص إبداعية.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الأعمال الدرامية المصرية شوهت صورة رجل الأعمال دون مبرر، وتجاهلت تقديم نماذج إيجابية عديدة، ولذلك تأثيراته السلبية على مناخ الاستثمار وإن كان الهدف منه الابتعاد عن تقديم قضايا بعينها، كما أن الكثير من الأعمال شوهت دور المرأة والرجل دون أن تقصد.
وشدد على أن الدراما تفتقد إلى مايسترو يحدد أهدافها بدقة ويختار موضوعات بعناية تتواكب مع التطورات المجتمعية، والمؤلف وسيناريست له خبرات متراكمة في مجاله، وهي مهمة قامت بها وحدة الإنتاج الدرامي في اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقا.
ويعد مسلسل “مشوار الونش” هو التعاون الثالث على التوالي بين الثلاثي محمد رجب والمؤلف أحمد عبدالفتاح والمخرج إسماعيل فاروق بعد مسلسلي “الأخ الكبير” الذى شاركت في بطولته هبة مجدي وآيتن عامر وعبير صبري، و”ضربة معلم” الذي شاركت في بطولته رانيا فريد شوقي ومي سليم وهاجر أحمد.