مشروع قانون كرامة يصطدم بلاءات رجال الدين في موريتانيا

الحسابات الانتخابية تجعل من السلطة السياسية مترددة في تمرير المشروع.
الأربعاء 2024/01/31
حقوق مهضومة

يواجه مشروع قانون يهدف إلى حماية المرأة الموريتانية من العنف المسلط عليها، بمعارضة شديدة من رجال الدين وتيار الإسلام السياسي، الذين يرون أن المشروع يستهدف تغيير النمط المجتمعي للدولة، ويشكل ضربا للشريعة الإسلامية.

نواكشوط- لا يزال الجدل محتدما بين مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية والدينية في موريتانيا حول “قانون كرامة”.

وقال الوزير الأول محمد ولد بلال خلال جلسة برلمانية إن مشروع القانون يشكل أداة قانونية لقمع مرتكبي أفعال العنف ضد المرأة، وسيوفر أداة قانونية إضافية لحماية الضحايا، ولمعالجة أشكال العنف المختلفة التي تقع النساء ضحايا لها بشكل متزايد.

وأعلن ولد بلال أنه سيتم تنظيم عدة قوافل للتوعية بحقوق النساء والفتيات في العديد من الولايات، إضافة إلى إنشاء مكتب استقبال للشكاوى، مع تواصل جهود إعادة تأهيل الأطفال المتنازعين مع القانون والجهود التوعوية حول ظاهرة انحراف القصر، حيث تعهد بتعزيز هذه الجهود خلال العام الجاري من خلال إشراك جميع الأطراف وعلى جميع المستويات في الوقاية والدعم الاجتماعي، من أجل مكافحة انحراف هذه الشريحة والحد من تهميشها.

ويأتي مشروع “قانون كرامة” وفق مسودته “إيمانا بقيم الإسلام ومقاصده التي جاءت لتحمي قدسية الأسرة وتصون كرامة المرأة والفتاة، واستلهاما للمبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.. ويهدف القانون إلى الوقاية من العنف ضد المرأة والفتاة، ووضع الإجراءات القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة”.

محمد ولد بلال: المشروع يوفر أداة قانونية إضافية لحماية الضحايا
محمد ولد بلال: المشروع يوفر أداة قانونية إضافية لحماية الضحايا

وقال وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب إن “استفحال ظاهرة العنف في سياقاتها المتعددة الاجتماعية والاقتصادية والتقنية، واستمرار النماذج النمطية القائمة على فكرة دونية المرأة وتبعيتها، يفرضان ضرورة اعتماد قانون يتعلق حصرا بمحاربة العنف ضد المرأة، خصوصا في ظل انتشار وتعدد أشكال العنف وخطورة استفحالها”.

ويواجه القانون انتقادات حادة من قبل رجال الدين وتيار الإسلام السياسي والقوى المحافظة في المجتمع، التي سبق وأن وقفت في 2017 و2018 ضد “قانون النوع” الذي صادقت عليه الحكومة في العام 2020، ولكن دون أن تحيله إلى البرلمان.

ويتضمن مشروع “قانون كرامة” ستة فصول و54 مادة تجرم كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وأنواع التحرش “في الفضاء العمومي أو غيره بأفعال وأقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية واضحة أو لأغراض جنسية واضحة بواسطة رسائل مكتوبة”.

وتنص المادة الـ26 من القانون على عقوبة “بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة عشرة آلاف أوقية إلى عشرين ألف أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين دون المساس بالتعويض للضحية عن الأضرار”.

ووفق المادة الأولى “يهدف القانون إلى الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات ووضع الإجراءات القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة”، وتنص المادة الـ27 على تجريم ختان الفتيات وكل ما من شأنه تشويه العضو التناسلي للفتاة، وجاء فيها “كل من يقوم بتشويه العضو التناسلي لبنت أو بأي ممارسة أخرى تضر بصحة المرأة والبنت، إذا لم تسفر نتيجة الفعل عن عقوبة أشد، يعاقب بالحبس ستة أشهر إلى سنة”.

وفي موفى سبتمبر الماضي، أعلن 152 من رجال الدين في البلاد، في بيان عن رفضهم لقانون العنف ضد النساء والفتاة، واعتبروه “نسخا كليا لشريعة الرحمن بشريعة شيطان”، زاعمين أنه ينسف ثوابت الولاية والقوامة، ويشجع على العقوق والنشوز، ويشيع للفاحشة والرذيلة، ويمكّن دعاة الشقاق وقطيعة الأرحام من العبث بسكينة الأسر واستقرارها، وإلغاء للأحكام الشرعية المنصوصة في القانون الجنائي ومدونة الأحوال الشخصية.

وقال الموقعون على البيان، وفي مقدمتهم الشيخ محمد الحسن الددو، رئيس مركز تكوين العلماء، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ محفوظ بن الوالد، رئيس المنتدى الإسلامي، ومفتي البلاد الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا، إنه لا عذر لمسؤول تنفيذي ولا تشريعي – بعد كل ذلك – في العمل على فرضه على المسلمين.

◙ القانون يواجه انتقادات حادة من قبل رجال الدين وتيار الإسلام السياسي والقوى المحافظة في المجتمع، التي سبق وأن وقفت في 2017 و2018 ضد "قانون النوع"

ورأى المنتدى الإسلامي الموريتاني أن “قانون كرامة” يتصادم مع العقيدة القرآنية، والشريعة الإسلامية، والقيم الأخلاقية، وهو “مخالف للكتاب، والسنة، وما أجمع عليه سلف وخلف الأمة، وغريب على عاداتنا الاجتماعية، ويهدد كيان الأسرة، واستقرار المجتمع، ومخالف لدستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي ينص على أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع”.

وأكد المنتدى وجود مساع حثيثة تقوم بها بعض الجهات لتسويق القانون تمهيدا لعرضه على الجمعية الوطنية من جديد، بعد فشل المحاولات السابقة، مشددا على أن اعتماد هذا القانون يفتح على البلاد والعباد أبوابا كثيرة من الشرور المستطيرة، معتبرا في بيان أن “القانون ينطلق من فلسفة النوع المنافية للدين والفطرة، فيه تبديل لشرع الله، وتشريع من الدين لما لم يأذن به الله، وذلك من خلال تحريم ما أحل الله، وتجريم ما شرع الله، وتحديد عقوبات مخالفة لحدود الله، ومنع حقوق شرعية أثبتها الله، ومنح (حقوق) مزعومة لم يأذن بها الله”. وادعى المنتدى أن “دولا كفرية، ومنظمات دولية هي التي تروج للقانون، وتسعى لفرضه، وتعمل على اعتماده، وتضغط من أجل ذلك، ولا يسع أي مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، ويغار على عقيدته، وينتصر لشريعته، ويذود عن قيمه، ويدافع عن أخلاقه، ويسعى لمصلحة شعبه، ووطنه، وأمته، إلا الوقوف في وجه هذا القانون، والعمل على وأده في مهده”.

ويعرّف مشروع القانون العنف ضد النساء والفتيات بأنه أي عنف موجه ضد الإناث يتسبب أو قد يتسبب في إلحاق أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية أو أدبية أو اقتصادية أو ثقافية، بالنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.

ويعرّف الاغتصاب بأنه أي وطء جنسي من أي نوع كان خارج إطار الزواج، يرتكب ضد امرأة أو فتاة، عن طريق العنف أو الإكراه أو التهديد، أما التحرش الجنسي فهو فرض أقوال أو حركات أو إيحاءات بصفة متكررة أو أفعال ذات صبغة جنسية، على امرأة أو فتاة، تمس بكرامتها بسبب طابعها المهين أو المذل، أو تخلق لها حالة ترويع أو عدوانية.

صفية بنت أنتهاه: الحكومة لن تتأخر في التصديق على مشروع القانون إذا كانت نصوصه منسجمة مع الشريعة الإسلامية
صفية بنت أنتهاه: الحكومة لن تتأخر في التصديق على مشروع القانون إذا كانت نصوصه منسجمة مع الشريعة الإسلامية

وبحسب مراقبين، فإن الحكومة لا تستطيع تحدي موقف رجال الدين، لاسيما وأن البلاد مقبلة على استحقاق رئاسي مهم يترشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لخوضه أملا في الحصول على عهدة ثانية.

وكانت الحكومة أعلنت أن الرئيس الموريتاني أعطى في مجلس الوزراء تعليمات صارمة بعدم تمرير أي مشروع قانون يخالف الشريعة الإسلامية، مضيفة أن مسودة مشروع القانون قيد الدراسة من طرف العلماء والقانونيين.

ويرى المراقبون أن المؤسسة الدينية في موريتانيا وخاصة منها الأجنحة المرتبطة بتيارات الإسلام السياسي والخاضعة للمرجعيات الإخوانية، تقف بقوة ضد أي محاولة لتحديث المجتمع، وهي تستند في ذلك إلى قدرتها على اختراق المجتمع المحافظ بالاعتماد على التزييف والتضخيم والتشويش والتلاعب بالمعطيات والتشكيك في النوايا وتلبيس الاجتماعي بالسياسي، والداخلي بالخارجي، وتحريض الرأي العام على السلطة وعلى الطيف التقدمي والليبرالي والداعي إلى تمكين المرأة من حقوقها أو إلى المساواة بين الجنسين.

وأوضحت وزيرة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة صفية بنت أنتهاه أن الحكومة لن تتأخر في التصديق على مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء والفتيات (كرامة)، إذا كانت نصوصه “منسجمة مع الشريعة الإسلامية”.

وينص مشروع القانون الجديد الذي يضم 55 مادة على أن “كل من يتزوج فتاة دون الثامنة عشرة (18) من العمر، يعاقب بالحبس ستة (6) أشهر إلى سنة (1) وبغرامة عشرين ألف أوقية إلى خمسين ألفا أو بإحدى هاتين العقوبتين، من دون المساس بأحكام مدونة الأحوال الشخصية”.

كما ينص في مادة أخرى على أن “كل من يحرم امرأة أو فتاة من ممارسة الحقوق التي يكفلها القانون، يعاقب بالحبس ستة (6) أشهر إلى سنة (1) وبغرامة عشرة آلاف أوقية إلى عشرين ألفا أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

وكانت المادة الـ19 من قانون النوع المثير للجدل في موريتانيا والتي تنص على أنه “يعاقب من سنة إلى سنتين بالحبس كل زوج يمنع أو يقيد شريكه عن ممارسته لحرياته العامة”، قد تعرضت لانتقادات حادة من قبل عدد من نواب المعارضة، الذين نادوا بتوضيحها.

وأوصت اللجنة الدولية المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة‏ موريتانيا بالتعجيل بطرح مشروع القانون أمام البرلمان ليعتمده، وقالت إنه يجب اعتماد هذا القانون أمام البرلمان انسجاما مع الالتزام الذي قطعه الوفد الموريتاني خلال الحوار البناء للقيام بذلك في النصف الأول من عام 2023، وأُعيد تأكيده أيضا في الجولة الثالثة من الاستعراض الدوري الشامل.

مشروع "قانون كرامة" يتضمن ستة فصول و54 مادة تجرم كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وأنواع التحرش

كما طالبت اللجنة التابعة للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة باعتماد تدابير محددة الأهداف لحماية نساء الحراطين واللاجئات وعديمات الجنسية والمهاجرات والنساء ذوات الإعاقة والنساء الريفيات.

وشددت اللجنة على ضرورة تجريم جميع أشكال العنف الجنساني ضد المرأة، بما في ذلك العنف الأسري والاغتصاب الزوجي، والتحرش الجنسي في مكان العمل، من دون استثناء، وضمان الاستناد في تعريف الاغتصاب إلى قرينة عدم الرضى، وأن يراعي التعريف جميع الظروف القسرية، انسجاما مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وقال فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالتمييز ضد النساء والفتيات في بيانه في ختام زيارة لموريتانيا دامت 12 يوما في أكتوبر الماضي، إن “على الرغم من الإطار المؤسسي القوي والإرادة السياسية لتعزيز المساواة بين الجنسين، فإن قمع النظام الأبوي الذكوري المقترن بالصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد يعيق تقدّم النساء والفتيات في المجتمع الموريتاني”.

وينتظر أن يتواصل الجدل الحاد حول مشروع “قانون كرامة” إلى حين اتخاذ القرار النهائي بشأنه، فيما تبقى السلطات الحاكمة بين مطرقة رجال الدين والقوى المحافظة وسندان التعهدات الدولية والمنظمات الحقوقية النافذة المتمسكة بضرورة المصادقة على مشروع القانون ليأخذ طريقه إلى التطبيق على أرض الواقع.

4