مشعان المشعان لـ"العرب": أفكر في الانتقال إلى حقل أدبي آخر

كاتب استغرق خمس سنوات للإجابة عن سؤال واحد.
الثلاثاء 2025/05/13
أجمل شعور أن تلتقي بقارئ وتتشاركان في فكرة

بعد تأملاته في يومياته يقول الكاتب السعودي مشعان المشعان إنه ينوي الانتقال من الكتابة في مجال اليوميات وأدب الرحلة، إلى حقل أدبي آخر "قد يكون فن الرواية". فقد كان السؤال رفيقه الأول في الكتابة ومازال مستمرا معه، وهذا ما تكشفه "العرب" في حديثها مع الكاتب.

يوضح مشعان المشعان – الذي فاز كتابه “ما أَحمِلُهُ مَعِي” بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في فرع اليوميات بدورتها الـ23 لسنة 2025 – في تصريحات لـ “العرب” أن فوزه بهذه الجائزة جعله يشعر بأنه قد “أتى بما ينبغي عليه في أدب الرحلة”، ومن ثم فإنه قد حان وقت الانتقال إلى حقل أدبي آخر ربما يكون الرواية.

ويؤكد المشعان أن فوز كتابه بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في فرع اليوميات، كان مفاجأة، وسبباً في أن يعيش “أجمل شعور” – بحسب قوله – حيث شعر أن “تعب خمس سنوات” عمل فيها على إنجاز هذا الكتاب لم يذهب سدى، مُعتبراً أن فوز الكتاب بالجائزة كان بمثابة انعتاق للكتاب منه، ذلك أنه على مدار خمس سنوات لم يتوقف عن القيام بتعديلات ووضع إضافات جديدة على كتابه.

تجربة الذات

يقول المشعان لـ”العرب” إن ما يُميز كتابه “ما أَحمِلُهُ مَعِي” – بالنسبة إليه على الأقل – أنه “قابل للاتساع” ويستطيع أن يدخل عليه إضافات لانهائية، وأن شعوره هو والكتاب شعور واحد هو شعور “الانعتاق”، و”التحرر”.

ويلفت إلى أن فرحته بتلك الجائزة تكمن في أنه سوف يصل إلى الآخر القارئ بأسرع ما يكون، حتى خارج حدود بلاده، متابعا بقوله “أجمل شعور هو أن تلتقي بقارئ وتتشاركان في الفكرة الواحدة، واهتزازات العواطف والمشاعر.”

ورداً على سؤال حول وجود مشاريع أخرى له في حقل أدب الرحلة، يقول لـ”العرب” إن لديه كتابا آخر بعنوان “الأرض تحت الريح”، حاصلٌ على منحةٍ من وزارة الثقافة السعودية ضمن مبادرة “حاضنة الكتاب” سنة 2024 وقد صدر بالتعاون مع دار رشم للنشر والتوزيع، حيث حل اسمه ضمن عشرة كتّاب فازوا بتلك المنحة من بين 400 شخص تقدموا لنيلها.

وحول موضوع هذا الكتاب، قال “المشعان” إن كتابه “الأرض تحت الريح”، يُجيب عن سؤال “ما معنى أن نسافر؟” باحثًا عن سمو الذات، وإثراء التجربة ليس المكانية فحسب، بل تجربة الذات في امتدادها الزمني والإدراكي والشعوري.

ويشير إلى أن السفر في “الأرض تحت الريح” زمني نفسي يتأرجح بين زمن التذكر والاستعادة في الكويت وزمن التخيل والانطلاق نحو آفاق مغامرات في ماليزيا وجورجيا “راكدٌ في غرفته يجوب، عبر طاقة التخييل، أماكنَ وأفضيةً ذات مرجعيات جغرافية واقعية، تشحذه مخيلته عبر مطالعة الكتب المتنوعة، ليكتشف مدينة كونداسانغ الماليزية بأنهارها وجبالها وغاباتها، وليعايش رحلةً مختلفةً في مدن جورجيا القديمة، فيتعرف قلاعها وطرقاتها التراثية وأنهارها.”

يذكر أن كتاب “ما أَحمِلُهُ مَعِي”، لمؤلفه مشعان المشعان، والفائز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في فرع اليوميات (2025)، تتميز يومياته بأنها كُتبت بلغة الرسائل الموجهة إلى شخص يقيم في بلد آخر، يخاطبه صاحب اليوميات وبينهما مشترك من ذكريات الإقامة في مكان غادره كل منهما إلى بلده.

يسرد مؤلف اليوميات في كتابه الذي جاء في 270 صفحة، وتوزعت مادته على تسعة فصول وثمانية وعشرين باباً، وقائع وأحداثاً مشتركة، وأخرى عن سفره في مدن وعواصم غرباً وشرقاً، مصطحبا دراجته الهوائية التي لا تفارقه في أسفاره. فهو هاو وعاشق لسباق الدراجات.

 وأحياناً ما يستعيد حواراً مع شخص صادفه في مقهى وطرح عليه سؤالا: هل تسافر لوحدك؟ “أجبته بعقلي مع حركة القطار الرتيبة: نعم. أمّا لمَ؟ فلأنني أظهر الجانب الخيال مني في السفر، فالخيال لا يملّ من تكرار فعل الأشياء، أو فعلها وممارستها لساعات طوال.”

ونُشير هُنا، إلى أن الدراجات ليست وحدها ما لا يفارق صاحب هذه اليوميات في الحل والترحال. فهناك الكتب والقهوة والمقاهي والعزلة الشخصية. وبرغم أن ظواهر اجتماعية وثقافية وأخرى سلوكية وسايكولوجية هي ما يشغل الكاتب، إلا أن العزلة الشخصية للتفكر والتأمل في كل هذا عبر السفر والإقامة هو ما يلتذ له الكاتب ويؤثره. فهو يستدعى أقوالاً ومقاطع من كتب قرأها لرحالة وروائيين وفلاسفة. ويعلق عليها أو يسوقها للبرهان على فكرة أو استمزاج موقف أو تأكيد انطباع.

وهكذا فإن ما يشغل بال الكاتب المسافر عبر المدن إنما ينعكس في تساؤلات تقوده إلى خلاصات عن شواغله الأدبية والفكرية، من قبيل “المدن كما القراءة، كما الكتابة.”

ويتداخل في هذه اليوميات الانطباع مع الذكريات والملاحظات مع التأملات. وكما تدلنا نصوص الكتاب، فإن كاتب هذه اليوميات هُنا سارد يختبر ذاته مع الأمكنة وناسها، وأفكاره وتصوراته مع الوقائع والعبر التي يستخلصها من تلك الوقائع التي هي غالبا ما تتداخل بين الظواهر الإنسانية والأفكار الشخصية.

خمس سنوات للإجابة

يقول مشعان المشعان في مقدمة كتابه “ما أَحمِلُهُ مَعِي”، إنه قام برحلات عديدة، ولم يُفكر يومًا في تسجيل وقائعها في كتاب. إلى أن وقع بين يدييه كتاب “ما أعرفه على وجه اليقين” للكاتبة الأميركية أوبرا وينفري. التي تتحدث في كتابها عن لقائها مع الناقد السينمائي جين سيسكيل الذي سألها “أخبريني ما الشيء الذي تعرفينه على وجه اليقين؟” تقول أوبرا “لقد وجدْتُ نفسي عاجزةً عن الرد تمامًا. أعاد عليّ السؤال ثانية “ما الشيء الذي تعرفينه يقينًا من حقيقة نفسكِ وحياتك، أي شيءٍ وكل شيءٍ؟. قلتْ له: يلزمني وقتٌ لأفكر في هذا السؤال يا جين.”

يُبين المشعان أن سؤال “ماذا أحمل معي؟” لم يكن حاضرًا في ذهنه، إلى أن وصل إلى نهاية مقدمة كتاب “ما أعرفه على وجه اليقين”، حيث وجد مؤلفته أوبرا وينفري “كانت أوبرا توصيني: أملي أن تبدأ بطرح السؤال نفسه الذي طرحه عليّ جين منذ سنواتٍ عدةٍ. أعرف أن الشيء الذي ستجده في الطريق سيكون رائعًا، لأنك ستجد نفسك.”

 وهنا بدأ – المشعان –  بطرح السؤال على نفسه، ليستمتع برحلة استكشاف ذاتي بما يمكن أن يقدمه الجواب عن ذلك السؤال؛ فكان كتابه “ماذا أحمل معي؟”.

ونوه مشعان المشعان، إلى أنه إذا كان قد استغرق الأمر من أوبرا، كي تُجيب عن هذا السؤال، ست عشرة سنةً، فقد استغرق معه الأمر للإجابة عن السؤال والانتهاء من كتابه خمس سنواتٍ.

يقول صاحب كتاب “ماذا أحمل معي؟” إن الرحلات المذكورة في كتابي، استحضرتها “كبنية أدبية” أمرر بها أجوبة ذلك السؤال. وهو ما فعله جاك روسو في كتاب «هواجس المتنزه المنفرد بنفسه». لقد استخدمَ النزهات في الكتابة لأن المشي يوفر له مكانًا موضوعيًا يتكلم منه. كبنية أدبية، فإن قصة التجوال، كما تذكر مؤلفة كتاب «شهوة التجوال»، تشجع على الاستطراد والتداعي، بخلاف الشكل الأكثر صرامة للخطاب أو التقدم بتسلسل زمني في السرد السيري أو التاريخي.

بقي أن نشير إلى أن كتاب “ما أَحمِلُهُ مَعِي” هو خلاصة رحلاتٍ في تسع دولٍ قام بها مؤلفه مشعان المشعان، وتلك الرحلات التي توزعت تفاصيلها على فصول وأبواب الكتاب، تتجه كلها نحو تجربة غواية الذات بين الواقع وما يمكن أن نتشبع به من تجارب السفر خارج النطاق المادي، والملموس، والمتعة المعهودة بالسفر من تسلية ومعرفة حسية مباشرة إلى معرفة وجودية عميقة. تتجه أيضًا، وعلى نحو نسبي، إلى الكشف عن إجابات أسئلة فرعية ظلتْ تُصاحب المؤلف في هذه الرحلة: هل من الممكن أن تكون مرتحلًا حيث مكوثكَ، وتتعامل مع مقرك بوصفك عابر سبيل؟ وكيف يمكن أن نخلق تجاربنا في الحياة؟ ومن أين تنبثق تلك التجارب الشخصية؟ كيف لنا أن نسرق اللحظات ونعايشها؟ وكيف لنا أن نجاري الأشياء ونواكب اللحظة الراهنة؟ وما تلك اللحظات التي تُنقذنا؟

13