مشهد انتخابي جامد في مصر في ظل "فوبيا" التغيير

القاهرة – يتوجه المصريون إلى صناديق الاقتراع اعتبارا من السبت للمشاركة في انتخابات مجلس نواب جديد يتوقع أن يكون نسخة مطابقة للبرلمان الحالي الموالي للرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو ما يبدو أن النظام حرص عليه.
ويقول محللون إن بصمات الحكومة كانت حاضرة في عملية تركيب التحالفات والقائمات في نزعة تعكس توجها للحفاظ على الوضع الراهن، في ظل “فوبيا” من أي تغيير، رغم الانتقادات الدولية لطريقة التعاطي الرسمي لاسيما على مستوى التضييق على الحريات السياسية، والتي من المرجح أن تتصاعد في حال فوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وتجري الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية التي سيختار خلالها المصريون 568 نائبا من إجمالي 596 يومي 24 و25 أكتوبر. وسيختار السيسي الذي عملت حكومته، منذ تسلمه السلطة، على إسكات كل أطياف المعارضة، بقية أعضاء مجلس النواب.
ويضم المجلس المنتهية ولايته والذي تمّ انتخابه في العام 2015 بعد عام من تولي السيسي الحكم، أغلبية كاسحة مؤيدة للرئيس المصري ومجموعة صغيرة من نواب المعارضة الذين يشكلون تحالف25 – 30.
وبدت مهمته منحصرة في تزكية خطوات الحكومة من خلال مصادقته على معظم مشاريع القوانين التي طرحتها حتى تلك التي تلاقي اعتراضات شعبية، ولم تكن هناك معارضة برلمانية قوية قادرة على خلق الحد الأدنى من التوازن، وهذا يعزوه البعض إلى الحالة السياسية في البلاد والتشدد الرسمي ضد أي نفس معارض.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة إن البرلمان “أصبح جهازا تابعا للسلطة التنفيذية وليس سلطة تشريعية حقيقية”. ويضيف “لم يراجع البرلمان سياسات الحكومة كما لم يؤد الوظائف المنوطة بالبرلمانات عادة”.
ومنذ أسابيع، رفعت لافتات دعائية كبيرة للمرشحين في شوارع المدن المصرية. كما قام بعض المرشحين بنشر أغان وأشرطة فيديو للترويج لأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعيد العديد من أعضاء البرلمان المنتهية ولايته ترشيح أنفسهم في الانتخابات التي تشارك فيها أحزاب سياسية عدة لا وزن حقيقيا لها. ويشارك أكثر من أربعة آلاف مرشح في الانتخابات. ويتقدم تحالف انتخابي يقوده حزب “مستقبل وطن” المؤيد للحكومة، بأكبر عدد من المرشحين.
واكتسب الحزب الذي يضمّ رجال أعمال نافذين وشخصيات عامة، أهمية في الحياة السياسية منذ العام 2014. وهذا الأسبوع تم انتخاب رئيسه عبدالوهاب عبدالرازق رئيسا لمجلس الشيوخ.
وستكون هذه الانتخابات التشريعية الثانية التي تنظم في ظل جائحة كوفيد – 19 التي حصدت أكثر من 105 آلاف إصابة في مصر من بينها قرابة 6200 وفاة. وانتخب المصريون في أغسطس الماضي 200 من أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 300، إذ يعين رئيس الجمهورية 100 عضو.
وكان مجلس الشيوخ ألغي عقب الثورة التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك، لكن تمت إعادته بموجب تعديلات تشريعية أُقرّت في استفتاء شعبي في العام 2019. وتتيح هذه التعديلات للرئيس السيسي البقاء في السلطة حتى العام 2030، وتعزّز من سلطته على القضاء.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، تعرضت انتخابات مجلس الشيوخ لانتقادات شديدة ووصفت بأنها “بلا جدوى” أو بأنها “مهزلة”. ويقول أستاذ الاجتماع بجامعة النيل سعيد صادق إن “عودة مجلس الشيوخ لم تكن ضرورية”.
ويرجح أن تشهد الانتخابات التشريعية نسبة مشاركة ضعيفة بسبب عدم اكتراث الناخبين البالغ عددهم 63 مليونا في ظل يأس من حدوث أي تغيير. ويقول نافعة “المجال العام مليء بحركات وأيديولوجيات وأحزاب تساند سياسات النظام الحاكم”، مشيرا إلى أن ليس هناك الآن ما يسمح بانتخابات “حرة وحقيقية”.
ويرى مراقبون أن أصحاب القرار في مصر لا يقتنعون بجدوى فسح المجال أمام بروز معارضة حقيقية، تعيد الحياة إلى الساحة السياسية، ويفضلون الإبقاء على الوضع كما هو في ظل مشهد إقليمي ودولي متحول.
ويقول المراقبون إن النظام المصري استفاد نوعا ما من عدم اهتمام الإدارة الأميركية الحالية بالوضع الداخلي في مصر، لكن هذا الأمر قد يتغير مع صعود بايدن، الذي من المرجح أن يتشدد أكثر مع القاهرة لاسيما في ملفي الحريات السياسية وحقوق الإنسان.
وقد برزت في الفترة الأخيرة دعوات يقودها نواب ديمقراطيون أميركيون لتسليط الضوء على الوضع الداخلي في مصر بعد صمت طويل، ربطها كثيرون بالانتخابات الأميركية.
وقال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري، إن موسم الانتخابات الأميركية دائما ما تصاحبه كثافة في التقارير الغربية الصادرة بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، لأن هذا الملف يجري استخدامه من قبل الأطراف المتنافسة سياسيا بما يصب لصالح المصلحة الانتخابية لكل مرشح.
وأضاف أيمن نصري لـ”العرب”، أن الديمقراطيين ينشطون في هذه الأثناء من أجل تدعيم وجهة نظر المرشح جو بايدن بشأن تصريحاته التي هاجم فيها منافسه الجمهوري الثري ترامب من زاوية انحيازه للنظام المصري، وغضه الطرف عن تجاوزات ملف حقوق الإنسان، والأمر ذاته بالنسبة للجمهوريين الذين يريدون التأكيد على أنهم يتعاملون بحيادية مع أي تجاوزات حقوقية في هذا البلد.